العزف على نغمة ” معاداة السامية ” من جديد!
رنا علوان
بادئ ذي بدء ، ان تاريخ اليهود في أوروبا بشكل عام كان تاريخًا من النبذ والاضطهاد ، فقد تعرضوا لفترات طويلة من الرفض وعدم تقبلهم ، وكانوا عرضة لأعمال الملاحقة والكراهية والتحريض وذلك قبل لوثر والبروتستانتية
ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة دينية واجتماعية وإقتصادية ، ولعل أهم سبب من الأسباب الدينية ، فإنه يتبلور في موقف المسيحية منهم ، حيث كان ينظر لهم على انهم قتلة المسيح ، فالمسؤولية التاريخية عن قتل المسيح وصلبه تقع على عاتقهم “يهوذا الذي غدر بالمسيح ووشى به عند ابناء جلدته “، لذلك كانت النظرة لهم على انهم فئة لا يؤتمن جانبهم ، ومع انتشار المسيحية في أوروبا في القرن الرابع الميلادي ترسخ البغض لليهود وكرههم
أما النقطة الدينية الأخرى ، فهي نظرة اليهود لأنفسهم أنهم شعب الله المختار ، فكان تعاملهم بفوقية وغرور ويبررون استباحة اي شيء من منطلق “الإختيارية” هذه التي يدّعونها ، وقد فرضوا على أنفسهم العيش في مناطق معزولة عن المجتمع من ثم استغلوا ذلك في لعبة “التباكي” ، وبذلك استطاعوا ان يحافظوا على شتاتهم من الانخراط والذوبان الكامل في المجتمعات المستضيفة ، وتذرعوا بأن المجتمعات الاوروبية تنظر لهم بعدائية وتعاملهم كغرباء
السبب الثاني هو سبب اقتصادي محض ، فاليهود يعملون في الربا ، وبالتالي أصبحوا هم اصحاب الثروات ، ما عزز مكانتهم ، وكلما استحوذوا على الثروة ، صارت في أيديهم قوة اقتصادية تؤثر في السياسة ، وبذلك ادت حركة التاريخ لتنامي حقد فقراء المسيحيين ضدهم ، كذلك حقد من لم تدعمهم اليهودية بالمال ، وبرزت المسألة اليهودية ، وكما هو معلوم ان “الربا” كان محظورًا على المسيحيين في العصور الوسطى ، إذ حرّمته الكنيسة الكاثوليكية بشدة إلى درجة الوعيد بحرمان المرابين من أسرار الكنيسة والدفن في مقابر مسيحية
ولكي نفهم المسألة اليهودية في الغرب ، يجب العودة لدعم البروتستانتية لليهود ، وتحفيزهم للعودة لفلسطين وترك أوروبا ، إضافة لانقلاب مارتن لوثر ، رائد حركة “الإصلاح الديني” البروتستانتي على اليهود في آخر أيامه
لقد كانت البروتستانتية ، على يد مؤسسها الأول مارتن لوثر، الباب الذي جعل الطريق مفتوحًا لاكتشاف الجذور اليهودية للمسيحيين ، أو بداية التهويد في الفكر المسيحي المخترق لدى التيارات البروتستانتية على اختلافها ، وكانت بدايات ذلك كتابه المعنون “المسيح ولد يهوديًا”، وقد أخرجه للناس عام 1523 ، من ثم انقلب عليهم واصدر كتاب تحت عنوان “خطر اليهود”
وبإختصارنا للكثير من الأحداث التاريخية المُهمّة ، نأتي الى طوفان الأقصى وما حمله من ” هجرة مُعاكسة ” فإلى الآن اصبحت الأرقام تتحدث عن مليون مهاجر من ” الكيان الغاصب” وعمل هؤلاء على الاستقرار خارجًا ، اي انها ليست مسألة وقت
وهذا امر بديهي فهؤلاء لا يشعرون بأي انتماء الى الارض وليسوا على استعداد للتضحية من اجلها ، كما ان تعاملهم مع بعضهم البعض منذ نشأت الكيان الى اليوم تعامل عنصري ، وقد برز هذا الأمر عند بن غوريون احد مؤسسي الكيان ، الذي امتاز بتعامله العنصري مع المرتزقة ، ويمكن ان نستثني الفئات المنغلقة والمتدينة ، فهم يعزلون انفسهم وينتظرون مخلصهم ، غير ذلك لا يمكن ان نعتبر هؤلاء شعب كباقي الشعوب
ان ازدياد الهجرة المُعاكسة تشكل خطر وجودي وحقيقي على هذا الكيان ، لذلك كان لا بد لهم من التفكير في كيفية استغلال الاحداث ، فكانت الدعوة التي قدمتها جنوب افريقيا ، خير حدث يمكن الاستفادة منه ، ولقد تعجب البعض في بادئ الامر كيف للعدو ان يقبل بالذهاب الى المحاكمة ، نحن نعلم جميعًا ، ان مثل هذه المبادرات لا يعوّل عليها كون الشيطان الأكبر هو من اوجدها ، في المقابل لا يمكن ابدا ان نغض الطرف او التقليل من الخطوة التي اقدمت عليها جنوب افريقيا المشرّفة ، وشكرها على حسن نيتها وتعاطفها مع فلسطين ، وان اي فعل مُقاوم هو مُبارك بغض النظر عن القمع والتضليل وكم الأفواه ، ويجب المضي وعدم الاستسلام
وفي استغلال الحدث كان هناك ، تدوينة لليبرمان وهو رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” على حسابه بمنصة “إكس”، قال فيها “يجب أن يدفعوا الثمن” ، وذلك ردًا على الدعوة التي رفعت ضد اجرام العدو
وأضاف ليبرمان “لابد من دفع ثمن المهزلة المعادية للسامية الجارية حاليًا في لاهاي ، والتي بدأتها جنوب إفريقيا”
وأضاف “أولاً وقبل كل شيء ، يجب قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة تدعم المنظمات الإرهابية في العالم ، وخاصة حماس وحزب الله”، على حد تعبيره
واعتبر أن على إسرائيل “أن تدعو اليهود في جنوب إفريقيا إلى الهجرة إلى إسرائيل وعدم انتظار اندلاع معاداة السامية التي ستشمل الاضطهاد والأذى لليهود”، على حد قوله
وهنا بيت القصيد ، يُقدر عدد الجالية اليهودية في جنوب إفريقيا زهاء 79 ألفًا و500 نسمة ، وهي أكبر جالية يهودية في القارة الإفريقية ، ويتركز معظمهم في مدن جوهانسبرج وكيب تاون وديربان ، بحسب إعلام عبري
بدأ تاريخ اليهود في جنوب إفريقيا تحت حكم الإمبراطورية البريطانية ، وكان تابعًا لنمط عام تزايد فيه الاستيطان الأوروبي في القرن التاسع عشر ، وكان هؤلاء اليهود أداةً لتعزيز وتقوية العلاقات الدبلوماسية العسكرية بين العدو الإسرائيلي وجنوب إفريقيا
ويختلف المجتمع اليهودي في جنوب إفريقيا عن المجتمعات اليهودية في البلدان الإفريقية الأخرى ، فمعظم يهود جنوب إفريقيا استقروا فيها ، ولم يستجيبوا للهجرة ، على عكس يهود البلدان الأخرى الذين هاجر معظمهم إلى الكيان الإسرائيلي
هذا المطلب الذي يُراد استغلاله ، ليس وليد المبادرة التي اقدمت عليها جنوب افريقيا ، فلقد تم تسليط الضوء عليه مرارًا وتكرارًا ، ففي عام 2017 ، قال الكاتب في موقع “إن آر جي” الإسرائيلي حاغاي سيغل إن اليهود في جنوب أفريقيا مبغضون ويعيشون قلقًا أمنيًا ويحيطون أنفسهم بأسوار مكهربة ، وأضاف مُتعجبًا ، “رغم ذلك يفضلون البقاء فيها!!!”
وخص سيغل بالذكر رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما ، وقال إنه لا يتوقف عن علاقات العداء مع إسرائيل وتقربه من كارهيها ، وأوضح أن يهود جنوب أفريقيا يعيشون أجواء قلق وخوف تدفعهم لإجراءات أمنية أشد من تلك التي تتبعها المستوطنات في الضفة الغربية
وأكد أن المرافق اليهودية هناك تحيط بها جدران كهربائية بارتفاعات عالية ، وحراس بملابس رسمية ويحملون أسلحة أوتوماتيكية، ومركبات أمنية تتجول في الشوارع على مدار اليوم والليلة ، وأعداد كبيرة من كاميرات المراقبة والتصوير الحي ، ويحظر على أي أحد القيام بالتصوير في منطقة مكاتب الجالية اليهودية الموجودة في جوهانسبيرغ ، بحيث تبدو قاعدة عسكرية إسرائيلية
وأشار إلى أنه رغم مستوى الحياة العالي لليهود في جنوب أفريقيا ، فإن حركتهم مقيدة ولا يملكون الحرية ، والعديد من الزوار الإسرائيليين يُنصحون بعدم التجول فرادى والبقاء قريبين من مواقع الجالية اليهودية
ونقل عن الحاخام فورن غولدشتاين المقيم بجنوب أفريقيا أنه قبل سبعين عامًا أقام فيها قرابة مئة ألف يهودي ، أصول معظمهم من ليتوانيا ، لكن عددهم اليوم تراجع إلى النصف ، فهناك 25 ألفًا هاجروا لإسرائيل منذ 1948 ، و40 ألفًا هاجروا لأستراليا
وختم بالقول إن اللافت أن الجالية اليهودية في جنوب أفريقيا ترتبط بإسرائيل ، فقد أرسلت تبرعات للجيش الإسرائيلي أثناء حرب غزة 2014 بما يعادل نصف ما أرسلته الجاليات اليهودية في الشتات حول العالم مجتمعة ، وفي بعض الحروب السابقة شارك جنود من تلك الجالية ، وهناك 88 يهوديًا من جنوب أفريقيا قتلوا في حروب إسرائيل
2024-02-09