إزاء الصراع الذي حصل بين الاتحاد السوڤييتي و بين الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تشكلت جمهورية مهاباد الكوردية على يد قاضي محمد و مصطفى البرزاني في كانون الثاني من عام ١٩٤٦ و بدعم من ستالين و لكنها سرعان ما تهاوت بعد أحد عشر شهراً فقط على يد محمد رضا بهلوي بعد تسوية حصلت بين الروس و الأمريكانهذه النتيجة لم تكن سوى تحصيل حاصل لعدم إدراك الكورد و حتى هذه اللحظة بطبيعة الدور المراد لهم أن يحققوه بعد اتفاقية سايكس- بيكو التي مضى عليها مائة عام و التي قسمت تركة الرجل المريض العثماني بين القوتين العظميين ذاك الوقت فرنسا و بريطانيا و بعد انسحاب روسيا منها أثر ثورة أكتوبرو قد ترافقت عملية التقسيم بصعود الأيديولوجيات القومية العنصرية في كل من العراق و سوريا و إيران و تركيا و المرتبطة بصعود النازية و الفاشية و الأنجلو ساكسونية في الغرب مما وضع الكورد في موقع لا يحسدون عليه بما يتعلق بالتعريب و التتريك و التفريس في البلدان الأربعة مما جعل الكورد يبدؤون بالعمل على إيجاد مشروع قومي يحقق لهم و تشكلت مجموعة حركات مختلفة في تركيا و سورية و العراق و إيران و بمساعدة الدول الأربعة ذاتها بالإضافة للعامل الإسرائيلي و ذلك في إطار الصراع الإقليمي فيما بينها مما وضع هذه الحركات في إطار الاستثمار الإقليمي و الدولي و رسم لها الخطوط و المنحنيات البيانية صعوداً و هبوطاً وفقاً لمقتضيات و مصالح هذه القوىهل يمكن الكورد أن يصلوا إلى مرحلة القدرة على إنشاء دولة خاصة بهم ؟
المسألة الأولى :
تنتمي الشعوب الكوردية تاريخياً و حضارياً إلى منطقة تتمتع بتعددية حضارية و تاريخية لا مثيل لها في العالم و بحكم وجودهم في منطقة جبلية بالأساس و وفق التسمية السومرية ( الكرد =الجبل ) لم تنشأ بها حضارة محددة و واضحة مما جعلهم يتمددون بين شعوب المنطقة و يختلطون بها و يساهمون معها في البناء الحضاري و صناعة تاريخها و هم بالتالي جزء أساسي من نسيج منطقة غير قابلة للتقسيم إلا قهراً و فرضاً من قبل القوى الكبرى
المسألة الثانية :
و تتعلق بطبيعة الكورد ذاتهم و قابليتهم للتفجير الداخلي فهم ليسوا شعباً واحداً بل مجموعة من الشعوب قد لا تستطيع التفاهم و التواصل مع بعضها البعض إلا بوجود مترجم أو استخدام لغة مشتركة ( السورانية و البهدنانية و الكرمنجية و الزازية و الفيلية ) بالإضافة للاختلاف الديني و السياسي الكبير فيما بينها مما انعكس صراعات دموية كبيرة و خير مثل لها هو صراع بين السليمانية ( طالبانية سورانية قادرية ) و بين أربيل ( برزانية بهدنانية نقشبندية ) و قد ذهب نتيجة هذا الصراع ضحايا من الكورد أكثر مما سقط على يد صدام حسين و هذه الملاحظة مهمة جداً
المسألة الثالثة
عدم إدراك الكورد حتى الآن بأن تقسيم المنطقة بعد سايكس- بيكو و إخراجهم منها من دون دولة تحتويهم لم ينطلق من عدم إدراك الغرب لخصوصية هذا الشعب و لا ظلماً له بل ينطلق من مبدأ رسم الأدوار لكل مكون من المكونات و لكل دولة من الدول و كان الدور الوظيفي المخطط لهم بحكم تواجدهم الأساسي بين أربع دول تتمتع بتاريخ حضاري مشترك و موقع جيوسياسي واحد و بنسيج اجتماعي متداخل و شديد التعقيد أن يكونوا عنصر أزمات و أدوات صراع تحقق ما تصبوا إليه الدول الإقليمية و الدولية و بالأحرى أُريد لهم أن يكونوا حقول ألغام تنفجر في وجه دول المنطقة في سياق بحثهم عن حقوقهم المواطنية المهدورة و حقوقهم القومية و لكنهم سرعان ما سيدفعون الثمن حالما تتم التسويات و التفاهمات الدولية الإقليمية كما حصل لجمهورية مهاباد و كما حصل للملا مصطفى البرزاني بعد اتفاق صدام و الشاه و بموجب اتفاقية الجزائر عام ١٩٧٥و اعتماداً على ذلك فإن على أخوتنا الكورد المشتركين معنا في الوطن و مع اعترافنا بالمظلومية التي وقعت عليهم و على غيرهم فإن السعي لبناء كيان تحت اسم الاتحاد أو الجمعية الوطنية أو الإدارة الذاتية بالمعنى السياسي أن يعوا من تاريخهم المسجل بكتاب شرف نامة و التاريخ الحديث بأنهم سيبقون ضحايا الصراعات الإقليمية و الدولية و أن لا مخرج لهم و لنا إلا بالبحث عن صيغة سياسية و اجتماعية و اقتصادية للحياة ضمن إطار أوسع يحفظ حقوق الجميع و يحافظ على الهويات الثقافية و القومية ( الغير أيديولوجية ) ..