الدولة الوطنية .. الكليبتوقراطية .. ثورة 25 يناير!
بقلم. ياسر رافع
منذ الإستقلال الناجح للوالى ” محمد على باشا ” عن الدولة العثمانيه وقيامه بتفعيل الدورالمصرى وأستطاعته أن يفرض الشخصيه الجغرافيه لمصر على محيطها فى الشرق أصبحت مصر مهيئة لتقبل فكرة الدولة الوطنية المستقله التى تحدد شخصيتها وهويتها وشكلها العرقى والدينى بمفهومها الحديث ، لهذا مع سقوط مصر مرة أخرى فى براثن الإستعمار البريطانى 1882 لم تكن هى تلك الدولة الخانعه بل كانت المقاومه هى سيدة الموقف وأستدعت الجغرافيا مكنونات الشخصية المصرية من أضابيرالتاريخ وشارك المصريون فى تحديد مصيرهم ولم تقف معاهدة ” سايكس_بيكو” الإستعمارية التى رسمت حدود دول المنطقه عائقا دون تحقيق حلمهم فى الإستقلال الذاتى وتحقيق حلم الوطن المصرى الخالص الحر ، ولكن وفق محددات حديثة وأفكار عصرية كانت نتاج لأفكارغربية أنذاك نتجت عن مؤتمر ” وستفاليا ” 1648م والذى أنهى الحروب فى أوروبا وأقر الشكل الوطنى العصرى للدول وإنهاء العصر الإمبراطورى ، ولهذا عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 فإنها وجدت شعبا جاهزا لتقبل الشكل الجديد فى الحكم بل تماهى معه ، ولما لا وقد حددت الدولة الوطنية الجديدة ملامح الشخصية المصرية وأصبح المصريون لأول مرة منذ عهد الفراعنه أسيادا فى بلادهم .
وحاول الحكام الجدد للدوله الوطنية الوليدة ممارسة الفعل الإمبراطورى للجغرافيا المصرية وتحويلها للدولة القومية عن طريق الأفكار ، لكنهم فشلوا وأنكفأت الدولة على نفسها تعانى صعوبات إقتصادية وسياسية وعسكرية ، إنتصرت وهزمت ، حاولت البناء ونجحت ثم لم تتابع ، وغلبت الممارسات السياسية الداخليه والصراعات الخارجية على شكل الدولة الوطنية الوليدة مما جعل من تطورها أمرا مستحيلا، وكانت النتيجه فشل شبه كامل للدوله الوطنية أوصلها إلى خروج الشعب عليها فى 25 يناير ، وكان إستدعاء رمزية الرئيس ” عبد الناصر” كأول حاكم مصرى فعلى للدولة الوطنية المصرية فى ميدان التحرير إشارة لا تخطأها العين على فشل الدوله فى التطور حيث وقفت التنمية بمفهموها الشامل مع أزيز الطائرات الإسرائيلية فى العام 1967 ، ولم يشفع أزيز الطائرات المصرية فى حرب أكتوبر 1973 لعودة التنمية مرة أخرى ، وسقطت المفاهيم والأفكار وأختلط الحابل بالنابل ، ولم تستطع الدولة الوطنية أن تقاوم دعاوي التحديث والحداثة وما بعد الحداثة فى الأفكار والطموحات للحرية والعدالة والتنمية المستدامه ، لهذا سقط الشكل الوطنى للدولة المستمر منذ ثورة 23 يوليو1952 وحتى ثورة 25 يناير 2011 ، تحت هدير الجماهير المصرية التى تريد دول وطنية حديثه تتبنى متطلبات الشخصية المصرية فى زمن جديد .
فهل إستطاعت الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 وما بعدها فى 30 يوينو 2013 أن تنشأ شكل وطنى جديد يحدد ملامح الشخصية الوطنية المصرية فى زمن جديد ؟
………………………………………………………………………………………
الفساد واللصوصيه والسرقة أمور مرتبطه بالعلاقات المجتمعيه داخل أى دولة ، وليست حكرا على مجتمع دون الأخر ، وهى أمور شكلت محور العلاقه بين الناس والحكام على مدار التاريخ ، وأصبح الحكم على أى نظام سياسى سواء ملكى أو جمهورى هو مدى تغلغل الفساد واللصوصية والسرقه داخل المجتمع ، وأن شيوع هذا الأمر وتحوله إلى ثقافه شائعه بين الناس حكاما ومحكومين فهذا يدل على أن هذا المجتمع قد شارف على لحظة تغيير مفصلية .
وأن لحظة التغيير تحدث عندما تتحول السلطه السياسية إلى سلطه فاسدة تعرف إصطلاحا ” بالكليبتوقراطية ” وهى التى يستخدم قادتها السلطة السياسيه للإستيلاء على ثروة شعوبهم ، عادة عن طريق الإختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان ، وعادة ما يكون الحكم ديكتاتوريا أو إستبداديا (التعريف من ويكيبيديا )
ولم تكن الدولة الوطنية المصرية الوليدة فى يوليو 1952 وحتى 25 يناير 2011 إستثناءا أو بمنأى عن ظهور طبقة ” الكليبتوقراطية ” من السياسيين الفاسدين بل إنها ظهرت مبكرا ، فلم يكد تمر خمسة وعشرون عاما على ثورة يوليو حتى ظهر تحالف من الساسة ورجال الأعمال الجدد ( وكلاء الشركات الأجنبيه ) وبدأ الفساد يضرب الطبقة الحاكمة ، وأستمر الوضع ينتقل من سئ إلى أسوأ وأصبح الفساد سلوكا معتادا وأصبحت الإشارة إلى أى مسؤول سياسى بالفساد بين الناس شيئا إعتياديا ومعتادا ، حتى جاءت اللحظة التى أصبح الفساد وطبقة الكليبتوقراطية هى المتحكمه فى القرار السياسى وأصبحت سرقة المال العام تتم تحت مظلة القانون الذى تشرعنه تلك الطبقه ، لهذا ضاقت الناس بحجم وكمية الفساد الغير طبيعية والتى تحولت إلى عملية نهب منظم لثروات البلد ، نهب جاء على الأخضر واليابس وغابت العداله فى التوزيع وأصبحت الثروة معلقة فى رقبة الطبقه الحاكمه ومن عاونها من رجال الأعمال والفاسدين ولم يستفد الشعب منها شيئا ، لهذا كان القول الفصل فى نهاية حكم تلك الطبقة الفاسدة فى ميدان التحرير يوم 25 يناير وتلك الأصوات الهادرة التى تنادى بسقوط الفساد وحكم طبقة ” الكليبتوقراطية ” وتحالف السلطه السياسية الفاسدة ومن عاونهم من رجال الأعمال الفاسدين
برأيك هل إنتهى حكم طبقة ” الكليبتوقراطية ” الفاسدة ، بعد ثورة 25 يناير وما تلاها فى 30 يونيو 2013 ؟
……………………………………………………………………………………
إن مشهدا رأسيا لميدان التحرير وميادين مصر كلها يوم 25 يناير 2011 وما تلاها ، ينبأنا بأن تلك الملايين التى خرجت على نظام ” مبارك ” رافعة شعار ” عيش – حرية – عدالة إجتماعية ” قد لخصت مأزق الدولة الوطنية المصرية الحديثة ، فقد رمز ” العيش ” إلى غياب التنمية بمفهموها الشامل والحديث عن تلك الدوله الأمر الذى جعلها متخلفه إقتصاديا بين الأمم مما جعل من أرقام الفقر والبطالة أرقاما مرعبه تنذر بإنفجار شامل ، وجاءت رمزية ” الحريه ” لتعبر عن المأزق الوجودى للدولة الوطنية المصرية حيث غابت الحريات منذ النشأة تحت دعاوى كثيرة ، وأصبحت شمولية الحكم هى الأساس لهذا ضمرت المعارضة أو كادت ولكنها لم تمنع خروج ملايين الشباب غير المسيس للتعبير عن مطالبه ومطالب عصره ، ثم جاءت ” العدالة الإجتماعية ” وعدالة توزيع الثروة فى المجتمع لتعبرعن عمق تغلغل الفساد والمحسوبية واللصوصية داخل الطبقة السياسية الحاكمه والتى تحالفت مع طبقة رجال الأعمال وهو الأمر الذى مهد الطريق نحو إنحسار الثروة فى نسبة صغيرة من المجتمع وبقية المجتمع ترفل فى الفقر والبطالة وغياب العدالة .
إن 25 يناير هدمت مفهموما قديما للدولة الوطنية قد إستنزف بحكم الزمن وفساده كل عوامل بقاءة على قيد الحياة ، ولهذا كان الحديث عن جمهورية جديدة ( الثالثة ) وسط ميدان التحرير أمرا ضروريا وملحا ، جمهورية وطنية جديدة يعاد فيها إنتاج شكل العلاقة بين مكونات المجتمع المصرى بعيدا عن التعصب والفساد فى إطار التنمية الشاملة والمستدامه
ولكن لم تمهل الأيام ثورة 25 يناير أن تكتمل أو أن تصيغ رؤاها الخاصه بشكل الدولة الوطنية التى يريدها المواطن المصرى ، ووقعت صرعى تحت سنابك خيل الصراع على السلطه ، ولكن بقيت صيحتها نحو مستقبل جديد وعصرى لجموع الشعب المصرى حاضرة فى الأذهان وستظل ، ولن يستطيع أحد تجاهلها لسبب بسيط أنها كانت تخاطب حاضر مأزوم ومستقبل تريده .
هل يا ترى تتحقق شعارات ثورة 25 يناير ، بغض النظر عن وصفها سواء بالثورة أو بالمؤامرة ؟
……………………………………………………………………………..
مما لا شك فيه أن فشل الدوله الوطنيه يوم 25 يناير يماثل أو يكاد فشل دولة ” محمد على باشا ” فى نهايتها فى 23 يوليو 1952، لكنه لم يقضى عليها ولم يفضى إلى إنشاء شكل جديد من الحكم ، ولكنه كان بمثابة مطرقة ضخمه وقعت على رأس النظام السياسى كسرتها ، ولكن إلى الأن لم تحدد شكل الرأس الجديدة ولا طبيعة حركتها نحو المستقبل ، فالعملية ليست وضع نظام سياسى مكان الأخر ولكن بطبيعة وشكل الدوله وحركتها نحو المستقبل ، وعلى الرغم من تكرار رأس النظام المصرى الرئيس ” السيسى ” بأن هناك مفاصلة تامه مع ما قبل 25 يناير وما تلاها فى 30 يونيو 2013 ، وصك مصطلح الجمهورية الجديدة كأساس لدولة وطنية بمفهوم جديد قائم على التنمية الشاملة والمستدامه ، إلا أن الجمهورية الجديدة لا زالت تعانى آلام المخاض فالحريات والتنمية وعدالة التوزيع ، وواقع عالمى مأزوم يعانى مخاض سياسى وفكرى فى زمن الذكاء الإصطناعى يقطع بأننا أمام فترة زمنية قد تطول حتى يتبلور شكل نستطيع أن نقول علية أنه النسخه المحدثة والحديثه من الدولة الوطنية المصرية ونطلق عليه الجمهورية الجديدة .
ولكن الجمهورية الجديدة وهى تعانى آلام المخاض والظهور ، وتحاول جاهدة بكل طاقتها أن تبنى فى كل مكان فى مصر وتسابق الزمن إلا أنها يجب أن تفطن لعامل الزمن الذى يتآكل لدى الجماهير التى تريد تغييرا سريعا يطال كل شئ الحريات والقضاء على الفساد والتوزيع العادل للثروة ، وأن تعاد صياغة العلاقات داخل المجتمع بين الطبقه الحاكمه والجماهير على أسس العصر ومقتضياته
أعتقد أن تغييرا كبيرا قد حدث فى مصر فى كل نواحى الحياة ، ولكن تبقى إعادة صياغة مفهوم الدولة الوطنية عائقا نحو التنمية ، ولهذا نستطيع أن نقول أن التنمية وحدها ليست كافية بدون وضع أسس ثابته وقوية تصان فيها الحريات وتوضع ضمانات حقيقيه لضمان التوزيع العادل للثروة ، وتفكيك الأسس القانونية التى قامت عليها طبقة الكليبتوقراطية لضمان عدم عودتها ثانية
الشعب يريد المستقبل ، ويريد جمهورية جديدة على أسس عصرية وواضحه . وأعتقد أننا شئنا أم أبينا سنصل لها ، ولكن التحرك بإتجاهها بضوابط صحيحه سيجنبنا المزالق والإنكسارات الحادة.
…………………………….