الكيان المؤقت والهروب إلى غزة!
إيهاب زكي
على ضوء مسارات ردّ فعل الكيان المؤقت، بخصوص ما قرر تجاه تهديدات حزب الله، ومآلات جولة المبعوث الأمريكي التفاوضية حول الحقوق البحرية للبنان، كان واضحاً جداً بل شديد الفجاجة، أنّ الكيان المؤقت سيلجأ لسياسة الهروب إلى الأمام، حدّ أنّي كتبتُ ذلك قبل ساعتين من بدء العدوان على غزة، فيبدو المشهد أنّ الكيان هاجم غزة لا هرب من حزب الله.
رغم كل ما كان يُشاع عن إيجابية الوساطة المصرية، كما دخول الوساطة القطرية على خط التفاوض، وهذا ما أشاع حالةً من الاسترخاء الأمني والعسكري، ولكن في ظل هذا التكاذب الصهيوني، كان وجه لابيد يطل منكسراً على أطراف حقل كاريش، وهو على بوابة الانتخابات، فكان لا بدّ من خطوة هروبٍ لا تبدو استسلاماً، وغزة هي الخيار المتاح حصراً.
وخيار غزة أيضاً ليس خياراً مفتوحاً، حيث أنّ تجربة سيف القدس لا زالت عالقة في العقلية العسكرية للكيان، إنّما هو خيار تصعيد دون الحرب، لأنّ الهدف الرئيسي، هو تغطية الهروب من لبنان، ولكن دون التورط في حرب، قد تؤدي لخسارة لابيد مستقبله السياسي، مع خسارة استراتيجية للكيان.
وهذا أحد أهداف التركيز الصهيوني سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، على أنّ الاستهداف هو لحركة الجهاد الإسلامي حصراً، حتى تسمية العدوان بـ”الفجر الصادق”، تستبطن الاستفراد بالجهاد الإسلامي، وهذا ما فسره الناطق باسم جيش العدو، حيث أنّ الجهاد الإسصلامي يتخذ من اللون الأسود شعاراً، لذلك كان العدوان”باسم الفجر الصادق”.
لأنّ إبقاء حركة حماس خارج إطار التصعيد، سيجعل منه تصعيداً محدوداً مهما توسعت دائرته محلياً، أمّا دخول حماس على خط التصعيد، سيجعل من احتمالات تحوله إلى حربٍ مسألة وقت، وقد تقاس بالساعات لا بالأيام، وهذا التحول الذي لا يريده لابيد، هو فقط يريد ورقة توت تغطي سوءته في كاريش، دون احتمالات نزعها في معركةٍ أقل شراسةً في غزة.
في المقابل ردّت حركة الجهاد الإسلامي بإطلاق اسم وحدة الساحات، على تصديها للعدوان الصهيوني، وهي تسميةٌ تستبطن التلويح بفتح كل الجبهات، وتتدحرج موجة التصعيد لتصبح حرباً شاملة، وهي الحرب التي يتجنبها الكيان، وما اعتدى على غزة إلّا هروباً منها.
في غزة لا يوجد انفلاتٌ نضالي إن صحّ التعبير، أيّ أنّه لا يمكن لفصيلٍ التصرف بشكلٍ منفرد دون استراتيجية موحدة، وهي تتمظهر في غرفة العمليات المشتركة، حيث أنّ قرار الردّ كان جماعياً، ولكنٍ لأسبابٍ كثيرة من ضمنها تجنب حرب كبرى على قطاع غزة، آثرت غرفة العمليات المشتركة، أن ينحصر الردّ بمجاهدي سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بما يشكل استنزافاً لجيش العدو أولاً، كما يضع قرار توسيع العدوان في يده ثانياً، وهو ما سينسف نظريته البائسة عن أنّ الاستهداف لا لأحدٍ سوى حركة الجهاد.
حتى هذه اللحظة يستطيع لابيد التوقف وادعاء النصر، فيكسب الأصوات الانتخابية، ولكن في المقابل فإنّ الجهاد الإسلامي أغلق باب الوساطات، ويرفض حتى اللحظة التجاوب مع كل الجهود والمبادرات لوقف النار، وهذا سيجعل لابيد أمام خيارين، إمّا الذهاب لتصعيدٍ أكبر، على أمل إجبار الجهاد تحت وقع الخسائر البشرية لقبول التفاوض والوساطات، أو الذهاب لتقديم تنازلات تعيد تفعيل ميزان الردع الناتج عن معركة سيف القدس، وفي كلا الحالتين يكون قد خسر أصواتً انتخابية.
لا يمكن تفسير ما يجري سوى بأنّ العدو فقد عقله الاستراتيجي، أو على الأقل فإنّ قدراته الاستراتيجية لم تعد تتناسب مع عقله، فينطبق عليه المثل الشعبي”العين بصيرة واليد قصيرة”، وفي الساعات القادمة سنعرف إلى أيّ مدى قرر لابيد الذهاب، وذلك على وقع نية المستوطنين اقتحام الأقصى في يوم عيدهم.
أمّا في غزة فلا يوجد إلا روائح النصر وبشائر الدم، الذي يثبت في كل مرةٍ جبروته فينتصر على السيف، هنا في غزة تذوب الجدران وينصهر الحديد، بينما النفوس لا تعرف سوي كيف تزداد وهجاً، وعلى لابيد أن يذهب إلى قبر رابين، فيسأله كم كانت غزة عصيةً حتى على البحر، وكم كانت أكثر عصياناً على النار.
2022-08-08