الحرب الأوكرانيّة: ترامب يطمأن باستمرار المفاوضات، وتصور أمريكي لتقسيم أوكرانيا والسيطرة على خطوط الغاز!
بدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكهنات سادت الأسبوع الماضي بتراجع اهتمام إدارته بالملف الأوكراني في خضم الأزمة المتدحرجة بشأن التعرفات الجمركيّة، وقال للصحافيين على متن طائرة الرئاسة: “قناعتي أن المحادثات بين أوكرانيا وروسيا تسير على ما يرام. وسنكتشف ذلك قريباً”.
سعيد محمّد*
بدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكهنات سادت الأسبوع الماضي بتراجع اهتمام إدارته بالملف الأوكراني في خضم الأزمة المتدحرجة بشأن التعرفات الجمركيّة، وقال للصحافيين على متن طائرة الرئاسة: “قناعتي أن المحادثات بين أوكرانيا وروسيا تسير على ما يرام. وسنكتشف ذلك قريباً”.
وأدلى ترامب بهذا التعليق بعد يوم من اعرابه عن إحباطه من روسيا، طالباً إليها عبر صفحته على منصة تروث سوشال “التحرك” من أجل التوصل إلى اتفاق في المفاوضات الأمريكية-الروسيّة لإنهاء الصراع “لأن الكثير من الناس يموتون، الآلاف في كل أسبوع، في حرب مروعة لا معنى لها، حرب لم يكن من المفترض أن تحدث أبداً، ولم تكن لتحدث ، لو كنت رئيساً حينها”، وكذلك بعدما اشتكى وزيرا خارجيّة روسيا وأوكرانيا – كلاً على حدة على هامش منتدى أنطاليا بتركيا – من انتهاكات متكررة لاتفاق الهدنة الجزئيّة الذي يقترب من نهاية أيّامه الثلاثين، دون أن يشير أيّ منهما إلى الرغبة بإنهاء الاتفاق.
وجاءت طمأنة ترامب بشأن استمرار المفاوضات بعدما أجرى مبعوثه الشخصيّ ستيف ويتكوف (الجمعة) محادثات مع الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في سان بطرسبرغ.
وظهر بوتين على التلفزيون الحكومي وهو يرحّب بويتكوف في مكتبة سان بطرسبرج الرئاسية، قبيل أحدث جولة من المفاوضات الروسية – الأمريكيّة المباشرة استمرت لاحقاً لأكثر من أربع ساعات. وقال الكرملين بعد الاجتماع إن الجانبين تداولا في مختلف جوانب التسوية الأوكرانية، ووصف كيريل ديمترييف، مبعوث الرئيس الروسي لقضايا التعاون الدّولي، الجولة بأنها كانت “مثمرة”.
ونقلت الصحف أن ويتكوف اقترح خلال المفاوضات حلاً لإنهاء الصراع يقوم على أساس منح روسيا الأقاليم الأوكرانية الأربع التي تطالب بها – وتسكنها أغلبيّة تتحدث الروسيّة يزيد عددها عن المليون نسمة -. وفهم في موسكو أن ذلك يشمل الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسيّة حالياً، بالإضافة إلى مناطق أخرى ما زالت بحوزة الجيش الأوكراني لكنّها تتعرض لضغط عسكري روسي لا يتوقف.
ووصف الجنرال كيث كيلوغ، المبعوث الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا، التصور الأمريكي وفق اقتراح ويتكوف بأنّه أقرب ما يكون إلى تقسيم برلين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث مناطق سيطرة روسيّة إلى الشرق، مع وجود قوات فرنسيّة وبريطانية إلى الغرب كجزء من قوّة تمنح ضمانات أمنيّة لنظام كييف، وبينهما تتمركز قوات أوكرانية خلف منطقة منزوعة السلاح ضمن اتفاق سلام شامل.
وقال كيلوغ الذي أدلى بتصريحاته في مقابلة مع صحيفة بريطانية إن الولايات المتحدة لن ترسل قوات بريّة إلى أوكرانيا في أيّ وقت، لكنّه من المعلوم أن الفرنسيين والبريطانيين لن يرسلوا جنودهم إلى غربيّ أوكرانيا دون حماية أمريكيّة ودعم لوجستي واستخباراتي من القواعد العسكريّة للجيش الأمريكيّ في جوار أوكرانيا.
ولم تعلّق كييف بعد على طروحات التقسيم بعد، لكن الشعور بالهزيمة ظهر جلياً في تصريحات فريدريك ميرتس، مستشار ألمانيا المقبل الذي قال إن الحرب يجب أن تنتهي قبل أن تتمكن أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي.
ونقلت صحيفة ألمانية عن ميرتس تصريحه بأن “أوكرانيا دولة أوروبية كبيرة للغاية، لكنها دولة أوروبية في حالة حرب”، و”لا يمكن لبلد في حالة حرب أن يصبح عضواً في الناتو أو في الاتحاد الأوروبي”. لكنه أشار إلى أن “الوعد بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لا يزال سارياً، وكذلك إمكانية النظر في مبدأ الانضمام إلى الناتو، لكن لكي يحدث أي من هذين الأمرين، يجب أن تتوقف الحرب أولاً”.
وتطالب كييف بضمها إلى الناتو والاتحاد الأوروبي لقبول تسوية للحرب، لكن روسيا أكدت أنها لن تقبل بأوكرانيا أطلسيّة، وإن أبقت الباب مفتوحاً أمام فكرة انضمام كييف للاتحاد الأوروبي بعد التوصل إلى حلّ للنزاع المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات. ومن تصريحات أمريكيّة سابقة، يبدو أن واشنطن تتفهم التحفظات الروسيّة، ولن تحقق لأوكرانيا طموحها بالتغطي بمظلّة الناتو.
وفي سياق متصل، استضافت ألمانيا والمملكة المتحدة بشكل مشترك اجتماعاً لحلفاء أوكرانيا (مجموع الاتصال للدفاع عن أوكرانيا) في العاصمة البلجيكية بروكسيل (الجمعة)، حضره ممثلون عن أكثر من 40 دولة، فيما اكتفى وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، بالاستماع عبر تقنية الفيديو. وقد تعهد الحلفاء بتقديم دعم عسكري إضافي لنظام كييف بقيمة قياسية قدرها 21 مليار يورو (24 مليار دولار)، متهمين روسيا بالتلكؤ وتأخير المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار. وقال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي للمجتمعين: “(الرئيس) بوتين يقول إنه يريد السلام، لكنه يرفض وقفاً شاملاً لإطلاق النار، تواصل قواته مهاجمة الأهداف العسكرية والمدنية في أوكرانيا”، فيما أكد نظيره الألماني، بوريس بيستوريوس، على ضرورة أن يعتمد حلفاء أوكرانيا في أوروبا على أنفسهم “لأن الولايات المتحدة ربما تأخذ بزمام المبادرة في البحث عن تسوية، ولكن الدفاع عن أوكرانيا الآن – والسلام العادل والدائم عندما تصمت المدافع – في أيدي شركائها الأوروبيين”.
وزراء دفاع بريطانيا وأوكرانيا وألمانيا في بروكسيل
من جهته، دعا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي اجتماع حلفاء أوكرانيا – عبر الفيديو -، إلى التركيز على تدعيم قدرات جيش بلاده في مجال الدفاع الجوي، وطلب إليهم رصد الأموال اللازمة لشراء عشرة أنظمة باتريوت إضافية.
لكن بينما يعد الحلفاء بإرسال المزيد من أدوات القتل إلى أوكرانيا، كان مسؤولون أمريكيون يلتقون مع ممثلي نظام كييف في واشنطن دي سي العاصمة الأمريكية للتداول بشأن صفقة المعادن الثمينة التي تريد الولايات المتحدة من أوكرانيا الموافقة عليها كثمن للدعم الأمريكي العسكري والمالي خلال الحرب.
ويقول مطلعون على مسار المحادثات بين الجانبين بأن الأجواء تبدو مكفهرة بسبب المطالب المتطرفة لإدارة الرئيس ترامب، فيما اكتفت وزارة الخزانة الأمريكيّة بوصف المحادثات بأنها “تقنية محض”.
وكانت تقارير صحفيّة قد قالت إن الولايات المتحدة أبلغت ضيوفها الأوكرانيين بأنها تريد فضلاً عن أصول أوكرانيا المعدنية ومصادر الطاقة، أن تسيطر مؤسستها الدولية لتمويل التّنمية على خط أنابيب للغاز الطبيعي يمتد من بلدة سودجا في غرب روسيا إلى مدينة أوزهورود الأوكرانية يستخدم لنقل الإمدادات من روسيا إلى أوروبا.
هذا، وقال مسؤولون غربيّون على اتصال بجهات استخباراتية إن أكثر من مائة صيني يقاتلون بالفعل في صفوف الجيش الروسي ضد أوكرانيا، لكنّهم على الأغلب مرتزقة، وليست لهم صلة مباشرة بالحكومة الصينية، وهم غير ضباط من الجيش الأحمر يراقبون المعارك من وراء الخطوط الروسية لاستخلاص دروس تكتيكية من الصراع. وجاءت هذه التصريحات على هامش إعلان كييف عن أسر قواتها لمقاتلين اثنين من أصل صيني في مناطق القتال شرقي أوكرانيا.
– لندن
2025-04-15