المستبد الفاسد وصف، “مش مسبة”!
جمال الطاهات
وصف الملك عبد الله الثاني بانه مستبد فاسد، ضرورة لتبيان طبيعة الصراع معه، ولتوضيح النتائج المرجوة من هذا الصراع. رسم خط المواجهة مع السلطة، يتم بتوصيفها للإشارة إلى المستقبل بدونها. من الضروري لأي مشروع ثوري من استكمال فكرته بتقديم ما يشير إلى بديل السلطة، فالثورة لا تكتمل بالتمرد على السلطة، بل ببناء البديل الدي يجب أن يكون ديمقراطي مؤسسي، قائم على تمكين الشعب الاردني من فرض إرادته في وطنه، وأن يكون هو السيد، وجميع من في مؤسسات الدولة في خدمته.
لقد أبدى عدد من الأصدقاء ملاحظاتهم على وصف الملك عبد الله الثاني بالمستبد الفاسد، مقترحين استبداله بلفظ آخر. فبعضهم يعتبر أن تعبير “المستبد الفاسد” شتيمة واستفزاز، أو “تنعيله” بالعامية الواضحة، وهم يقولون – وفي قولهم الكثير من الصحة- بأن الكتابة الفكرية والتحليلية لا يستقيم معها الشتم واللعن. وردي بكل بساطة أن التعبير، لا يقصد منه شتم الملك أو “التنعيل” عليه، بل هو محاولة وصفه بشكل موضوعي أنه مستبد فاسد، لربط مبررات التمرد عليه بشكل الدولة التي ستليه.
لو كانت المسألة مجرد “فشة خلق”، لإعلان التمرد عليه والتعبير عن مشاعر عدم الاحترام له، فإن هناك العديد من الصفات الموضوعية التي يتصف بها، ويمكن الإشارة لها في سياق الشتيمة، بديلاً عن التركيز على صفته بأنه مستبد فاسد. لكن هذا الوصف ضرورة لتحديد شكل الخصومة وخطوط المواجهة معه، والبرنامج السياسي للحركة الوطنية الديمقراطية التي تسعى لتمكين شعبنا من استرداد دولته سلطة وموارد.
الشعب الأردني لا يخوض مواجهة مع الملك بسبب ولعه بالقمار، ولا بسبب تفاهته، وتدني ثقافته، ولكن بسبب استبداده وفساده، وإصراره أنه سيد للشعب ومالك للموارد يتصرف بها كيفما شاء. وشعبنا لا يتصدى له بسبب ملامحه المضحكة وهو يلبس العباءة، ولا بسبب عدم اتقانه للغة العربية، ولكن بسبب استبداده، وتمسكه بتصوره لنفسه كملك مطلق. حيث قال في بدايات توليه السلطة: (بدي أعمل ألي بدي إياه، والي بفتح تمه بسكر له إياه)، وما زال أسير هذا الفهم القاصر والمتخلف للمُلك والسلطة.
الشعب الأردني لا يعاني من مستبد لديه مشروع تاريخي، مثل جنكيز خان، أو بطرس الأكبر، أو لويس الرابع عشر، أو سليمان القانوني، نحن نتحدث عن ملك ركز السلطة بين يديه، وقمع الشعب، لخدمة فساده وفساد عائلته، وذلك واضح وتثبته العديد من الأدلة، مثل تعيين أقاربه على رأس منظمات عاملة، وبشكل مخالف للمادة 26 من الدستور، وتؤدي إلى تهميش مؤسسات الدولة. كما أن قيامه بسرقة أراضي الخزينة، وبعض الأملاك الخاصة، وتسجيلها باسمه، وهو الملك، دليل على أنه يعتقد أن السلطة وسيلة لتحصيل المال، فأطلق العنان له ولعائلته لينهبوا -بنهم لا يمكن اشباعه- كل ما يقع تحت أيديهم من موارد مالية. وحتى يسهل لنفسه ولأقاربه نهب كل ما يمكنهم نهبه، قام حرسه الخاص باحتلال مكتب محافظ البنك المركزي، وتم طرده بالرغم من انه من أقاربه، وذلك للسيطرة على عمليات تحويل المنهوبات للملاذات الآمنة.
أحد الأصدقاء المعترضين على تعبير مستبد فاسد، اقترح الإشارة إليه بأنه خائن عميل. فهذه صفة، مدعمة بالأدلة التي تثبت أنه وأبيه وكل أسرته متورطون بالخيانة والعمالة. إذ تثبت اتفاقية عبد الله الأول وتشرتشل أنهم مجرد موظفين لدى وزارة المستعمرات البريطانية، مهمتهم المساعدة في اخضاع الشعب الأردني لتمرير دور استراتيجي للدولة الأردنية مضاد لوجدان شعبنا. ولكن التركيز على هذا الجانب المشين للملك وعائلته، يأخذ الحركة الوطنية الديمقراطية الأردنية بعيداً عن أولوية بناء الدولة الحقيقية التي تعبر عن وجدان شعبنا وتخدم مصالحه في ذات الوقت. فلا حصانة للدولة الأردنية، ولا استكمال لاستقلال شعبنا، إلا بالديمقراطية، والتحرر من الاستبداد والفساد. فالتخلص من الخيانة يتم وبشكل تلقائي عند التخلص من الاستبداد والفساد.
وأضاف صديق آخر أن هناك صفات موضوعية أخرى له، يمكن تظهيرها مثل أنه كذّاب أشر، يعتقد بأن الكذب والخداع تعبير عن حرفية سياسية. ولكن هذه ممارسه هو متورط فيها، ومن شأنها أن تفقده الاحترام والثقة، ولا حاجة للتركيز عليها. فالمستبد الفاسد عاجز عن ممارسة المُلك بشكل نبيل، يليق بالملوك. فنحن نريد تمكين شعبنا من استرداد دولته سلطة وموارد، وليس إعادة تربية الملك، ولا تعليمه أصول المُلك والفروسية، ولكننا نريد استرجاع دولتنا منه ومن أسرته.
الوصف المركزي للملك بأنه مستبد فاسد، ضروري ومهم من حيث هو أداة تعبوية تساعد على توضيح النقطة المركزية لمشروع التغيير في الأردن (بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق أبنائها وحرياتهم، وتضع كل الموارد في خدمتهم)، وأيضاً تساعد على توضيح ملامح المعارضة الوطنية الديمقراطية التي تسعى للتغير، وأيضاً التزامها ببناء دولة المستقبل بملامح ديمقراطية واضحة لا تقبل اللبس.
فحين يتمرد الشعب على المستبد الفاسد، فسوف تكون الأولوية التخلص من “الاستبداد والفساد”، وبناء دولة حقيقية ديمقراطية تعبر عن وجدان شعبنا، وتصون حقوق كل مكوناته، وتضمن تمتع الأردنيين، بكامل طيفهم، بحقوقهم، وتحررهم من استجداء المكارم.
أخيراً، إنه وبالرغم من أن شتيمة الملك واسرته، انتشرت بين الناس بشكل لافت، فحيثما ذُكروا، توالت عليهم اللعنات والشتائم. وبالرغم من اهاناتهم المتكررة لأبناء الشعب الأردني ورموزه، إلا أن حركة التغيير الثوري لا تتورط بخطاب الشتيمة، ولكنها تقدم توصيف مكثف للعائق الذي يمنع استكمال الاستقلال الوطني، عبر برنامج نضالي عملي، يحدد طريقة التخلص من هذا العائق، ويحدد أيضاً وبوضوح حاسم ملامح الدولة القادمة التي تعبر عن وجدان الشعب وتخدم مصالحه. فعندما يتخلص الشعب الأردني من المستبد الفاسد، يجب وبالضرورة أن يعني ذلك تصفية الاستبداد والفساد وبناء الدولة الحقيقية، مما يعني أيضاً نهاية عهد الكذب والخداع والخيانة والعمالة.
2024-07-31