بمناسبة اليوم العالمي للسّلام!
الطاهر المعز
اكتسبت الولايات المتحدة الأمريكية قوة عسكرية ضخمة لم تمتلكها أي دولة أو امبراطورية، وخصوصًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مما أدّى إلى عَسْكَرَة السياسة الخارجية (أو الدّبلوماسية) وفَرْض إرادة ومصالح وأهداف الإمبريالية الأمريكية وحلفائها على بقية دول العالم، من خلال الحروب العدوانية والإنقلابات والحملات الدّعائية (الإعلامية)، وهذه نبذة موجزة عن واحد من جوانب القوة العسكرية الأمريكية.
القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج
تمتلك الولايات المتحدة شبكة ضخمة من القواعد العسكرية خارج أراضيها، تُقدّر بأكثر من تسعمائة قاعدة في أكثر من تسعين دولة ومنطقة، أُقيمت في الأراضي المنهوبة من الشعوب الأصلية وتُلَوّث المحيط وتخلق مشاكل اجتماعية عديدة، من بينها جرائم الإختطاف والإغتصاب والقتل والإعتداء على المواطنين من قِبَل الجنود الأمريكيين الذين يتمتعون بالحصانة المُطْلَقَة والإفلات من العقاب، فضلا عن استخدام هذه القواعد للقصف وللإعتداء على أراضي الدّول الأخرى، كما تمتلك الولايات المتحدة مجموعة من القواعد (أكثر من مائة ) غير مُصرّح بها وبعضها لا يخضع لأي اتفاقية مثل القواعد التي فرضتها الولايات المتحدة في سوريا لاحتلال المناطق الفلاحية الخصبة وحقول النفط والغاز، شمال شرقي سوريا، وأُقِيمت هذه القواعد لتذكير العالم بالقُوّة الأمريكية وبالقُدْرَة على التدمير والعدوان في أي منطقة من العالم.
تضم هذه الواعد الأمريكية بالخارج أكثر من 220 ألف جندي وترسانات الأسلحة، ومن بينها الأسلحة النّوَوِيّة، وآلاف الطائرات والدبابات والسفن، لدعم العدوان الأمريكي في معظم مناطق العالم، وتحتفظ الولايات المتحدة بقنابل نووية في خمس دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي وطائرات وسفن وقاذفات صواريخ قادرة على حمل أسلحة نووية في العديد من الدول الأخرى لترهيب الخصوم – مثل روسيا والصين – ولاستفزازهم بتكثيف المناورات العسكرية في بلدان الجوار ( في أوروبا الشرقية القريبة من روسيا) وفي البحار والممرات المائية القريبة من المنافسين والخُصُوم، مثل منطقة المحيط الهادئ، حيث عملت الولايات المتحدة على محاصرة الصين بأكثر من مائتَيْ قاعدة عسكرية أمريكية…
استَوْلى الجيش الأمريكي على أراضي السكان الأصليين لإقامة القواعد العسكرية في “غوام” و”أوكيناوا” و “بورتوريكو” وعشرات المواقع الأخرى في مختلف أنحاء العالم، حيث استولى الجيش على أراض السكان المحليين الذين تم طَرْدُهُم، دون تعويضات، كما أرغم الحلفاء السكان على الرحيل مثلما فعلت بريطانيا التي طردت سكان جُزُر “تشاغوس” على الرحيل من جزيرة “دييغو غارسيا” بين سنتَيْ 1967 و1973، التي أجّرتها بريطانيا (القُوّة المُسْتَعْمِرة ) للولايات المتحدة لإقامة قاعدة جوية ولإجراء تجارب نووية، ولم تمتثل بريطانيا والولايات المتحدة لاعتراض الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، ومجمل القرارات القاضية بإعادة الجزيرة لأصحابها، ولا يزال الجيش الأمريكي يحتل “دييغو غارسيا” ويستخدمها كقاعدة انطلاق لبعض العمليات العسكرية…
يُؤَدِّي وجود القواعد العسكرية إلى تدمير الإقتصاد والمجتمع المحلي ونشر الدّعارة والكحول والمخدّرات مع إفلات الجنود الأمريكيين في الخارج من العقاب على جرائمهم، تجسيدًا لعلاقات القوة غير المتكافئة بين الجيش الأمريكي والسّكّان الأصليين، ويؤدّي وجود القواعد العسكرية الأمريكية إلى إنشاء مناطق فصل عنصري، حيث يأتي السكان المحتلون، الذين يتمتعون بمكانة من الدرجة الثانية، إلى القاعدة لأداء أعمال الطهي والتنظيف والإعتناء بالحدائق، فضلا عن ارتفاع الأسعار في المناطق المحيطة بالقواعد الأمريكية، مما يدفع السكان المحليين إلى المغادرة، كما يُؤدِّي وجود القواعد العسكرية إلى إلحاق أضرار بيئية لا يمكن إصلاحها، مثلما حصل للشعاب المرجانية والبيئة البحرية في جُزُر اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، كما في أستراليا وكولومبيا وغيرها، حيث تتسرب من القواعد العسكرية مواد كيميائية سامّة تُخلّف أضرارًا دائمة، مما يؤكّد ضرورة إغلاق القواعد العسكرية التي تُمثل شكلاً من أشكال الإستعمار المباشر…
عن مجموعة (world beyond war ) 20 أيلول/سبتمبر 2024
2024-09-26