بيبي نتنياهو امام خيارين أحلاهما مُر!
رنا علوان
وصف الصحفي آفي اشكنازي في مقاله بصحيفة “معاريف” نتنياهو “بالبائع المُحترف” قائلاً
[خرج رئيس الوزراء عن صمته … فألقى خطابًا يحتوي على الكثير من العروض … تمامًا مثل البائع المُحترف الذي يريد أن يبيع لك بالضبط (ما لا تحتاجه)]
بعد (حادثة الجثث الست ) بدأت الساحة الداخلية تزداد تضامنًا في وجه نتنياهو يومًا بعد يوم بشكل غير مسبوق ، وبوتيرة تصاعدية لم يعهده الكيان من قبل ، وهذا ما يزيد من حظوظ المعارضة ، ويبدّد في الوقت عينه كل جهود نتنياهو السابقة في كبح جماحهم الرامية إلى إنهاء الحرب بعد أن استنفدت نفسها تمامًا ، والتي باتت تشكّل خطرًا على مصالح الكيان الإسرائيلي اللقيط
أما الجدير ذكره ، هنا، أن “تروما طوفان الأقصى” وما شكّلته من بعثرة لأوراق ومخططات ، كان العدو قد اعدها مُسبقًا ، نتج عنها تخبط كبير وعدم ادراك ، دفعت بهم في بداية الأمر للمطالبة بعدم وقف الحرب ، من ضمنهم قادة الجيش والمؤسّسات الأمنية على اختلافها ، كما وزير الأمن وغيرهم ممن تُلقى عليهم مسؤولية ما حصل في 7 أكتوبر ، من ثم تصريحات علنيّة بضرورة إنهائها ، وهو ما كان يدفعهم إلى تغليف دعوة وقف القتال بمطلب استعادة الأسرى ، وإن بثمن «كبير جدًا»
بالإضافة الى ان حرب الإبادة الجماعية “والتطهير العرقي” بحق الشعب الفلسطيني ليست وليدة قرار الحرب المتخذ في السابع من اكتوبر ، بل هي حلقة في سلسلة معدّة مسبقًا ، لتصفية الشعب الفلسطيني وقضيته ، شاركت في اعدادها أجهزة [مخابرات عالمية كما عربية] ، فما شهدته بعض الدول الخليجية ، من تغيير في سياساتها الداخلية ، والتي أتت في سياق متسارع وغير مسبوق ، استهدفت ركائز مهمة في ثقافة وتاريخ شعوب هذه البلدان ، وذلك بهدف تمهيد الطريق للسيطرة الكاملة على هذه الشعوب ، وحرف بوصلتها عن قضايا الأمة ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية كي تُزيل عار التطبيع الذي اقدمت عليه وتعمل على تلميعه ، فيصبح بإمكانها بعد ذلك النأي بنفسها عن تقديم اية مساعدة يصب في مصلحة هذا الشعب في معركته ضد الاحتلال الغاصب ، [ وهذا تحديدًا ما كان يُعوّل عليه نتنياهو لذلك نجده يبطش بشراسة ويُظهر اقصى ما لديه من افعال جرامية ، كونه لا رادع يردعه ]
لكن المُفارقة التي حدثت ، ان طوفان الأقصى جاء مُباغتًا ، وكان من أحد إنجازاته هو أسر عدد كبير من المُرتزقة ، لذلك سعى نتنياهو بدوره لإستغلال هذا الشق عبر اخذهم كـ”شماعة” يُبرر فيها جميع قراراته وفشله في وجه الشارع الذي كان من قبل الطوفان مُشتعلاً ، وربط قضيتهم بإنهاء الحرب من جهة وشراء الوقت عبر المُفاوضات من جهة أخرى ، لغايةٍ في نفسه ضاربًا بعرض الحائط مصالح الكيان واحتجاجات “مُرتزقة الكيان” من مُعارضة واهالي الأسرى
وبما ان الرياح لا تأتي دائمًا بما تشتهي السفن ، فقد عاكست امنيات بيبي حقيقة الواقع ، ناهيك عن ان التداعيات الثقيلة للمأزق الذي وقع به نتنياهو لم تبدأ بعد… لأن استعار الشارع والمطالبات بالصفقة بكل هذه العلنية تعني أن نتنياهو وعصابة جيش الكيان أسقط في يدهم بعد 11 شهرًا هو بمثابة فشل ذريع ، وبداية النهاية لحكومة اليمين ، ودخول الكيان بمزيد من الانقسام بعد سقوط الحكومة
وبدل ان تتبلور الامور ، ازدات سوءًا فقد حرّك مقتل 6 من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة ، قبل أن تصل إليهم قوات العدو ، الساحة اكثر ، ودفع إلى حملة واسعة من التضامن مع عائلات الأسرى ، وتلبية دعوات التظاهر ، واحتلال الشوارع والساحات ، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية والحياتية ، بهدف الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للمضي قُدمًا في صفقة تبادل أسرى ، وإن كان الثمن «وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على غزة»
وما يجعل هذا الحراك غير مسبوق ، هو أن «الاتحاد العمالي العام» (الهستدروت) انضمّ إلى الدعوة ، وأعلن الإضراب العام وتعطيل الاقتصاد ، بما يشمل إغلاق مطار بن غوريون في اللدّ ، بينما تداعى «منتدى الأعمال الإسرائيلي» ، الذي يضمّ 200 من الشخصيات التي تمسك بالاقتصاد الإسرائيلي ، إلى الإعراب عن تضامنه ، وأكّدت بلديات مدن وازنة مثل تل أبيب وغفعتايم وكفارسابا وغيرها ، تلبية الدعوة وتكثيف التحرّكات الداخلية والاحتجاجات ، إلى أن تمتثل الحكومة لمطلب إعادة الأسرى بلا إبطاء ، ضمن صفقة تبادل مع حركة «حماس» ، ولو مقابل تلبية كل طلبات الحركة وشروطها
وقد سارع وزير الأمن ، يوآف غالانت ، بدوره ، إلى التماهي مع الدعوة إلى الاحتجاجات ، وطالب المجلس الوزاري المصغّر بـ«ضرورة المسارعة إلى الانعقاد والتراجع عن قرار الإبقاء على الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا» ، والذي يُعدّ واحدًا من أهم الشروط التي تمنع الاتفاق على صفقة تبادل أسرى ، مشيرًا إلى أنه قد «فات الأوان بالنسبة إلى “الرهائن الذين قُتلوا بدم بارد” يجب أن نعيد المخطوفين الذين بقوا في أسر حماس إلى الوطن»
وفي هذا السياق كتب المحلل العسكري في كيان العدو الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرونوت “رون بن يشاي” ضمن مقال مطوّل له :
“مع الملاحظة بتعديلي لبعض المصطلحات التي ارفض التعامل معها “
كتب يشاي [إن غضب مئات الآلاف الذين خرجوا إلى الشوارع أمس كان عفويًا ومُبررًا لكن الحزن والإحباط والغضب واللوم ليست خطة عمل وعلى “الكيان اللقيط” أن يخرج سريعًا من الوضع الخطير الذي يعيشه والذي وجد نفسه فيه
ويضيف “بن يشاي”: ليس فقط مصير المختطفين على المحك بل مصير الكيان الذي يعيش حرب استنزاف داخلية وخارجية …
كما ان الإرهاق النزفي الذي قد ينجم عنه خلال فترة قصيرة بعد ان يوجه إليه المحور الشيعي الضربة القاضية في ظل الصدع الداخلي ، والهروب إلى الخارج ، وانهيار الوضع الاقتصادي من الداخل ، نتائج لن تُحمد عُقباها ، لذلك لا بد من إجراء تصحيح حاد للمسار في أربعة مجالات
يتابع: المسارات الأربعة التي يجب تصحيحها هي
أولاً، يجب إطلاق سراح المختطفين فورًا على الأقل الأحياء منهم …
ثانيًا ، نحن بحاجة إلى تغيير الوضع الذي يتخذ فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قراراته بمفرده تقريبًا ، جنبًا إلى جنب مع حكومة هي في الواقع مجرد ختم مطاطي ومع فريق من المستشارين الذين يحاولون إرضاءه ، وبالتالي تعميق الانقسام في الكيان اللقيط
ثالثًا ، يجب إنهاء الوضع الحالي على الجبهة الشمالية
أما رابعًا، فإنه يجب تغيير حكومة نتنياهو لأنها تثبت يومًا بعد يوم أنها غير قادرة على إدارة البلاد بفعالية في زمن الحرب ، ولها مصالح وأيديولوجيات تتعارض مع الأهداف الاصلية للصهيونية ومحاولة تحقيقها تعرض أمن الكيان الوجودي للخطر
ولتنفيذ هذه الأهداف ، هناك عدة إجراءات ينبغي اتخاذها لتحقيقها وهي :
1 – يجب قبول الخطوط العريضة لصفقة التبادل وإنهاء الحرب بغزة التي تعكف إدارة بايدن وهاريس على صياغة هذه الخطوط في الولايات المتحدة في الوقت الحالي ، هذا المقترح هو مفتاح لكل شيء لذا يجب قبوله دون سؤال ، الاستسلام لحماس غير وارد إذا كان الكيان يريد الاستمرار في العيش في هذه المنطقة ، لكن العرض الأمريكي ، حتى لو كان ينطوي على “ابتلاع الضفادع” ، فهو مخرج مقبول وشريان حياة للرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة
كما من الضروري أن نقرر مع الأمريكيين مسبقًا ما يجب فعله إذا رفضت حماس قبول المخطط كما هو مكتوب ، بما في ذلك الإعلان العلني بأن أمريكا ستمنع أي إعادة إعمار لغزة ودخول أي شيء آخر غير المساعدات الإنسانية ، حتى ترد حماس بالإيجاب
كذلك يجب الاتفاق مع الحلفاء على كيف سيتم السيطرة على القطاع في اليوم التالي ، والمرشح الطبيعي هو السلطة الفلسطينية بدعم أميركي
في الوقت نفسه يحتاج الجيش العدو الإسرائيلي إلى تغيير أنماط العمليات داخل القطاع بطريقة لا تعرض المزيد من المختطفين للخطر ، هناك طرق للضغط على حماس حتى بدون الدخول جسديًا إلى الأنفاق المشتبه في احتجاز مختطفين فيها
2 – على نتنياهو أن يبادر إلى تشكيل حكومة طوارئ لإدارة الحرب تضم ممثلين عن المعارضة وتكون لها وضع قانوني
هذه الخطوة ضرورية لمنع القرارات الخاطئة والرهانات الخطيرة على حياة المختطفين والأمن القومي للكيان من قبل شخص واحد
ويضيف رون بن يشاي ، “لا أنوي تحليل دوافعه وما هي دوافعه حتى الآن ، ولكن من الواضح الآن أن نتنياهو ، بقدر موهبته ، ارتكب أخطاء فادحة منذ حكومة الحرب بمشاركة رؤساء الأركان السابقين بيني غانتس وغادي آيزنكوت ، والتي انهارت لأن نتنياهو تصرف بمفرده فقط”
3 – يجب الاستفادة من وقف إطلاق النار الذي سيعلن مع تنفيذ الخطوط العريضة لصفقة الرهائن لإعطاء فرصة للوسطاء الأميركيين والعربيين لتحقيق التسوية مع حزب الله
ليس وقف إطلاق النار بأي ثمن ، بل وضع أمني جديد في جنوب لبنان سيكون مقبولاً لكل من الحكومة “العدو الإسرائيلي” والنازحين ، ومن الأفضل ألا تأتي التسوية في الشمال التي لن تزيل تهديد الاقتحام البري وأسلحة حزب الله الثقيلة ، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات بدون طيار
لذلك في الوقت نفسه ، يجب استخدام وقف إطلاق النار بغزة لإعداد القوات والإمدادات وقطع الغيار (بمساعدة الأميركيين) للحملة في لبنان ، بما في ذلك مناورة برية ستفرض على حزب الله ترتيبًا سيكون مقبولاً بالنسبة “للكيان”
وإذا حاول الإيرانيون ومبعوثيها التدخل ، فإن القوات البحرية والجوية الأمريكية الموجودة في المنطقة ستساعد “الكيان” على صدها ، ويجب أيضًا الاتفاق على ذلك مسبقًا مع الإدارة الديمقراطية التي ستبقى في واشنطن حتى يناير من عام 2025 على الأقل
4 – ينبغي الإعلان عن الانتخابات في أقرب وقت ممكن ، ربما في وقت ما من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل
هذه الخطوة ضرورية لمنع تفكك “الكيان الإسرائيلي” من الداخل والوضع الناشئ الذي تتشكل فيه مجموعتان لهما أهداف مختلفة وقطبية في البلاد
إن وحدة الهدف ضرورية لتحقيق النصر في الحرب ، ومن الأفضل أن يتم ذلك من خلال عملية سياسية ديمقراطية بدلاً من دفع إحداهما بظهرها إلى الحائط ، حيث قد تهرب من البلاد أو تلجأ لا سمح الله إلى وسائل عنيفة
وإذا لم تكن هناك انتخابات ، هناك احتمال كبير أن ينتهي بنا الأمر إلى صراع داخلي وربما حتى حرب أهلية
يتابع “بن يشاي”: هذه هي الأهداف الأربعة الأكثر إلحاحًا التي يجب تحقيقها في الوضع الحالي ، وقد يطالب الجمهور في “الكيان الإسرائيلي”، بل ويجب عليه ، بتنفيذها فورًا ، حتى لو اضطروا إلى فرض إرادتهم على الحكومة (انتهى)
أن الأهمّ من تحرّك الشارع وحجمه وتداعياته المباشرة وردود الفعل الواسعة التي تماشت معه ، أنه لم يأتِ على خلفية التضامن مع عائلات أسرى قُتلوا في غزة فحسب ، بل جاء إمتداد لِمَ كان يحدث في السابق ، ما ضاعف ذلك من الأعباء ضدّ الحكومة ، وتحميلها مسؤولية مقتل الإسرائيليين الستة وغيرهم ممن سبق أن أُعلن مقتلهم
ما يؤكد للجميع أن السبب الذي حال دون بلورة “اتفاق تبادل أسرى”والذي من المُفترض أن يُعيد هؤلاء وغيرهم أحياء ، هو المصالح الشخصية الضيّقة للمسؤولين في الحكومة ، ما عمق ايضًا من أهداف الاحتجاجات ، لأن «منع استمرار تخلّي مجلس الوزراء عن المخطوفين ، يعني انه فقد مساره الأخلاقي والمعنوي تمامًا ، ويُفضّل المصالح السياسية على إنقاذ حياة المخطوفين»
ختامًا ، لقد بات واضحًا للجميع ما يمارسه بيبي نتنياهو من الاعيب ، مع انعدام النوايا الصادقة لحكومته في اجراء مفاوضات جادة ، وهذا الكذب سيترتب عليه دون اي ريبة غضب عارم لن يقوى على مجابهته ، وقد يكون له تأثيرًا حقيقيًا على وقف إطلاق النار في غزة ، أي ان ما يهرب منه في المفاوضات سوف يجبره الشارع على المضي به وتنفيذه ، شرط أن يستمر الغضب لأطول فترة ممكنة ، ناهيك عن أنه ليس من الضروري أن تعزل المظاهرات حكومة نتنياهو ، كون قرار عزل الحكومة يجب أن يأتي من جانب الكنيست أو من حكومة العدو الإسرائيلية نفسه
كما ان فتح مواجهات له في الضفة ومحاولة تنفيذ مخطط ضمها ، قد يُفجر ذلك قنبلة موقوتة في وجهه ، في حين هو عاجز عن ايجاد اي حل لأي مُعضلة في اي جبهة كانت
2024-09-04