السلام … أم سيناريو “دوغلاس ماكريجور” ؟!؟
رنا علوان
تعددت الأسماء والهدف واحد ، “التطبيع” … السعودية اسمته خطة النادي الإبراهيمي ، أما عرابة السلام الجديدة مورغان اورتاغوس ، فأسمته [ إطلاق المسار الدبلوماسي] هذا المسار في حقيقته ما هو إلا مسار لتعبيد الطريق امام حل مُستدام لربط لبنان بخط السلام ، أما العدو الصهيوني فقال ، مشروع شرق أوسط جديد سيطوّق المنطقة شاء من شاء وأبى من أبى
فور قدوم اورتاغوس لم تتوانَ عن ذكر ما تصبو إليه ، وفنّدت تنفيذ هذا المسار عبر ثلاث مجموعات عمل ، وعلى ثلاثة ملفات متوازية عالقة بين لبنان والعدو الإسرائيلي ، هذا التصريح الوقح ، جعل العديد من الأسئلة المحوريّة تطرح نفسها ، ولعلّ أولها ، ما الذي يُحضرّ للساحة اللبنانية ، لكن الإجابة لم تأتِ مُتأخرة خاصةً بعد بيان مكتب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو حول الموضوع نفسه ، حيث أخذت الخطة المُعدّة لملف الحدود بين لبنان وفلسطين تتكشّف تباعًا ، ليتبين ، أنها جزء من خطة أوسع بين العدو الصهيو-اميركي ، ووفق ما نقلت وسائل إعلام العدو عن مصدر سياسيّ لديها ، أشار إلى أنّ «سياسة نتنياهو غيّرت الشرق الأوسط ، ونحن نريد مواصلة هذا الزخم كي نصل إلى التطبيع مع لبنان ، فالمُحادثات معه ما هي إلا جزء من خطة واسعة وشاملة »
إذن ما يشهده لبنان منذ التاسع من كانون الثاني الماضي ، ما هو إلا دلالات لخارطة طريق رسمها الرئيس دونالد ترامب للبنان ، وأتت لتنفذها اورتاغوس ، فالولايات المتحدة تعتبر نفسها الآن في موقع «الوصي المباشر» على لبنان ، والقرار الأول والأخير لها ، لذلك لا يحق لنا إدانة أي عمل يقوم به العدو “ابنها المُدلل” ، أو القيام بعمل يزعجه ، وهي تقرر اذا كان سيحدث إعادة اعمار ، ومن اين تأتي المُساعدات ، صحيح ان التركيز على الأموال الإيرانية ، لكنها مُستعدة لوضع شروط على أي أموال يمكن أن تقدّمها دول أخرى ، عربية أم غربية ، المهم عندها هو عدم عودة الناس فعليًا إلى منازلهم ، خصوصًا في القرى الحدودية ، بالتزامن مع إعداد العدو لبرنامج عمل لاستفزاز اصحاب الأرض على الحدود ، بُغية إبعادهم عن القرى ، فهؤلاء يحملون في عقولهم إيديولوجية المقاومة ، وطبعًا ، كل ما يحدث من اعتداءات ، هو تحت نظر القوات الدولية ، ولا أحد منا يعلم كيف سيتعامل الجيش اللبناني مع أحداث كهذه ، لكن الأميركي يعلم كُل العلم ، فالإملاءات هو من يصدرها ، وللأسف يجد لها آذَان صاغية
فمن يُريد اليوم نزع سلاح المقاومة هي اميركا قبل العدو اللقيط ، لأن المصلحة الكبرى في المنطقة هي صهيو-اميركية بإمتياز وغير قابلة للتجزئة بتاتًا ، لذلك توافق أميركا العدو الإسرائيلي على ضرورة نزع سلاح المقاومة في كل لبنان وليس جنوب نهر الليطاني فقط ، وستمنح الولايات المتحدة إبنها اللقيط حق المبادرة إلى توجيه ضربات عسكرية وأمنية ضد أي شخص أو منطقة في كل لبنان ، [ إذا ما قررت إسرائيل أنه يشكل خطرًا عليها ] ، أما المتآمركين اللبنانين “عبيد السفارة” من ساسة واعلامين ، فقد استعدّوا لإطلاق حملة «نزع السلاح من أجل النجاة» ، فور إقرار الهدنة ، وان هذا السلاح “لم ينفع لبنان في مواجهة من لا يرونه عدو أساسًا للأسف” ، هم عدائهم فقط لمن يحافظ على ارض لبنان وتراب لبنان ، عدائهم لمن يُقدم الغالي والنفيس كي لا يصبح لبنان مجرد مستعمرات ، لذلك عندما تتجاوز الأمور عتبة الخيانة ، لن يكون مستغربًا أي كلام يقوله هؤلاء في حق المقاومة كما في حق الناس ، شهداء كانوا أم أحياء
اميركا التي وضعت كل ثقلها كي تكون “السُلطة في لبنان” موالية لها ، لتضمن بأن تكون أداة مُسهِّلة لإنضمام لبنان إلى اتفاقيات أبراهام او النادي الإبراهيمي كما اسمته السعودية ، قد ساعدت الرئيس عون في تلميع صورته بعد ان افرج العدو عن اللبنانين الخمسة ، والهدف هو دعم الرئيس أمام حزب الله وأمل اللذيْن يعارضانه الى حد ما ، وسعيًا للتطبيع مع لبنان في المرحلة القادمة ، وقد صرّح الكولونيل احتياط في جيش العدو الإسرائيلي موشيه العاد خلال مشاركته في برنامج عبري قائلاً : «أعتقد بأن الرئيس عون يريد مرحلة جديدة من العلاقات بين لبنان وإسرائيل»
وما كشفته أورتاغوس والإعلام العبري ، وكل ما سيلي من تصريحات بشأن هذه الخطة ، يؤكّد أن واشنطن وتل أبيب تتشاركان الهدف ذاته من العدوان الصهيوني على لبنان ، وهو التأسيس لحقبة جديدة من خلال إنتاج سلطة موالية لا ترفض طلباً للأميركيين ، وتكون أداة مساعدة ومسهّلة لانضمام لبنان إلى النادي الإبراهيمي ، لذا تُشارك السعودية في جانب كبير منه ، عبر نجاحها في السيطرة على كل مواقع القرار في البلاد ، ليس على الرئاسات أو الوزراء فقط ، بل على المدراء العامين ، وموظفي الفئتين الأولى والثانية ، وعلى الضباط المشرفين على مواقع ومؤسسات أمنية ، وعلى القضاة في المسائل المدنية في كل الدولة ، إضافة إلى حق الوصول المباشر إلى بيانات المصرف المركزي وبقية المصارف ، وإلى أوراق الجمارك اللبنانية ومصلحة الضريبة ، وصولاً إلى حق المراقبة المُسبقة على كل نقاط العبور البرية والبحرية والجوية للبنان
الخلاصة الأكيدة هي ، ان واشنطن تسعى جاهدةً للسيطرة على كل المفاصل الأمنية والإدارية والمالية ، واستغلال الوضع اللبناني الحالي لتعزيز مصالحها ، خصوصًا انها تروّج لفكرة إنهزام المقاومة ، وتفرض على اذنابها التعامل مع حزب الله على أنه في «حالة ضعف» ، كما سيُترك للعدو «الحق» في الهجوم على حزب الله والمقاومة متى شاء وفي أي مكان
ما أودّ الإشارة له “كخاتمة ” ، هو ما صرح به الجنرال الأمريكي المُتقاعد دوغلاس ماكريجور ، والمعروف بقربه من الرئيس دونالد ترامب ، ودوره كمستشار عسكري له في مقابلة تلفزيونية خطيرة “كما تم وصفها” الأسبوع الماضي ، حيث استعرض سيناريو مُرعب لحرب إقليمية قد تتصاعد إلى صراع عالمي
كما أن ماكريجو ، بصفته من نخبة “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة ، وشارك في حروب الخليج والعراق وأفغانستان ، تحدث بيقين عن حرب قادمة ، وهو يعلم جيدًا ما يجري خلف الكواليس ، ولا يتحدث عن سيناريو مستقبلي بعيد ، بل عن أحداث قد تقع في أي لحظة
وفقًا لماكريجور ، فإن المواجهة الكبرى ستبدأ بين [مصر والعدو الإسرائيلي] حيث أشار إلى أن التحركات العسكرية المصرية في سيناء ليست مجرد استعراض للقوة أو تحذير سياسي ، بل هي استعداد فعلي لحرب مفتوحة ، لأنه بحسب ماكريجور ، لن تبقى محصورة بين مصر والعدو ، بل ستجذب أطرافًا إقليمية أخرى بسرعة هائلة ، أولها الأردن ، مما سيؤدي إلى تفجير المناطق الحدودية بينه وبين الأراضي الفلسطينية المُحتلة ، ومع دخول الأردن ، لن تبقى سوريا على الحياد ، وستجد نفسها مضطرة للانخراط في القتال ، مدعومة من تركيا ، وهو ما سيحوّل الحرب إلى نزاع إقليمي
يُكمل دوغلاس ماكريجور السيناريو المُتوقع ، فما ان تشتعل المواجهة في قلب الشرق الأوسط ، سوف يجد حزب الله الفرصة للتدخل بكامل قوته ، مُستهدفًا العمق الإسرائيلي من شمال فلسطين المحتلة ، في المقابل ، الحوثيون في اليمن سيكثفون هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر ، أما المقاومة العراقية فلن تقف كمتفرج بكل تأكيد بل على العكس ستدخل على خط المواجهة ، ليصبح العدو اللقيط فجأة أمام طوق ناري من عدة جبهات
لكن دوغلاس لم يقف عند هذا الحد من التوقعات ، بل أضاف ، ان ايران لن تدع هذه الفرصة الجوهرية والثمينة تفلت من يدها دون استغلالها ، وهذا أخطر ما في السناريو بحسب زعمه ، فإذا رأت طهران أن العدو الإسرائيلي قد أصبح في وضع استراتيجي ضعيف ، فلن تتردد في توجيه ضربة له
عند هذا الحد ، لن تقف الولايات المتحدة متفرجة ، فالجنرال ماكريجور يرى أن واشنطن ستقدم دعمًا عسكريًا هائلًا للعدو الإسرائيلي ، سواء عبر جسر جوي للأسلحة أو من خلال تدخل عسكري مباشر
السؤال الذي يطرح نفسه [ أين روسيا من كل هذا السيناريو ] ماكريجور يُحذّر من أن دخول الولايات المتحدة المُباشر إلى الحرب سيخلق فرصة مثالية لروسيا ، فموسكو ، التي تخوض صراعًا ضد النفوذ الأمريكي في أوكرانيا وأماكن أخرى ، قد تستغل هذه الفوضى لتوجيه ضربة قاضية للولايات المتحدة
ولعل أهم ما جاء في هذه المُقابلة ، هو أن الجنرال لم يحدد من سيفوز ومن سيخسر في هذه الحرب ، لكنه أشار بوضوح إلى أن العدو الإسرائيلي قد لا يخرج منها سالم ، فمن خلال تحليله ، يبدو أنه يرى [نهاية الكيان اللقيط] تُلوّح في الأفق ، حيث تتجمع ضده مجموعة من القوى الإقليمية والدولية القادرة على إنهائه
2025-03-18