(( المبدع الحقيقي لن يسرق أبداً .. ))
عبدالسادة البصري
ما الذي يجبر المرء على السرقة ؟َ! وهنا أقصد السرقة بكلّ أشكالها ، لأنها حرام وغير لائقة جداً بكل إنسان ،لا أريد أن أخوض بتفاصيل السرقات وأنواعها وما تسببه من خراب في المجتمع بشكل عام وعلى مقترفها بشكل خاص من سمعة سيّئة !!
الذي يهمَني في هذا المضمار السرقات الأدبية التي كثرت هذه الأيام بسبب مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها ، وراجت كثيراً ، بل راقت للبعض من عديمي الموهبة الذين استهوتهم عمليات السطو على إبداعات الآخرين ،وطابت لهم الشهرة الفارغة ، فصرنا نسمع ونقرأ أن فلاناً أو فلانةً قد سرق/ ت من هذا المبدع ونسبه /ته لنفسه /ها ،وأن فلاناً استحوذ على مطبوع ما لإحدى الكاتبات في بلد ما وسطى عليه لينسبه كمؤلّف له ، وما إلى ذلك من سرقات لن تزيد الفرد إلاّ ضحالةً واغتياباً !!
قبل سنوات كان يجلس معنا في المقهى أحد الأساتذة المتقاعدين من مدرّسي اللغة العربية ، كنا نشركه بكل ما نقرأ و نهديه من إصداراتنا أيضا ، بالإضافة إلى حضوره جميع الفعَاليات الثقافية التي تقام في المدينة ، فصار قريباً منّا ونديماً لنا ، سافر أكثر من مرّة معنا إلى بغداد وجلس في اتحاد الأدباء !!
ذات يوم وعند خروجنا من المقهى أخذني جانباً ليقول لي أريد أن أصدر كتاباً قصصياً لأحصل على هوية اتحاد الأدباء ، سألته :ــ كيف يكون ذلك ؟، أجابني :ــ أنا مدرس لغة عربية وعندي إمكانية كتابة القصص !
بعد أن افترقنا تساءلت مع نفسي لماذا لم يكتب القصة في شبابه ، أو عندما كان يعمل في التدريس ، ما الذي جعله يفكّر الآن بإصدار كتاب قصصي غير الحصول على هوية اتحاد الأدباء طبعا ؟!
حالما وصلت البيت اتصلت به قائلاً له :ــ أستاذ هناك قارئ جيد يخاف منه الكاتب ويهابه ، كونه يسبر أغوار ما قرأه من نتاج أدبي ويعطي رأيه بكل ثقة معرفية وعلمية، وهناك آخر يجعل من نفسه اهزوءة حين يدخل مجالاً إبداعيا غير مجاله ويحشر نفسه فيه لا لشيء سوى غاية في نفسه فقط ، سكت قليلاً ثم أجابني :ــ شكراً لك بحجم الكون ، يا عبد السادة أنت صديق حقيقي وإنسان نقي ، وهذه نصيحتك جعلتني ارجع بذاكرتي إلى جلسات المقهى وحين اسمع بعض الأدباء يتندرون ويستهزئون بفلان أو فلان ، حين يصفوه بكلام لا يليق به كونه قد حشر نفسه في مجال ليس له فيه يد طولى ولا يمتلك موهبة إبداعية أبدا ــ وأكمل :ــ أنا عاجز عن شكرك جدا ، انتهى كل شيء ، وعاد في اليوم التالي يجلس معنا كما السابق ويناقشنا ببعض ما جاء في كتاب فلان أو نص فلان تاركاً فكرة الإصدار والهوية !!
ذكرت هذه الحكاية لأقول لمن يركض وراء سراب ، أو يحشر نفسه في مجال ليس مجاله أبداً أن يكفّ عن كل شيء ، ويلتفت الى نفسه باحثاً عن ما تمتلكه نفسه من إبداع في مجال آخر ليمضي فيه ، وأنا على يقين تام انه سينجح فيه ويكون له شأن أمام الآخرين يتباهى به ويتباهون هم به أيضاً بعيداً عن كل ما يجعله فرصة للتندّر والاستهزاء حتى وان لم يُسمعوها له حينما يكون حاضراً معهم ، بل يجعلونه حديثهم أثناء غيبته ورحم الله مَنْ جبَّ الغيبة عن نفسه ، لأن السطو على إبداعات الآخرين بأي شكل من الأشكال لن يجعل منك مبدعاً حقيقياً أبدا .. ومحبّتي للجميع !!
2023-09-14