تراجع عن الخطأ يا أبا عبيدة!
غانية ملحيس
تراجع عن الخطأ يا أبا عبيدة ، فالبوصلة الموجهة لسلوكنا : “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا”
فاجأنا بالأمس المناضل أبو عبيدة الذي أصبح رمزا للمقاومة الفلسطينية الباسلة وأحرار وشرفاء العالم، بتغريدة مغايرة لما عهدناه عبر حسابه الرسمي على منصة “تلغرام”: “نقول للجميع وبشكل واضح أنه وبعد حادثة النصيرات، صدرت تعليمات جديدة للمجاهدين المكلفين بحراسة الأسرى بخصوص التعامل معهم حال اقتراب جيش الاحتلال من مكان احتجازهم”. نأمل أن تكون زلة لسان في لحظة انفعالية، وندعو للمسارعة في سحبها والاعتذار عنها .
ندرك تماما هول الضغط الواقع على أهلنا في قطاع غزة بفعل حرب الإبادة المتواصلة التي توشك على دخول عامها الثاني. ولا تستثني بشرا أو حجرا. وتستهدف القضاء على مقومات استمرار الحياة الإنسانية في القطاع الذي أهدر النظام الدولي بمكوناته الغربية المشاركة، والعربية- الإسلامية المتآمرة والمتواطئة والعاجزة والصامتة دمه لاستعصائه على الاستسلام. ومعاقبته بالسعي لاقتلاعه من الجغرافيا والديموغرافيا والذاكرة الإنسانية.
غير أن ذلك- على فداحة ما يجري – ينبغي أن لا يقودنا إلى الوقوع في فخ معاملة العدو النازي بالمثل. فالأمم والشعوب تنتصر وتتقدم بقيمها الحضارية الإنسانية، وبالالتزام بها في أحلك الظروف. والقوي هو ذاك الذي يملك نفسه وقت الشدة . والحر هو الذي يتفوق إنسانيا على عدوه مهما بلغت همجيته ووحشيته .
لقد شهدنا ثباتكم على قيم حضارتنا الإنسانية العظيمة طوال حرب الإبادة الجماعية غير المسبوقة تاريخيا في استهدافها الإنسان والمكان وكل مقومات استمرار الحياة الإنسانية. والمنقولة وقائعها بالبث الحي على مدار الساعة ويشاهدها العالم قاطبة لحظة حدوثها دون أن يحرك ساكنا. ويشترك فيها جل التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري ضد الشعب الفلسطيني الصغير الأعزل في قطاع غزة وعلى امتداد فلسطين الانتدابية.
لقد حققتم – بثباتكم وصمودكم الأسطوري في الدفاع عن فلسطين وشعبها الأبي، وإصراركم على بلوغ حقوقه الإنسانية الأساسية في الحياة والحرية والعودة وتقرير المصير – ما عجزت عن تحقيقه أكثر الشعوب قوة وصلابة. فأصبحت مقاومتكم للظلم واستعصاءكم على الخضوع للطغاة نموذجا ملهما لأحرار العالم أجمع. وتفوقتم على عدوكم المجرم الذي يمتلك قوة تدميرية قاهرة ويحظى بدعم لامحدود من كل طغاة الكون، ويحفزه على زيادة التغول صمت وتخلي المهزومين من بني جلدتنا فلسطينين وعربا ومسلمين . فيواصل ذبح الأطفال والنساء والشيوخ وخيرة الشباب، وتدمير وحرق البيوت والمستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد وتجريف الطرقات وقطع الإمدادات الطبية والدواء والمال والغذاء والوقود، في أبشع جريمة ضد البشرية لم يشهد التاريخ الإنساني المدون قديمه وحديثه لها مثيلا . كما لم يسبق له، أيضا،أن شهد مثيلا لتضحياتكم وصبركم وصمودكم وترفعكم عن التماثل مع عدوكم ، فحافظتم على أسراه في موقعة طوفان الأقصى، ولم تستهدفوا بأسرهم سوى افتداء الأسرى الفلسطينيين . خلافا له عندما استباح أرواح مواطنيه وجنوده بتفعيل قانون هانيبال في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ فقصفهم بالطائرات والمدفعية لقتل الفدائيين الفلسطينيين رغم علمه بوجود مواطنيه معهم. وقتل بعضا من أسراه في قطاع غزة، رغم استنجاده بالجنود باللغة العبرية .
فيما حميتموهم وعالجتموهم في الأسر وقدمتموهم على أنفسكم وأبنائكم بالغذاء رغم الحصار والتجويع. وشهد العالم بأسره أثناء عملية تبادل الأسرى خلال الهدنة الوحيدة، حسن معاملتكم لأسرى العدو ، دللت عليها حالتهم عند الإفراج عنهم، وشهادات بعضهم،بذلك، رغم تهديد قادتهم، مثل الأسيرتين المحررتين حين جولدشتاين وابنتها أجام في لقائهما مع القناة الاسرائيلية الثانية عشر عندما قالتا أن مقاتلي حماس كانوا في الأسر يحمونهم بأجسادهم أثناء القصف.
هذه هي أخلاقنا وثقافتنا وقيمنا الحضارية التي جسدتموها على الدوام قولا وفعلا . ونوعاه أرغماني، التي قالت إنها – خلافا للشائعات -لم تتعرض للتعذيب وأن الكدمات في جسدها ناتجة عن القصف الاسرائيلي.
هذه هي المبادىء التي تهتدون ويهتدي بها الكل الفلسطيني أثناء الحروب المفروضة عليه : ” لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع ، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له “.
هذا ما عهدناه فيكم يا من تفتدون حرية شعبكم ووطنكم بأرواحكم. وهذه القيم الإنسانية والأخلاقية هي مصدر قوتنا وتفوقنا على عدونا الاستعماري الصهيوني العنصري. الذي لن يختلف مصيره عن مصير جلاديه النازيين الذين فاقهم إجراما ووحشية وعنصرية.
فيما حافظ الشعب الفلسطيني على رباطة جأشه وتعالى على جراحه واحتفظ بمثله وقيمه الأخلاقية والحضارية. فهذا سلاحه الأكيد إلى النصر الآتي لا محالة.
2024-09-04