تصاعد جرائم القتل الجماعي في الولايات المتحدة: امريكا ستنتهي من الداخل!
كتبت: عبير بسّام
تتصاعد ولكنها لم تتنوع طرق تنفيذ الجرائم في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة تلك التي تتعلق بإطلاق النار في المدارس، حيث يأتي طالب قديم أو منخرط حديثاً في مدرسة ما أو جامعة ما ويفتح النار فيقتل من يقتل ويجرح من يجرح وتنتهي الحكاية. وبكل بساطة يترك الجميع أمام هول جريمة كبرى، تلملم الجراح وتوضع الورود في مكان الحادثة ويتعاطف الجميع مع بعضهم البعض ثم يشعلون الشموع وينشدون بعض التراتيل، ثم يترك الوالدان والأهل لمصيرهم وللصراع المرير الذي يخلفه مصابهم. وتترك الجروح عميق أثرها وثقتها بأن هناك دولة قادرة على ضبط ما يحدث.
وحتى 23 كانون الثاني/ يناير 2023 كان هناك 33 حادثة إطلاق نار جماعي قتل خلالها 300 شخص.
في السابع والعشرين من آذار/ مارس الحالي تكرر السيناريو المهول، مع تغيير بسيط، فمن قام بالجريمة هذه المرة “شابة” في الثامنة والعشرين، وفي الحقيقة، فإن الشابة هي متحولة جنسياً. ومعنى ذلك كبير، وهذا يعني أن من يرتكب جرائم القتل الجماعي في أمريكا هم “شباب” أو بالأحرى ذكور، وذوي مشاكل نفسية كبيرة بالتأكيد، ولديهم سهولة في الوصول إلى السلاح. اذ حملت المتحولة أودري اليزابيت هيل بندقيتين نصف اتوماتيك تستخدمان في الهجوم ومسدس عيار 9 ملم، وابتدأ/ت إطلاق النار في أروقة المدرسة، أي أنه/ا كان/ت تهاجم بنية القتل، وهذا ما أشار إليه الإعلام الأميركي بطريقة غير مسبوقة.
وما يعتبر ملفتاً في الحادثة، أن المدرسة، التي هاجمها هيلي هي مدرسة خاصة وذات طابع ديني كان/ت تلميذاً فيها من قبل، وهذا له علاقة وثيقة بأزمة هيلي المتحولة جنسياً، خاصة وأن هذه المدارس ماتزال تعتبر من المدارس التقليدية، ولنقل بتعبير بسيط، تتجنب التعامل مع المثليين على أنهم حالة طبيعية في المجتمعات، اذ يتدخل العامل الديني الذي يعتبر المثلية مرضاً وليس جزءاً من الحالة الطبيعية المجتمعية. أضف إلى ذلك ان الحادثة جرت في ناشفيل- تينيسي، أي في مجتمع تقليدي لم يتقبل الانفتاح الأميركي الحثيث الخطى نحو انتشار العلاقات الشاذة كما في نيويورك أو هوليوود أو لوس انجلس. وهذا الكلام مبني بحسب رويتر على ما قاله المحقق، اذ أن المهاجم/ة كان يعاني حين كان تلميذاً فيها.
وهنا يحضرنا التوجه الغير طبيعي في المجتمعات الغربية نحو تشريع الزواج المثلي، وتشريع تغيير الجنس، وما إلى ذلك من التحولات التي يواجهها المجتمع الغربي مع تفشي المثلية فيه كأنها فايروس ينتقل في الهواء. بحسب التقديم التقليدي للمثليين في المجتمع الغربي، فإن هؤلاء يبدون وكأنهم أناس مسالمون ومغلبون على أمرهم، وفي الحقيقة هم ليسوا كذلك، إنهم أناس محبطون وبحاجة للعلاج وحتى خصومتهم مع جنسهم الأصلي تعتبر أزمة حادة بحد ذاتها والتي تدفع في الحالات الصعبة إلى ارتكاب جرائم القتل، من أجل الإنتقام والتنفيس والتخلص ممن تسببوا بازماتهم خلال حياتهم. وطرق التعامل مع هؤلاء الأشخاص باتت أزمة مجتمعية تدفع ليس فقط نحو ارتفاع نسبة الجريمة فيه بل نحو انحلال المجتمع.
بالتأكيد إن الحديث عن الأزمة التي تتعرض لها الولايات المتحدة في العشر سنين الأخيرة ليست صغيرة ويبدو أنها تتراكم وتزداد. اذ شهد العام الماضي 303 حادث إطلاق نار بحسب موقع K-12 وهو موقع أنشأه الباحث ديفيد ريدمان، 89 من هذه الحوادث كان في المدارس. والمفجع في الأمر أنه إذا أراد المرء قراءة تقرير الـ BBC حول حادث إطلاق النار في جامعة ميشيغان، وهي من أهم الجامعات في الولايات المتحدة في 14 شباط/ فبراير فسيجد روابط اضافية لحوادث أخرى مرتبطة بحوادث إطلاق النار في كل من فلوريدا وكاليفورنيا، إضافة إلى حادثة تينيسي. وسيجد أن مهاجم ميشيغان هو رجل اسود قصير القامة، فيبدو أن معظم حوادث إطلاق النار باتت في مرحلة ما هي تعبير عن حالة من الإضطراب بسبب التنمر الذي يتعرض له الطلاب أو حتى أفراد المجتمع المتماثل بين بعضهم البعض، ومثال على ذلك حادثة إطلاق النار التي قام بها رجل ذو 71 عاماً على مدرسة للرقص في ولاية انديانا في نيسان/ ابريل من العام 2021. ومن يتابع حوادث القتل فسيجد أن القاتل دائماً يرتكب جريمته مع دوافع عنصرية أو بسبب تعرضه للتنمر من قبل أقرانه وأحياناً بسبب رفض للحالة الإجتماعية المزرية التي يبدو أنها تتدهور في الداخل الأميركي، وأحياناً كثيرة بسبب رفض الواقع الجديد المرتبط بتشريع ما يتنافى مع الطبيعة.
لكن يبدو أن هناك تسطيح للمشكلة، فرئيس الولايات المتحدة جو بايدن يعزو الأمر للدستور الذي يعطي الحق لكل أميركي تجاوز 21 عاماً بحمل السلاح. وهو يحاول منذ قدومه للسلطة بسن قانون في الكونغرس يحد من السماح العشوائي لكل من بلغ السن القانوني حمله، ولكن هذا القانون مصدر جدل كبير، وارتفاع عدد الضحايا في العام الماضي وباكثر من أي وقت مضى ما عدا في العام 1970 بحسب K-12، يثير تساؤلاً كبيراً حول استغلال بايدن للحوادث من أجل تمرير قانونه فقط، مع أنه وصف حادثة تينيسي بانها مثيرة للقرف، وأنها لا تتسبب بإنقسام المجتمع الأميركي فقط، بل تتسبب بانتزاع روح الأمة الأميركية، وذلك خلال حديث له يحث فيه الكونغرس على إقرار القانون مجدداً.
بالطبع مع وجود الجمهوريين كأغلبية في المجلس من الصعب أن يمر القانون لأن ذلك سيفقدهم ثقة ناخبيهم، لأن القانون يمس بروح الدستور. ومرور القانون يعني انتصاراً لبايدن، ولذلك لن يمرره الجمهوريون أبداً. إن الصراع السياسي حول الفوز بالإنتخابات الأميركية والذي ابتدأ وبقوة منذ أكثر من ستة أشهر، حتى بات المرء يشعر أن ولاية بايدن الأولى ليست إلا حملة انتخابية لولاية ثانية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت الـ CNN تقريراً حول نشاط للمرشح الجمهوري المفترض رون ديسانتيس، حاكم فلوريدا الحالي، اذ طلب ديسانتيس من الأهالي رفع القصص والكتب التي يرون أنها غير مناسبة لأبناءهم عن رفوف المدارس. فأظهر التقرير أن بعض المدارس خليت رفوف مكتباتها من الكتب. وأما الكتاب الذي لاقى رفضاً كبيراً بين الأهالي هو قصة للأطفال بعنوان “التانغو يصنع ثلاثة”، وهي قصة بطريقين ذكرين يربيان بطريقاً صغيراً بعد أن حصلا على البيضة من حارس حديقة الحيوانات. بالتأكيد هناك ملابسات غير طبيعة تتعلق بالقصة الحقيقة لهذين البطريقين اللذين ربيا في حديقة سنترال بارك في نيويورك خارج البيئة الطبيعية لهما، ولكن المفهوم الذي تريد القصة نشره يتسبب اليوم بأزمة اجتماعية في داخل المجتمع الأميركي، والذي عمي عنه أو تغاضى عنه بايدن وغيره ممن يتصارعون على الحكم، بأن المجتمع الأميركي بات مجتمعاً مقهوراً من خلال العنصرية السائدة منذ بداية تأسيسه، وبسبب التنمر الفاضح الذي يمارسه الأقوياء على الضعفاء فيه، واليوم بات مقهوراً عبر فرض مفاهيم اجتماعية شاذة وقوننتها فيه. ويد هؤلاء هي من تحمل السلاح وتطلقه عشوائياً للتنفيس عن أزمانها، وقد تأتي الطلقة في رأس البلد.