النظام العراقي والبرلمان تحت عباءة النفوذ الإيراني: قراءة في معطيات الواقع السياسي!
بقلم: البروفيسور وليد الحيالي
منذ إسقاط النظام السابق في عام 2003، وما تلاه من ترتيبات سياسية أُنجزت برعاية الاحتلال الأميركي وتواطؤ إقليمي، برزت إيران كأكثر اللاعبين نفوذاً وتأثيراً في المشهد السياسي العراقي. هذا النفوذ لم يكن خفياً ولا عرضياً، بل بُني على أسس أيديولوجية وطائفية وأمنية، واستُثمر ضمن شبكة من المصالح والقوى التابعة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من بنية الدولة العراقية، بما في ذلك النظام السياسي ذاته ومؤسسة البرلمان.
أولاً: النفوذ الإيراني – الجذور والأساليب
مارست إيران نفوذها في العراق عبر عدة أدوات:
• القوى السياسية الحليفة: العديد من الأحزاب والكتل التي تصدرت الحكم بعد 2003 لها جذور إيرانية أو عقائدية ترتبط بالحوزة الدينية في قم، وبعضها نشأ في كنف الحرس الثوري خلال سنوات المنفى.
• الفصائل المسلحة: تشكّلت جماعات مسلحة عراقية موالية لإيران مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وبدور لاحق الحشد الشعبي، الذي جرى إدماجه في منظومة الدولة شكلياً، لكنه ظلّ على ارتباط عملياتي مباشر بإيران.
• التغلغل الاقتصادي: الهيمنة على قطاعات حيوية عبر شركات وسيطة وصفقات فساد تمكّن إيران من تمويل أنشطتها في الداخل العراقي، وسط غياب شبه تام لدولة القانون.
ثانيًا: البرلمان العراقي كمنصة للنفوذ
من المفترض أن يكون البرلمان ممثلاً لإرادة الشعب العراقي، إلا أن الواقع السياسي يؤكد أنه غالبًا ما يُدار من خلف الستار، ويُستخدم لتكريس نفوذ القوى المرتبطة بإيران. أبرز المظاهر:
• تمرير القوانين وفق مصالح فئوية: كتل برلمانية تخضع لتوجيهات من خارج الحدود، وتُفشل تمرير قوانين إصلاحية أو سيادية إذا ما تعارضت مع مصالح طهران.
• الشلل السياسي المفتعل: تعطيل تشكيل الحكومات أو إقالة الوزراء يتم أحيانًا بضغط من القوى الموالية لإيران، أو ضمن صراعات تصب في مصلحة إدامة الفوضى السياسية التي تخدم النفوذ الإيراني.
• التغاضي عن الانتهاكات: صمت البرلمان عن التدخلات الإيرانية، أو عن تجاوزات الفصائل المسلحة، يعكس واقعاً مفجعاً لعجز هذه المؤسسة عن القيام بوظيفتها الرقابية.
ثالثًا: النظام السياسي رهينة الولاء لا الكفاءة
إن النظام العراقي، وفق معطياته الدستورية والعملية، بات مختطفًا بيد نخبة سياسية تنتمي في معظمها إلى محاور إقليمية، وعلى رأسها إيران. هذا الانتماء:
• شوّه مفهوم الوطنية، إذ باتت التبعية تُبرَّر تحت ذرائع “المقاومة” أو “التحالف العقائدي”.
• أضعف مؤسسات الدولة، وحوّل المناصب إلى غنائم توزع على أساس الطاعة لا على أساس الكفاءة.
• عطّل التنمية والإصلاح، لأن القرار لم يعد عراقيًّا خالصًا، بل يخضع لمعادلات إقليمية تُفرض على الداخل.
رابعًا: الشعب بين المطرقة والسندان
العراقيون، رغم وعيهم المتزايد، ما زالوا محاصرين بين منظومة فاسدة تابعة، وفصائل مسلحة لا تؤمن بالدولة، ودستور فُصّل على مقاس المحاصصة. انتفاضة تشرين 2019 كانت محاولة شعبية لكسر هذا القيد، لكنها وئدت بالقمع والدم، وسط صمت برلماني وتواطؤ حكومي.
خاتمة: نحو استعادة السيادة الوطنية
لا يمكن بناء دولة حقيقية في العراق دون تحرير القرار الوطني من الهيمنة الخارجية، وعلى رأسها النفوذ الإيراني. هذا لا يعني خصومة مع الجوار، بل يعني إقامة علاقات على أساس الندية والمصلحة المتبادلة، لا على أساس التبعية والولاء. ومن هنا، فإن المطلوب:
• مراجعة شاملة لبنية النظام السياسي والدستوري.
• تقوية مؤسسات الدولة على أسس المواطنة.
• إنهاء سطوة السلاح خارج مؤسسات الدولة.
• وعي شعبي مستمر يُفضي إلى تغيير جذري عبر أدوات ديمقراطية حقيقية.
إن الدولة لا تُبنى بالشعارات، بل بالإرادة الحرة والسيادة الكاملة.
2025-07-02