تطبيق القرار 1701 أم وقف إطلاق النار في غزة؟!
جمال الكندي
ضربات قاسية ومُوجعة أصابت الكيان الصهيوني خلال اليومين الماضيين على أيدي المقاومة الإسلامية اللبنانية في جنوب لبنان؛ حيث ضربت صواريخ المقاومة حيفا وجوارها، ولم تستثنِ عاصمة الكيان الصهيوني “تل أبيب”. وقد ذكرت مصادر المقاومة اللبنانية أنها أطلقت ما يقارب 350 صاروخًا في يوم واحد فقط، وهذه أكبر دفعة صواريخ وجهتها المقاومة إلى العمق الصهيوني منذ عملية اغتيال القادة.
هذا الأمر أدى إلى مشاورات أمريكية إسرائيلية لوقف إطلاق النار في لبنان تحت عنوان تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (1701). فما هي بنود هذا القرار؟
صدر القرار رقم (1701) في 11 أغسطس 2006 خلال فترة الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، بهدف وضع حد للنزاع المُسلح بينهما. القرار يحمل أهمية خاصة لكونه شكّل الأساس لوقف إطلاق النار بين الطرفين، ويتضمن عدة بنود رئيسية، مثل: وقف الأعمال العدائية، وذلك بدعوة إسرائيل وحزب الله إلى وقف كامل للأعمال العدائية بينهما، وانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ونشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان، وإنهاء الوجود المسلح غير الشرعي في جنوب لبنان، وإطلاق سراح الأسرى، واحترام سيادة لبنان، وهو ما يعني عدم خرق الأجواء اللبنانية من قبل العدو الإسرائيلي.
وجرى تطبيق جزء كبير من هذه القرارات، ولكن بقيت قضايا مثل نزع سلاح حزب الله، وعدم خرق الأجواء اللبنانية، والانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا عالقة ولم تُحل.
القرار رقم (1701) كان نتاج الصمود والمقاومة البطولية التي أبدتها المقاومة الإسلامية اللبنانية أثناء حرب 2006، وخروج هذا القرار كان انتصارًا لها؛ حيث كان المخطط من حرب 2006 تغيير واجهة الشرق الأوسط من بوابة لبنان، بكسر المقاومة فيها وفصلها عن سوريا وإيران، وإيجاد حل سياسي بمقاييس إسرائيلية في المنطقة.
اليوم.. إسرائيل تبحث عن حل سياسي يُناسبها بعد فشلها في القضاء على المقاومة اللبنانية، وهزيمة جيشها في جنوب لبنان. فقد تفاجأت والعالم معها بقوة المقاومة اللبنانية وعدم استطاعتها تجاوز القرى الحدودية والسيطرة عليها، كما فعلت في حرب 2006، وفي التصدي للصواريخ التي تضرب شمال فلسطين المحتلة وعاصمة الكيان الصهيوني. وانعكس هذا الإخفاق في الداخل الإسرائيلي باتهام القيادة العسكرية والسياسية بالكذب، حيث قالوا إنِّه تم القضاء على 80% من قدرات حزب الله الصاروخية، وإن القيادة العسكرية فقدت السيطرة على المقاتلين بعد اغتيال القادة العسكريين الكبار في الحزب.
السؤال المطروح بعد ما يُقارب الشهرين على توسيع معركة لبنان والخسائر الكبيرة التي مُنيت بها إسرائيل في هذه الجبهة هو: هل تقبل إسرائيل تطبيق قرار مجلس الأمن (1701)، أم أنها توقف عدوانها على غزة، وتتوقف بذلك بقية الجبهات المساندة؟! هذا الأمر يحلل عند المقاومة اللبنانية وفي الداخل الإسرائيلي.
القرار (1701) لم يُطبق بكل بنوده من الجانب الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية. فمن الجانب الإسرائيلي، مطلوب الانسحاب الكامل، وعدم التعدي على سيادة الدولة اللبنانية بخرق أجوائها، وهذا الأمر لم يُطبق من قبل الكيان الصهيوني. ومن الجانب اللبناني، مطلوب الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني لتفادي صواريخ “حزب الله”، ولم يُنفذ كذلك. وبقيت على مدار 18 سنة قواعد اشتباك معينة بين العدو الصهيوني، والمقاومة اللبنانية قائمة وفق حدود معينة، هذه الحدود كُسرت بعد التصعيد الأخير من قبل الجانب الإسرائيلي، والذي جوبه بتصعيد مقابل من قبل المقاومة اللبنانية.
فهل تطبيق القرار (1701) مفيد للجانبين؟ بالنسبة للجانب الإسرائيلي، هذا القرار يحرم العدو الإسرائيلي من خرق الأجواء اللبنانية، ويُلزمه بالانسحاب من مزارع شبعا. وبالنسبة للمقاومة اللبنانية، حتى لو طُبق هذا القرار، فإن صواريخ المقاومة أصبحت مداها أطول مما كانت عليه في 2006، والعدو الصهيوني يعلم ذلك.
وهل التسريبات الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية، وحتى اللبنانية الرسمية، عن قرب التوقيع على وقف إطلاق النار في لبنان هي من نافذة القرار الأممي (1701)، أم أنها ببنود جديدة تحت عنوان قرار معدل من (1701)؟ وهذا ما لا تقبله المقاومة اللبنانية، ولم يصدر عنها شيء حتى الآن بخصوصه. هذه التصريحات هي للاستهلاك الداخلي لمجتمع الكيان الصهيوني، الذي بات يطالب قيادته السياسية بوضع حد للمجابهة العسكرية مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
من هنا ندخل في مسألة وقف إطلاق النار في جبهة غزة، التي يماطل فيها رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو. فإذا تم وقف إطلاق النار في غزة، فإن باقي الجبهات المساندة لها سوف تتوقف، بما فيها جبهة لبنان الأكثر اشتعالًا وخطورة على الداخل الإسرائيلي. هذا الأمر أصبح ضاغطًا على الكيان الصهيوني، خاصة بعد صدور مذكرة توقيف لمجرم الحرب نتنياهو.
لذلك.. فمن الناحية التحليلية، فإن جبهة لبنان ما زالت جبهة مساندة لجبهة غزة. وربما يكون الاتفاق في لبنان من شروطه الاتفاق مع غزة. ويبقى الاتفاق في غزة أهون على الإسرائيلي من تطبيق قرار (1701). فهل سيكون وقف إطلاق النار القادم من لبنان أم من غزة؟!
وفي ظل التعقيدات الميدانية والسياسية التي تشهدها المنطقة، يبقى قرار وقف إطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، مرهونًا بالتوازنات الإقليمية والدولية. فالمقاومة أثبتت قدرتها على فرض معادلات جديدة في الصراع، بينما تسعى إسرائيل جاهدة لتقليل خسائرها واستعادة ما تبقى من هيبتها داخليًا وخارجيًا. قرار مجلس الأمن رقم (1701) لا يزال حاضرًا كإطار مرجعي للحل في لبنان، أما في غزة، فإن احتمالات التهدئة قد تكون أكثر واقعية، نظرًا لضغط المجتمع الدولي والخسائر المتزايدة على الجبهة الإسرائيلية. في النهاية وقف إطلاق النار في لبنان تحت أي بند هو خسارة المعركة مع حزب الله، وهي القنطرة التي ستؤدي إلى وقف إطلاق النار في غزة، وهذا يعني أن الجبهتين متصلتان وتعملان معًا.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
2024-11-28