الشهيد وصفي طاهر: صورة البطل الوطني!
بقلم: البروفيسور وليد الحيالي
في سجل أبطال العراق الوطنيين الذين قدموا أرواحهم فداءً للمبادئ والقيم العليا، يبرز اسم الشهيد وصفي طاهر النويس، المرافق الأقدم للزعيم عبد الكريم قاسم، واحدًا من أكثر الشخصيات العسكرية نزاهة وشجاعة في تاريخ العراق الحديث.
أصوله ونشأته
وُلد وصفي طاهر في مدينة بغداد لعائلة عربية متواضعة الجذور، قريبة من طبقة الفلاحين. هذه النشأة البسيطة زرعت في نفسه قيم العدل الاجتماعي والانحياز إلى الكادحين، مما انعكس لاحقًا على مسيرته العسكرية والسياسية. نشأ على حب الوطن والالتزام بقضاياه، وتجلت ملامح شخصيته مبكرًا في انضباطه وحسه الوطني.
انتماؤه الفكري
كان وصفي طاهر ذو ميول يسارية تقدمية، متأثرًا بأفكار العدالة الاجتماعية والدولة المدنية. ورغم تعاطفه مع مبادئ الحزب الشيوعي العراقي، إلا أنه ظل مستقلًا تنظيميًا، مؤمنًا بأن الولاء للوطن يجب أن يسمو على أي التزام حزبي.
اقترب من فكر حركة الضباط الأحرار الذين سعوا إلى إنهاء الحقبة الملكية وإقامة جمهورية قائمة على المساواة وسيادة القانون.
دوره بعد ثورة 14 تموز 1958
كان وصفي طاهر أحد أبرز الأذرع العسكرية المخلصة للزعيم عبد الكريم قاسم بعد ثورة تموز المجيدة. تولى مهمة المرافق الأقدم للزعيم، وقاد بنفسه حماية مقر وزارة الدفاع ضد محاولات التخريب والانقلابات. تميز بتفانيه ونزاهته، وكان مثالًا للضابط الشريف، محاطًا بمحبة واحترام زملائه ومرؤوسيه.
علاقته بالأحزاب الوطنية
حافظ وصفي على علاقات ودية مع القوى الوطنية واليسارية، ولا سيما مع الحزب الشيوعي العراقي، دون أن ينخرط رسميًا في عضويته. كان مؤيدًا للإصلاحات الزراعية والاقتصادية التي أنجزتها حكومة قاسم، وانحاز إلى الفقراء والمحرومين. وقف سدًا منيعًا في وجه محاولات التيارات القومية المتطرفة الإطاحة بالنظام الجمهوري الوليد، مما جعله هدفًا لحملات التشويه لاحقًا.
بطولاته في مواجهة انقلاب 8 شباط 1963
حين دبر حزب البعث وحلفاؤه انقلاب 8 شباط 1963، كان وصفي طاهر في طليعة المدافعين عن الجمهورية. قاتل ببسالة حتى آخر طلقة، وظل متمسكًا بموقعه في وزارة الدفاع رغم إدراكه لرجحان كفة الانقلابيين.
رفض الاستسلام وواجه الاعتقال والتعذيب بصمت وكبرياء. وعندما اقتيد إلى الإعدام، أبى أن تعصب عيناه، وقال بشموخ:
“اضربوا، هذا طريق الشرف والكرامة.”
استشهد وصفي طاهر مضرجًا بدمائه، رمزًا للوفاء للوطن والمبادئ، وأصبحت سيرته نموذجًا خالدًا للعسكري الشريف الذي رفض الخيانة واختار الموت واقفًا.
الخاتمة
لم يكن وصفي طاهر مجرد ضابط في الجيش العراقي، بل كان تجسيدًا للفكرة الوطنية النقية: الإخلاص، الشجاعة، النزاهة، والانحياز الأبدي للشعب.
بدمائه الطاهرة خط وصفي طاهر ملحمة ستبقى محفورة في ضمير كل عراقي حر، وستظل سيرته نبراسًا لكل من يؤمن بأن الأوطان لا تبنى إلا بتضحيات الرجال الكبار.
بيان بالمصادر:
1. حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، الجزء الثالث، دار الساقي.
2. مذكرات الفريق الركن عبد الكريم قاسم.
3. لقاءات شفوية مع رفاق حركة الضباط الأحرار (مأخوذة من أرشيف المركز العراقي لتوثيق تاريخ العراق المعاصر).
4. حوار مع الكاتب حسن العلوي، عبد الكريم قاسم وظاهرة الزعامة الفردية في العراق.
5. مصادر صحفية عراقية قديمة (جريدة الثورة العراقية، 1963).
2025-05-10