الصين تدشن حقبة جديدة في العلاقات مع دول آسيا الوسطى!
توفيق سلاّم
في توقيت مواكب لقمة مجموعة السبع، تلك التي عقدت في مدينة هيروشيما باليابان منذ أيام، بالإضافة إلى قمة الجامعة العربية في جدة، في 19 أيار/مايو الجاري كانت الصين تعقد قمة ثالثة موازية يومي 18و19 من نفس الشهر ،
في مدينة شيان التي انطلق منها طريق الحرير القديم. وتعد القمة أول لقاء جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ بقادة دول آسيا الوسطى (طاجيكستان، أوزبكستان، تركمانستان، كازاخستان، قرغيزستان)،
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين قبل 31 عاماً، وذلك لتعزيز موقعها هناك، وهو ما يبدو أنها نجحت فيها بالفعل.
اهتمام الصين
تهتم الصين بدول آسيا الوسطى، نظراً لقرب هذه الدول منها، وتتشارك 3 دول حدوداً مشتركة معها (كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان) مما يسهّل نقل النفط والغاز الطبيعي عبر أراضيها، لهذا يأتي أهمية الاتفاق على عقد قمة “الصين- وآسيا الوسطى” خلال اجتماع وزراء خارجية هذه الدول ضمن مجموعة الصين زائد الدول الخمس في مدينة نور سلطان عاصمة كازاخستان العام الماضي.
ليعكس مكان انعقاد القمة الهدف الذي تسعى إليه الصين من وراء التقارب مع دول آسيا الوسطى وهو الترويج لمبادرة الحزام والطريق، نظراً لما لهذه المنطقة من دور محوري في ربط الصين بأوروبا وأفريقيا.
دعا الرئيس الصيني في خطابه الذي ألقاه أمام قادة الدول الخمس إلى استغلال كامل لإمكانات التعاون بين بلاده وآسيا الوسطى في مجالات التجارة والاقتصاد والصناعة والطاقة والنقل، وأكد ضرورة تطوير التعاون في مجالات أخرى في الزراعة والحد من الفقر وتغيّر المناخ والصحة والابتكار الرقمي. وكشف الرئيس الصيني عن سلسلة من المقترحات والإجراءات بهدف تعزيز وتعميق التعاون بين الجانبين، حيث قدّم اقتراحاً من ثماني نقاط لهذه الغاية تتراوح من توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية إلى التعاون في مجال الطاقة، وتدعيم الابتكار الأخضر، والحوار بين الحضارات، والحفاظ على السلام الإقليمي وغيرها. وأشار الرئيس شي بينغ إلى أن الصين على استعداد لمساعدة دول آسيا الوسطى في مجالات الأمن وإنفاذ القانون والشؤون الدفاعية، وأكد تصدّي الصين ودول آسيا الوسطى للمحاولات الخارجية لإثارة “الثورات الملوّنة”، ومعارضة قوى الشر الثلاث المتمثلة بالإرهاب والانفصالية والتطرف. وأعلن الرئيس الصيني أن بكين ستقدّم 3.7 مليارات دولار كمساعدة لدول آسيا الوسطى، وستشجّع الصين الشركات الصينية الموجودة في المنطقة على إيجاد مزيد من فرص العمل فيها. وستسعى إلى الإسراع في بناء خط لأنابيب الصين- آسيا الوسطى للغاز الطبيعي، كما اتفقت الأطراف المجتمعة على تسريع بناء سكة حديد (قيرغيزستان، أوزبكستان) الذي تمّ الاتفاق عليه في العام 1997، ويرتبط مشروع النقل هذا بمبادرة “الممر الأوسط” الذي يبدأ من مدينة كشغر الصينية ويمرّ بقرغيزستان وأوزبكستان، ثم تركمنستان وأذربيجان وجورجيا وتركيا. وعلى مدار القمّة التي استمرت يومين التقى الرئيس الصيني بقادة دول آسيا الوسطى الخمس كل على حدة، ووقّع اتفاقيات ثنائية تعزّز التجارة والبنية التحتية والاستثمار التكنولوجي والثقافة والزراعة والصحة والإعلام والإعفاء من تأشيرات الدخول.
أهمية دول آسيا الوسطى بالنسبة للصين
تمثّل آسيا الوسطى أهمية كبيرة بالنسبة للصين لدوافع اقتصادية وسياسية وأمنية. فلهذه المنطقة موقع استراتيجي، ودور محوري في مبادرة “الحزام والطريق”، وهي أهم جزء في هذا المشروع الصيني الضخم، حيث تعد آسيا الوسطى بوابة الصين نحو الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا.
تتميز المنطقة بأهمية جيوستراتيجية كبيرة، وذلك من خلال موقعها الجغرافي ومواردها النفطية والغازية، من بحر قزوين، وتشكل من جهة أخرى عدة طرق برية وتمديدات أنابيب الغاز والنفط من الشرق الأوسط، وبحر قزوين باتجاه الصين، أو منها باتجاه البحر الأسود وتركيا والبحر المتوسط، ومن الأخيرة باتجاه الخليج العربي عبر إيران، وأفغانستان وباكستان باتجاه المحيط الهندي. إضافة لذلك غناها بالنفط والماء والمعادن الثمينة. وتشترك في عضوية منظمة شنغهاي، وكومنولث الدول المستقلة. لذلك لم يكن مستغرباً أن يدشّن الرئيس الصيني مشروع “الحزام والطريق” في كازاخستان في العام 2013. وعن أهمية موقع دول آسيا الوسطى، أشار الرئيس الصيني في خطابه أمام قادة آسيا الوسطى إلى أن المنطقة تعد تقاطع الطرق الذي يربط الشرق والغرب والشمال والجنوب. ومن جهة أخرى، تمتلك دول آسيا الوسطى مقدّرات هائلة من الثروة النفطية والغاز الطبيعي اللذين تحتاجهما الصين. فالمنطقة تنتج أكثر من نصف إمدادات اليورانيوم عالمياً، فمثلاً كازاخستان تمتلك ثاني أكبر احتياطي لليورانيوم في العالم. وبالنسبة إلى الثروات النفطية والغاز في منطقة آسيا الوسطى، فقد قدّرت شركة الطاقة البريطانية العملاقة (بي بي) إجمالي احتياطات الغاز المؤكدة في أوزبكستان بنحو 800 مليار متر مكعب، ويبلغ احتياطي الغاز في كازاخستان 3.8 تريليون متر مكعب. أما تركمنستان فتمتلك رابع أكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم. وتعتبر كازاخستان أكبر منتج للنفط في آسيا الوسطى وتمثل 3% من إجمالي احتياطات النفط عالمياً وتحتل المرتبة الـ 12 في احتياطي النفط.
التعاون في مجال الطاقة
التعاون بين الصين ودول آسيا الوسطى في مجال الطاقة، تمّ إطلاق خطوط أنابيب نفط وغاز بين الصين، ودول آسيا الوسطى، فقد أعلنت تركمنستان أوائل العام الحالي أنها زوّدت الصين بنحو 350 مليار متر مكعب من الغاز عبر خط أنابيب الغاز بين تركمنستان والصين منذ إطلاقه عام 2009. ويمرّ هذا الخط عبر أوزبكستان وكازاخستان، ومنها إلى الصين. وتتجنب بكين مرور إمداداتها النفطية عبر المسطّحات المائية للمحيطين الهندي والهادئ مما يضمن لها استمرار تدفّق النفط في حال حصول اضطرابات في منطقة المحيطين وإغلاق مضيق ملقا الذي يمر عبره أكثر من 70% من صادرات الصين من النفط والغاز الطبيعي. وتحرص الصين حالياً على التعامل مع الدول الأخرى بالعملات الوطنية في محاولة للتخلي عن الدولار. فقد اتفقت مع العديد من الدول على الدفع بالعملات الوطنية كما حصل مع البرازيل والأرجنتين وروسيا والإمارات العربية المتحدة. وأعلنت قيرغيزستان عن رغبتها في التعامل مع الصين بالعملات الوطنية، وهو ما يمهد لاحقاً للتعامل بالعملات الوطنية بين الصين ودول آسيا الوسطى.
التعاون الأمني
على صعيد التعاون الأمني تقوم الاستراتيجية الأمنية بين الصين ودول آسيا الوسطى على ثلاثة محاور، وهي محاربة الانفصالية والتطرف والإرهاب. وما يؤرق الصين هو وجود الإيغور في دول آسيا الوسطى بأعداد كبيرة، إذ تشير التقديرات إلى أنه يقطن دول آسيا الوسطى نحو نصف مليون إيغوري تربطهم بسكان إقليم شينجيانغ الذي تقطنه أقلية الإيغور المسلمة روابط عرقية وثقافية وإثنية. ومن جهة أخرى، تخشى الصين دخول مقاتلي الإيغور والجماعات المتطرفة الأخرى إلى أراضيها لتهديد الأمن والسلم فيها، لذلك تعمل بكين مع دول آسيا الوسطى على تأمين الأمن ومكافحة التطرف والإرهاب، فأخذت تقوم بتعميق التدريبات الأمنية مع دول المنطقة. فمثلاً تحيط طاجيكستان بممر واخان الذي يقع في محافظة بدخشان الأفغانية الذي يمكن أن يمر عبره الإيغور المتطرفون إلى الصين، لذلك تجري الصين مع طاجيكستان تدريبات مشتركة لمكافحة الإرهاب. وبهذا الخصوص كانت رسائل الرئيس الصيني واضحة كل الوضوح، وتحمل إشارات لا تخطئها أعين العسس من الناتو، والسبع الكبار والولايات المتحدة الأمريكية. وقال شي “لا يحق لأحد أن يبث الشقاق أو يؤجج المواجهة في المنطقة، ناهيك عن السعي لتحقيق مصالح سياسية أنانية”، مضيفاً أن المنطقة تتمتع بالأساس الصحيح والظروف، والقدرة على أن تصبح مركزاً هاماً للارتباطية في أوراسيا، وتقدم إسهاماً فريداً في تجارة البضائع وتفاعل الحضارات وتطوير العلوم والتكنولوجيا في العالم.
مؤكد أن الأمر على هذا النحو، لاسيما أن شيان، هي نقطة البداية التاريخية لطريق الحرير القديم، وقد جرت القمة في مجمع قائم على موقع الأثر الأصلي لحديقة إمبراطورية يعود تاريخها إلى عهد أسرة تانغ (618-907).
آسيا الوسطى ملعب صراع
بدا واضحاً أن قمة الصين ودول آسيا الوسطى تسعي لبناء مجتمع مصير مشترك بين شعوب الجانبين، وطريق تعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وتقديم دعم واضح وقوي على نحو دائم لبعضهما البعض في قضايا المصالح الجوهرية، مثل تلك المتعلقة بالسيادة والاستقلال والكرامة الوطنية والتنمية طويلة الأجل.. تبدو دول آسيا الوسطى، وكأنها في صراع بين أن تكون سيدة مستقبلها وتاريخها من جهة، والتدخلات الخارجية من جهة ثانية. وليس سراً أن هناك من يرى محاولات أمريكية- غربية حثيثة لدفعها في سياق ما عرف قبل عقد من الزمان باسم “الربيع العربي”.. فهل باتت دول آسيا الوسطى ملعب صراع بين الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة السبع من جهة، وبين الصين الصاعدة، وروسيا الاتحادية، ونفوذها السياسي في هذه المنطقة؟ لقد أدركت مجموعة السبع في قمتها التي انعقدت في هيروشيما مدى الخطر المستقبلي الذي تمثله الصين، في صراع لنزع أنياب واشنطن آسيوياً.
يمكن أن يكون كذلك بالفعل، والذين قدر لهم قراءة بيان وزارء خارجية مجموعة السبع، في أعمالهم التحضيرية لقمة هيروشيما، يقطعون بذلك. يقول البيان: “إننا نؤكد عزمنا على دعم سيادة بلدان آسيا الوسطى واستقلالها وسلامتها الإقليمية، كما نلتزم بالعمل مع بلدان آسيا الوسطى للتصدي للتحديات الإقليمية، بما في ذلك عواقب الحرب الروسية، والآثار المزعزعة للاستقرار في أفغانستان، وانعدام الأمن الغذائي وأمن الطاقة، والإرهاب، وعواقب التغير المناخي”. في إشارة إلى استمرار الحرب ودعم أوكرانيا، حتى لا تحقق روسيا أهدافها. وتدرك الصين وبجلاء النوايا الأمريكية، ولا تغيب عن ناظريها رغبتها في مد نفوذها بالقرب منها، ومحاصرتها تحت دعاوى الاستقلال والحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير، وهي الشعارات الناعمة التي تستخدمها الإمبريالية الأمريكية في تدخلاتها لاستلاب الدول حريتها وكرامتها. فأمريكا تلجأ لتقديم جرعة أولية كمحفزات لدول آسيا الوسطى لمزيد من الشراكة، لتعزيز التواصل المستدام، والنقل، والروابط التجارية، وروابط الطاقة، كما لا تنفك أن تعزف على أوتار “الدفاع عن القيم”، هذه الموسيقى التي دمرت يوغسلافيا، والمنطقة العربية والآن أوكرانيا. البرابجندا في الإعلام الغربي، لا يهدأ في الحديث عن حقوق المرأة، والمساواة بين الجنسين، والإصلاحات الداخلية والمؤسسية، والأمن الإقليمي في آسيا الوسطى، وجل هذه الدعاية الغربية مدخلاً ناعماً لأغواء شعوب المنطقة نحو الثورات الملونة، ومن ثم يبدأ مسلسل فكفكتها، كما دمرت سوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان وقبل ذلك يوغسلافيا، ودول أخرى في آسيا وإفريقيا على طريق النهب والسلب لثرواتها.
الصين لن تسمح باختراق آسيا الوسطى
بينما تنظر الصين إلى منطقة وسط آسيا بوصفها جواراً استراتيجياً، لا يمكن السماح لواشنطن باختراقها وفكفكتها، وتدميرها وصولا لنهبها، ونشر الحروب والفوضى فيها، وهي ترى في النموذج الأوكراني، وكيف بات شوكة في حلق روسيا، مهدداً لها في المستقبل، ويكفيها ما يجري على الأراضي التايوانية. وتسعى الصين جاهدة لانتزاع أنياب أمريكا اقتصادياً، وذلك من خلال نظرية “الإحلال والتبديل”، بمعنى أنها تسارع إلى ملء مربعات النفوذ الأمريكي، عبر قواها الاقتصادية في آسيا وأفريقيا. تؤمن الصين بأن زمان القطبية الواحدة، المتحكمة في شؤون الكون قد غرب شمسها، وأن عالماً جديداً متعدد الأقطاب في طريقه للبزوغ، فالصين بدرجة رئيسة تعتمد على قوتها الاقتصادية في مجابهة أمريكا والغرب، وإن كانت روسيا تميل إلى تعزيز قوتها التسليحية التقليدية من جهة والنووية من جهة ثانية.
بداية عصر جديد
تلعب مبادرة الحزام والطريق دوراً واضحاً في تعميق وتعزيز العلاقة الثنائية بين الجانبين، لا سيما بعد أن بدت الإرادة الصينية تجاه ضبط وتيرة تعاون الحزام والطريق، وإطلاق العنان لإمكانات مجالات التعاون التقليدية كالاقتصاد والتجارة والقدرة الصناعية والطاقة والنقل، وتدعيم محركات نمو جديدة في التمويل والزراعة والحد من الفقر والتنمية الخضراء ومنخفضة الكربون والخدمات الطبية والصحة والابتكار الرقمي. وهذا يعني أن دول آسيا الوسطى ركبت قطار التنمية الصيني السريع، ولم تعد بحاجة إلى رهانات الغرب، واشتراطاتهم، وفي مقدمة ذلك معادة روسيا والصين والمحور الشرقي بشكل عام، لا سيما في هذه الأوقات التي تعاني فيها أمريكا من أزمات اقتصادية حادة، وقضية سقف الديون، سيف مسلط على رقبتها. وهكذا فإن قمة الصين وآسيا الوسطى جاءت في هذا التوقيت، لتكشف الازدواجية الأمريكية التقليدية التي حاولت إدارة بايدن ممارستها أخيراً تجاه الصين. وخلال أعمال قمة مجموعة السبع، صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ستشهد تحسناً قريباً جداً، لافتاً إلى أن دول مجموعة السبع وحدت مقاربتها تجاه الصين، غير أنها لا تريد فك الارتباط بها، بل تخفيف التوتر معها” .. فهل كان للصين أن تصدق بحال من الأحوال تصريحات بايدن، أو تأمن جانب الناتو؟ بالقطع لا، لا سيما وهي ترى الإدارة الحالية، تسارع نحو عسكرة المشهد في شبه جزيرة تايوان، والمحيط الهادئ والهندي، وإنشاء التحالفات العسكرية، لتهديد الصين. فالرئيس بايدن يعتزم تفعيل أداة تشريعية، كتلك التي استخدمها في دعم أوكرانيا، تسمح له بتمرير شحنات أسلحة إلى تايوان. هذه الأداة تستخدمها واشنطن في حالات الأزمات غير المتوقعة والطوارئ لأنها تتيح لها تسليم مساعدات ومبيعات عسكرية بشكل سريع لأطراف خارجية.
وهذا ما يجعل الصين تعرب عن استيائها الدبلوماسي من الولايات المتحدة، بسبب هذه الخطوة، وسارعت وزارة الدفاع الصينية لتحذير واشنطن من اتخاذ هذه الخطوة في طريق دعم تايوان، معتبرة أن الأمر سيؤدي إلى مزيد من اهتزاز أسس العلاقات الصينية – الأمريكية، إلا أن واشنطن لا تقيم للعلاقات أي وازن أخلاقي، أو سياسي طالما ترى مصلحتها ولو كان ذلك على حساب تقويض السلام. وبالعودة إلى بيان وزراء خارجية مجموعة السبع، فإن الصين تعتبر نفسها في حالة مواجهة لتلك التهديدات المبطنة، من أمريكا وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، فيما الخوف اللوجستي الأقرب فيتأتى من اليابان، الجار الأقرب، والعدو التاريخي الأكبر للصين. فبيان مجموعة السبع يقول: “نذكر الصين بضرورة الالتزام بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والكف عن التهديد أو الإكراه، أو التخويف أو استخدم القوة”. بالطبع المقصود هنا هو أكثر من جزئية، الملف الكبير المفتوح المتمثل بجزيرة تايوان، ومن جهة أخرى بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى القواعد العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ، لا سيما قاعدة جزيرة غوام. إذاً البيان عينة، تأتي إشارته واضحة تدق جرس إنذار على الصين التي ترفض انفصال تايوان، وتعارض بشدة ما يطلق عليه: “أي محاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع القائم بالقوة أو بالإكراه”. ولعل ما يجعل سعي الصين لبلورة نظام جديد في آسيا، يتخذ من دول آسيا الوسطى قاعدة مركزية، نظراً للموقف المتعنت الغربي من تايوان، إذ ترى أمريكا والناتو، أنه لا أساس قانوني لمزاعم الصين التوسعية في بحر الصين الجنوبي، عطفاً على معارضة أنشطة الصين التجارية والاقتصادية التي تطلق عليها أمريكا توصيف عسكرة المنطقة.
وحاول بايدن خلال قمة مجموعة السبع، اللعب على المتناقضات، هو وقادة الدول المشاركة في هيروشيما، وذلك من خلال القول بأنهم يتطلعون إلى “تحييد المخاطر، وليس فك الارتباط” في التعاون الاقتصادي مع دولة تعتبر مصنع العالم، وكل ذلك فقط لتطمين الصين لكسب الوقت، للدخول معها بصراع، تكون أمريكا قد حشدت له القوى الكبيرة، وبالذات دول الجوار.
وآخر القول فإن الخطوات الصينية في تلاحمها مع دول وسط آسيا، سريعة الخطى، وبشكل مثير للتأمل، وربما للدهشة، ولم يعد المشهد متوقفاً عند حدود التعاون التنموي، الذي أدرجته الصين على اعتبار أنه أحد أهم أدواتها لتحقيق مشروعها القطبي حول العالم، من خلال وفرتها المالية، وردعها النقدي لا النووي. وخلال كلمته في أعمال القمة، وبجانب الإشارة لأوجه التعاون الاقتصادي والتجاري والتنموي بكافة أنواعه، كان الرئيس الصيني يعلن عن استعداد بلاده لمساعدة دول آسيا الوسطى لتعزيز أمنها وقدراتها الدفاعية، فيما عرض “خطة طموحة” لتعزيز التعاون بين الصين ودول المنطقة الخمس، مشدداً على رفض التدخلات الخارجية في شؤون آسيا الوسطى. وهو يدرك أن هناك محاولات أمريكية جارية على قدم وساق لتفكيك، وتفخيخ وسط آسيا بالثورات الملونة كما فعل في المنطقة العربية وأوكرانيا ويوغسلافيا. في محاولة لكسب هذه الأنظمة لحلف الناتو، ومن ثم استنزاف ثرواتها وادخالها في معمعة الحروب.. فهل ستظل موسكو وبكين تلعبان أدواراً متكاملة في آسيا الوسطى كموفرين للأمن وقوة دافعة لتنمية الاقتصاد، أم أن هناك من سيقدر أن يضع العصا في دواليب المسيرة المشتركة بينهما؟ دعونا ننتظر التبدلات وما تنبئ به الأيام القادمة…!
2023-05-28