القطاع الصحي العمومي في الجزائر يحتضر و العلاج للبرجوازيين فقط؟
تقرير علجية عيش*
في أول خرجة ميدانية له.. توتر في العلاقة بين وزير الصحة الجزائري الجديد و الأطباء
(لماذا نجح القطاع الخاص وفشل القطاع العمومي في الجزائر؟ )
( هذه مطالب اطباء مرفوعة إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون)
بدأت العلاقة بين وزير الصحة الجديد في الجزائر و الأطباء يسودها التوتر بعد رفضه لقاءهم خلال زيارته إىى عاصمة الشرق الجزائري، و هذا بعد فترة قصيرة من التعديل الحكومي الذي أجراه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من أجل إعطاء نفس جديد للسياسة العامة للبلاد و دفع عجلة التنمية، فالأطباء وجدوا أنفسهم محاصرين من طرف جهات أمنية بالمستشفى الجامعي ابن باديس و لم يتمكنوا من مقابلة الوزير الجديد، لاسيما و زيارته إلى عاصمة الشرق الجزائري ( قسنطينة) تعدُّ الأولى منذ تعيينه وزيرا علي قطاع الصحة ( العمومي) ، الذي هو في تدهور منذ سنوات عديدة، وهي رسالة تلمح على بداية “عسكرة” قطاع الصحة في الجزائر، و هذا قد يؤدي إلى التشويش في الأدوار بين السلطات ممّا يؤدي إلى الانقسامات، و المتضرر الأول هو المريض، الذي لا يملك المال للعلاج عند الخواص أو العلاج في الخارج.
فقطاع الصحة العمومي في الجزائر اليوم يحتضر لانعدام أليات نهوضه من حيث التغطية الصحية و هذا بسبب غياب العتاد الطبي و غياب اليد التقنية المؤهلة لصيانته، رغم وجود الأطقم الطبية المؤهلة التي انتجتها الجامعة الجزائرية، خاصة على مستوي مصلحة علاج داء السرطان و جراحة الكلي و القلب، لكن التهاون و التسيب من قبل الإدارة و حالات النهب و الاستيلاء علي أملاك الدولة، تزداد تفشيا منذ ظهور “الخوصصة” و فتح الباب أمام الإستثمار الخاص في كل القطاعات ، لاسيما القطاع الصحي، حيث برزت مستشفيات يديرها الخواص ، ثم أن وزير الصحة الجديد وجد نفسه أمام تحديات كبيرة عليه الالتزام بها لتحقيق التوازن بين القطاعين العام و الخاص، أمام الفارق الشاسع بين القطاعين، فالقطاع العمومي يعيش وضعا كارثيا، و هو بحاجة إلى إصلاحات جذرية كون المشاريع التابعة للدولة كانت “مجمّدة” منذ ثمانية (18) عشر سنة و أكثر ، اي منذ 2006 و هو اليوم يعلن إفلاسه في الوقت الذي يشهد القطاع الخاص تطورا ملحوظا و على كل المستويات.
فرغم أن الزيارة التي حظي بها سكان عاصمة الشرق بوقوف وزير الصحة الجديد عبد الحق سايحي و التي تميزت بتدشين هياكل صحية ، إلا أن هذه الهياكل هي مشاريع قديمة كانت مجمدة و أعيدت دراستها من جديد و هي لا تزال تمشي بخطى حلزونية، كما هو الشأن بالنسبة لمركب الأمومة و الطفل بمدينة الشهيد علي منجلي بعاصمة الشرق قسنطينة الذي يسع لـ: 120 سرير، المشروع انطلق في سنة 2006، لمدة إنجاز لا تتجاوز 28 شهرا أي سنة و نصف ، ثم تم تجميده بسبب مشاكل إدارية، و أعيدت دراسته بداية من سنة 2022، و الأشغال لا تتجاوز 24 بالمائة، كذلك بالنسبة لتهيئة محلات تجارية و عددها 262 محلا ، حيث تم تحويلها إلى مشروع إنجاز مستشفى يسع لـ: 200 سرير، فهذا المشروع متوقف منذ 2012 ، و غيرها من المشاريع العاطلة، هذا نموذج فقط من مشاريع القطاع العمومي بالمقارنة مع مشاريع القطاع الخاص التي وقف عليها وزير الصحة الجديد رفقة والي قسنطينة عبد الخالق صيودة، و رئيس المجلس الشعبي الولائي و نواب البرلمان بغرفتيه، من هذه المشاريع مستشفى ابن رشد الواقع بأرقي أحياء مدينة قسنطينة ( حي الشهيد عبد الحفيظ بوالصوف) ، ما هو ملاحظ هو أن بعض المشاريع كلما زار الولاية وزيرٌ أو مسؤولٌ يمثل السلطات العمومية يعاد تدشينها دون الوقوف على المشاريع المتوقفة أشغالها، و هذا حسب ملاحظين يعد استغفال المواطن بل استغفال السلطات العليا في البلاد ، و قد يكون هذا المسؤول قد تلقي تعليمات فوقية بالتغاضي عن الوضع إلىحين إيجاد الحلول للمشاكل العالقة.
هذه مطالب الأطباء الجزائريين فهل سيكون الوزير الجديد في مستوي التزاماته
ما حز في نفس الأطباء و هم كوادر الدولة طبعا هو تجاهلهم من قبل المسؤول الأول على قطاعهم ، و هو يقف على مشروع توسعة مصلحة الأمومة و الطفل بالقرب من المنطقة العسكرية، حيث تجاهل انتظار الأطباء وصوله و لم يلتفت إليهم ، فيما تعرض أطباء أخرون إلى الحصار و منعهم من مقابلة الوزير الذي وقف على مشروع توسعة مركز مكافحة السرطان بالمستشفى الجامعي ابن باديس، هذا الأخير الذي كان من بين 23 عملية كانت مجمدة ، حيث برمج مستشفى ابن باديس الجامعية و هو اقدم مستشفى في الولاية للتهيئة و خصص له مبلغ 460 مليار سنتيم لاقتناء أجهزة طبية .
هي ردود فعل تشير إلي بداية التوتر بين الأطباء و الوزير الجديد الذي تم تعيينه مؤخرا فقط، و هي مؤشرات على عدم الانسجام بينهما ، في ظل صمت نقابة الأطباء على السلوك الذي اعتبره الأطباء بالمستفز، لأن الوزير تجاهلهم و لم يولي لهم أي اعتبار، و هم الذين واجهوا الوباء ( كوفيد) ، و قد رفع الأطباء بعاصمة الشرق الجزائري لائحة مطالب أرسلوها إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون و تتمثل فيما يلي: (1- مراجعة الأجور و زيادتها إلى نسبة 300 بالمائة، كون الأجور التي يتلقونها متدنية جدا أمام المخاطر التي تواجههم، 2- مراجعة تعويضات المناوبات الليلية و التي تقدر بـ: 2800 دينار جزائري لمدة 12 ساعة و هي حسبهم بعيدة عن التعويض العادل، و اشترطوا ألا يقل التعويض عن 15 ألف دينار في الاثني عشر ساعة، 3- صرف منحة “كوفيد” المعلقة منذ شهر أوت 2022، 4- الحصول على السكن الوظيفي أو إقرار منحة شهرية بدل السكن تقدر بـ: 25 ألف دينار شهريا و هذا من شانه أن يوفر لهم ثمن إيجار مسكن بالنسبة للأطباء المقيمين ، 5- الحق في الحصول على توثيق الشهادات الخاصة بالأطباء المختصين و أحقية الطبيب في الحصول على توثيق شهاداته كباقي التخصصات الجامعية الأخرى).
لم تلق هذه المطالب اهتمام الوزير الجديد، الذي أشار في لقاء صحفي أن الإستثمار في القطاع الخاص يشهد تطورا ملحوظا ، و فتحَ الأبواب في كل المجالات لخدمة المصلحة العامة ، في ظل مواكبة الجزائر للرقمنة، متحدثا عن الأفاق المستقبلية للتكفل بالحياة الصحية للمواطن بالاتفاق مع الخبراء لوضع مشاريع جديدة و خلق نهضة صحية في القطاع العمومي للخروج من المشاكل، معتبرا القطاع الخاص مفخرة للبلاد بحكم توفره على معدات طبية متطورة، و هو ما يؤكد على زوال القطاع العمومي، و هذا يعني ان العلاج سيكون للبرجوازيين فقط الذين يقبلون علي المستشفيات الخاصة للعلاج، لأن المريض الفقير لا يمكنه العلاج عند الخواص لارتفاع ثمن الفحوصات و الأشعة و العمليات الجراحية، فقبل سنوات فقط ، تشكلت لجنة تحقيق لمعرفة أسباب تأخر تسليم مشروع إنجاز مركز علاج مرضى السرطان رغم ما استنزفه المشروع من أموال، للإشارة أن مستشفى ابن باديس الجامعي (كنموذج) لا يزال يواجه نقائص خاصة فيما يتعلق بنقص الكواشف المخبرية ( réactif) و نقص “البخاخات” الموجهة لمرضى السل، على غرار سامبيكورت symbicort و سيريتيد seretide وهي أدوية تستورد من الخارج و سعرها مرتفع جدا، يصعب على المريض الغير مؤمن الحصول عليه.
الجزائر
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
2024-11-30