الثقافة في مدينة سلمية: بين الادعاء والحقيقة..!
نبيل أحمد صافية*
مدينة سلميةالتي تتوسّط محافظة حماة، وهي تحمل لقب مدينة الثقافة، كما تحمل في طياتها إرثاً تاريخيّاً وثقافيّاً عريقاً، فقد كانت مهداً للعديد من المثقّفين والمفكّرين عبر مر العصور. ومع ذلك، يبدو أنّ هذه المدينة اليوم تعاني من ضعف ثقافي واضح رغم الغنى المعرفي والكم الهائل من المعلومات والمصادر الثقافية المتاحة، وهذا التناقض بين الماضي المجيد والحاضر الباهت يعكس تراجعاً في الاهتمام الحقيقي بالثقافة، سواء من قبل الأفراد أم المؤسسات التي كان من المفترض أن تكون داعمة لها.
رغم وجود مكتبات وكتب كثيرة ومراكز ثقافية، إلا أنّ التأثير الثقافي الفعلي يبدو محدوداً، ويعود ذلك لأسباب متعددة، منها: ضعف البرامج المقدّمة والتي غالباً ما تكون غير ملهمة، فضلاً عن نقص الوعي الثّقافي العام، وما يحدث في سلمية، هو حالة من الجمود الثّقافي، إذ لا يتم توظيف هذا الغنى المعرفي بالشّكل المناسب لإثراء الحركة الثّقافية المحلّيّة.
وتعدّ الجلسات الثّقافية من أبرز الفعاليات التي يفترض أن تنشّط الحراك الثقافي، وتسهم في إشراك المجتمع في حوارات فكرية وإبداعية، ولكن للأسف، فإن هذه الجلسات في سلمية تبدو ضعيفة في أدائها ومحتواها، وغالباً ما يتمّ دعوة ضيوف لا يمتلكون القدرة على تقديم فكر جديد أو رؤى ثقافية مميزة، وغالباً ما تكون تلك الجلسات خالية من النقاش الجاد والمثمر، وتفتقر إلى العمق الفكري الذي يجعلها جاذبة للجمهور.
وبدلاً من أن تكون تلك الجلسات منبرًا للإبداع والتفكير الحرّ، أصبحت مناسبات شكلية للمجاملات، تفتقر إلى الرّوح والإبداع، وتعتمد على أسماء مشهورة، ولكن دون مضمون حقيقي، وإنّ ذلك الأداء الضعيف ينعكس سلباً على الصورة العامة للثقافة في المدينة ويزيد من انصراف الجمهور عن حضور مثل هذه الفعاليات.
ومن الممكن أن تكون العناوين المطروحة لهذه الجلسات الثقافية جذابة وبراقة، تثير الفضول وتعد بالكثير، ولكن بمجرد حضور الجلسة، يُصاب الحضور بخيبة أمل، بسبب ضعف مستوى الضيوف وعدم قدرتهم على الإلمام بالموضوعات المطروحة بشكل يليق بتلك العناوين، عموماً، ويتم التركيز بشكل أساسي على إبهار الجمهور بالعناوين الجذابة دون تقديم محتوى يثري المعرفة.
وهذا التّناقض بين العنوان والمحتوى يعزز من تراجع الثقة في هذه الفعاليات، حيث يتعلم الجمهور أنّ الوعود الكبيرة لا تصاحبها دائماً قيمة فكرية حقيقية، وفي النهاية، تتحوّل الجلسات إلى مجرد مناسبات اجتماعية أكثر من كونها منصّات ثقافية حقيقية.
مدينة سلمية تحمل لقب مدينة الثقافة، ولكن هذا اللقب يبدو غير مستحق في ظلّ الوضع الراهن، والادّعاء بأنّها مدينة الثقافة يصطدم بواقع ندرة المثقفين الفعليين، حيث إن معظم من يتصدرون المشهد الثقافي هم أشخاص يفتقرون إلى العمق الفكري أو الإبداع الحقيقي، وفي الحقيقة، يعاني المشهد الثقافي من قلة الشخصيات التي تمتلك تأثيراً ثقافياً حقيقياً وقادرة على تقديم أفكار جديدة تعزّز الثقافة في المدينة.
إن مسألة الادّعاء بأنّها مدينة الثقافة، هو مجرّد انعكاس لما يمكن تسميته بالزّيف الثقافيّ، حيث يتم تضخيم صورة المدينة الثقافية دون الاهتمام بحقيقة وجود حركة ثقافية حقيقية نشطة ومتجددة.
ومن المحاور الأساسية التي تعكس الضّعف الثقافيّ في سلمية هو التراجع الواضح في مستوى الشعر واللغة، في المدينة التي يفترض أنّها مهّدت الطريق لعدد كبير من الأدباء والشعراء، فنجد اليوم أنّ المستوى الشّعري أصبح ضعيفاً وسطحياً، والأدباء والشعراء الجدد يفتقرون إلى الجودة والابتكار في أعمالهم، وغالباً ما يكرّرون الأفكار والمواضيع نفسها بأسلوب قد يبدو ركيكاً ويشوبه التقليد، وهذا الضّعف الشّعريّ واللغويّ يتناقض بشكل صارخ مع الادّعاء بالغنى الثّقافيّ الذي تروّج له المدينة، ففي الوقت الذي ينبغي أن تزدهر فيه اللغة والشّعر كرمز من رموز الثقافة، نجد أنّ هناك تراجعاً ملحوظاً في مستواهما، الأمر الذي يعكس ضعف الحركة الثقافيّة بصورة عامة.
وتعيش مدينة سلمية التي كانت رمزاًللإبداع والثقافة، حالة من التراجع الثقافيّ رغم غناها المعرفي والتاريخيّ، والجلسات الثقافيّة تعاني من ضعف الأداء، والعناوين البرّاقة تخفي وراءها محتوى ضعيفاً، بينما يتمّ الادّعاء بأن المدينة تمثّل ثقافة عظيمة، في حين أنّ المثقّفين الحقيقيين، قلما يظهرون في المشهد، وهذا التراجع يظهر بشكل واضح في ضعف مستوى الشعر واللغة، حيث أصبح الادّعاء بالغنى الثقافيّ مجرّد شعار فارغ، إذا أرادت سلمية أن تستعيد مكانتها الثقافيّة، فلا بدّ أن تكون هناك مراجعة شاملة للمحتوى الثقافيّ والجهود المبذولة لإعادة إحياء الحركة الثقافيّة في المدينة، وقد تجد فيها بعض الاجتماعات أمام المنازل لتبادل الآراء والتحليل عبر ما يماثل استعراض وكالات الأنباء في اجتماعات أمام المنازل مع احتساء المتة وتناول الموالح أو ما شابه، في رصد عابري الطريق وتأليف القصص والروايات .. في إبداع ثقافي واجتماعي فريد، لاتعرفه مدينة أخرى.
بقلم الباحث التربوي والإعلامي والسياسي وعضو اللجنة الإعلامية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية*
2024-10-07