الكويت تدخل النفق!
أضحوي الصعيب*
لزمن طويل بعد استقلالها تميزت الكويت عن محيطها الخليجي بالسبق في مجالات كثيرة أبرزها اثنتان: التقاليد الديمقراطية الراسخة والتعايش المثالي بين الطوائف. الا ان تلك الريادة لم تستمر، وأخذت تتباطأ لأسباب لا يتسع لها المقال، حتى جاء الغزو العراقي والتحرير الامريكي ليدفعاها أشواطاً الى الوراء. وما تلا ذلك من تماسك مبعثه الدور الشخصي للأميرين جابر وصباح. هذان الاميران ينتميان نفسياً وعقلياً لعصر الكويت الذهبي، فحافظا على قوة (الاستمرارية) لتصل مدىً أبعد من مداها الفيزيائي. وما ان رحل آخرهما (صباح الاحمد) قبل أربع سنوات حتى طفت الى السطح أوجاع ذلك الكيان المريض. كان صباح رداءً يستر تلك التشوهات، فلما زال برزت للعيان.
لا شك ان الاميرين جابر وصباح دفعا ثمناً باهظاً للحفاظ على صورة الكويت الناصعة في مجالين بات التمسك بهما شبه مستحيل، وهما: الموقف من فلسطين والموقف من الديمقراطية. فالموقف المبدئي من فلسطين يتطلب معاكسة السياسة الامريكية. ولم تكن معاكسة السياسة الامريكية بالأمر الممكن في كويت ما بعد الغزو. والتمسك بالديمقراطية الليبرالية بات يعني زوال حكم العائلة، فحافظا على موازنة قلقة وشاقة لا يستطيعها سواهما، تشبه الصبر على مداراة مريض السرطان. لذلك كان للأميرين اللاحقين موقف مختلف، خصوصاً الامير الحالي (مشعل) الذي وبمجرد توليه الحكم انقلب على الوضع القائم. رأينا انقلابه في مجال الديمقراطية بحلّه البرلمان وتعطيل المواد الدستورية الخاصة بها. ولا اشك في ان انقلابه يمتد ايضاً الى الموقف من فلسطين رغم أننا لم نسمع حتى الان شيئاً محدداً بهذا الصدد.
الانقلاب الذي بدأه منذ ثلاثة أشهر أثار ضده فئات الشعب المختلفة، فالديمقراطية الكويتية ليست لفئة دون اخرى. ويبدو أنه يحاول بث التفرقة في المجتمع ليحصل على دعم طائفة ضد اخرى، فاصطدم بالشيعة اصطداماً غير مبرر، ذاك ان طقوسهم ومناسباتهم جزء أصيل ومتجذر من تراث الكويت لا يوجد سبب معقول لمنعها. أنا افترض افتراضاً انه فعل ذلك للاتكاء على طائفة ضد أخرى بدل ان يكون مرفوضاً من الطائفتين. وقد لا يكون الامر كذلك وانما لدوافع طائفية يؤمن بها!. وأياً تكن الاسباب فهناك حقيقة لا ادري ان كان يدركها وهي ان المذهب الشيعي يتسع بمقدار الضغط المسلط عليه. تمثل فكرة المظلومية روح المذهب الشيعي الإمامي. وقد استطاع عبر التاريخ إيجاد ربط محكم بين مظلومية آل البيت قديماً ومظلومية معتنقي المذهب في كل زمان. فالتفجع العاطفي في ايام عاشوراء ينسحب جزء منه على احوال القائمين به وما يعانونه من الظلم. هذه الحالة الوجدانية المنسجمة مع ذاتها واجهت أكبر التحديات عندما وصل محسوبون على المذهب الى سدة الحكم في العراق قبل عشرين عاماً. خطورة التحدي ان اولئك الحكام ليسوا مجرد شيعة على شاكلة شاه ايران وانما مؤدلجون يدّعون تمثيل المذهب. فأحدثوا ارتباكًا مزلزلاً، خصوصاً بما اقترفوا من فساد وسوء ادارة بمستويات غير مسبوقة. لقد برزوا كظالمين فهددوا بذلك فكرة المظلومية في جوهر العقيدة. ولم يتم تجاوز هذه الاشكالية الا بعد استطاعة المذهب، بما أوتي من ديناميكية فكرية وعملية، أن يفك عُرى الارتباط معهم حين بدأت المنابر الحسينية تصب جام غضبها عليهم علناً في قراءاتها الموسمية.
أجواء الظلم تخدم المذهب الشيعي أكثر مما تضره. والظلم بطريقة طائفية يمثل حالة مثالية للانتشار. لقد فشلت في البحرين، وستعطي نتائج عكسية في الكويت. هذا ما أراه.. وسنرى.
( اضحوي _ 1771 )
2024-07-09