التقسم أو الحرب.. ما هي مخاطر صراع النفوذ الأمريكي-التركي في سوريا!
رسلان داود
يكاد يُجمع معظم الخبراء والمراقبين للشأن السوري بأن السبب الرئيسي لإطالة أمد الصراع في سوريا، وزيادة معاناة الشعب السوري لمدة 13 عاماً ليس فقط إجرام نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وتمسكه بالسلطة، بل تعدد الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً أيضا.
حيث أن، لكل دولة مصالح متشابكة ومتناقضة مع الدولة الأخرى، هذا التعارض والاختلاف في المصالح أدى لظهور جماعات مسلحة وقوى محلية تابعة لتلك الدول مدعومة منها بشكل مباشر وتأتمر بأمرتها وتنفذ مصالحها على حساب دماء واستقرار الشعب السوري.
توزع النفوذ
وفقاً لمراكز الدراسات، لو نظرنا إلى خارطة توزع النفوذ الأجنبي على أراضي الدولة السورية ومن هي السلطات التي تسيطر على المشهد نلاحظ بأن هناك ٣ دول أساسية تحتل أجزاء كبيرة ومهمة من الأراضي السورية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية (منذ العام 2015 وتتمركز قواتها في 17 قاعدة و13 نقطة عسكرية وتنتشر معظم تلك القواعد والنقاط، في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، وتعتبر تلك المواقع قواعد ارتكازية، مهمتها دعم قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، يقع 17 موقعا منها في الحسكة، و9 في دير الزور، و3 في الرقة وتضم كل من محافظات حمص وحلب وريف دمشق واحدة لكل منها). تركيا (منذ 2014 وتتمركز قواتها في 126 موقعاً عسكرياً معظمها في الشمال الغربي من البلاد، وتشمل 12 قاعدة و114 نقطة، منها 58 موقعا في محافظة حلب، و51 في إدلب، و10 في الرقة، و4 في الحسكة، واثنتين في اللاذقية، وواحدة في حماة.) إسرائيل (بالإضافة للجولان، فمنذ سقوط النظام في 8 ديسمبر الجاري سيطرت على المنطقة العازلة و”جبل الشيخ” المطلّ على دمشق وتوغلت بمسافة 5 كم بالأراضي السورية بريف دمشق وريف درعا). أما الروس والقوى الأخرى فنفوذهم لا يتجاوز حدود سفاراتهم وعدد قليل من القواعد العسكرية في الساحل.
مؤشرات كبيرة لصراع نفوذ أمريكي-تركي في سوريا
وفقا للباحث محمد سمير الأكرم فإن اختلاف الأهداف والمصالح بين التركي والأمريكي في سوريا يمثل تهديد فعلي استراتيجي لاستقرار ووحدة سوريا كبلد من المفترض أنه يمر الآن بمرحلة انتقالية حسّاسة تتطلب ظروف سياسية وأمنية مستقرة، وليس اضطرابات أمنية تضعه على فوهة بركان قابل للاشتعال في اي لحظة.
وبحسب الأكرم فإنه يوجد كثير من المؤشرات التي تزيد احتمالية تصادم القوى المدعومة أمريكاً (قوات سوريا الديمقراطية “قسد”) والقوى المدعومة تركياً (الجيش الوطني، وهيئة تحرير الشام والجماعات المسلحة المنضوية تحت رايتها). ولعل أبرز وأهم هذه المؤشرات، هو رغبة تركيا بالتخلص من القوة العسكرية الكردية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة أمريكياً، حيث نفذت القوات التركية مع الجيش الوطني وكل قوى المعارضة السورية المسلحة، ضد الأكراد وقوات “قسد” عدّة عمليات عسكرية في السنوات الماضية في الشمال السوري، أبرزها: عملية “درع الفرات” 2017، وعملية “غصن الزيتون” 2018 والتي مكنت القوات التركية بالتعاون مع المعارضة المسلحة من السيطرة على عفرين، شمالي غرب سوريا، وعملية “نبع السلام” في 2019، الرامية إلى إنشاء “منطقة عازلة” على الحدود السورية لمنع إقامة كيان كردي مستقل حسب مصادر تركية. وما يؤكد ذلك، إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأسبوع الماضي أن القضاء على الميليشيا الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة هو “الهدف الاستراتيجي” لبلاده، داعياً المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة، إلى عدم الاعتراف بـ “ميليشيا قسد”.
أما السبب الآخر وفقاً للأكرم، طمع تركيا بالسيطرة على مناطق شرقي الفرات الأغنى في سوريا بالنفط وبالثروة الزراعية، حيث تغطي مناطق شرقي الفرات التي تسيطر عليها واشنطن أكثر من 90 % من احتياجات سوريا، بينما الاقتصاد التركي لا يستطيع أن يغطي هذه الحاجات ولا يمكنه تحمل هذا العبء خاصة بعد أن أوقفت إيران إمدادات النفط إلى سوريا، مما يرجح احتمالية مواجهة الحكومة السورية الجديدة المدعومة تركياً أزمة طاقة خطيرة لن تؤدي إلا إلى تفاقم المشاكل في المنطقة.
السبب الثالث، يتمثل بعدم تخلّي الولايات المتحدة ومن ورائها بعض الدول الغربية على مناطق نفوذهم في سوريا والمتمثلة بمناطق سيطرة القوى الكردية الموالين لها، لأنها الأغنى بالنفط والغاز والذي تقوم واشنطن بسرقته وتصديره بشكل منتظم. كما أن واشنطن تملك كثيراً من أوراق القوة والدعم الدولي التي توفر لها مبررات كافية للبقاء في سوريا، وأبرزها محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي.
ماهي أوراق القوة التي تملكها واشنطن في سوريا؟
وفقاً للباحث بشؤون الشرق الأوسط علي سعيد الوالي، فإن واشنطن تملك كثيراً من أوراق القوة في سوريا مما يسمح لها ليس فقط بالضغط على تركيا بل حتى إزاحتها من المشهد بشكل كامل، حيث أن واشنطن لديها وسيلتان قويتان للضغط على الحكومة السورية الجديدة المدعومة تركياً، هما ملف النفط وملف العقوبات الاقتصادية والأمنية على سوريا، والذين يشكلان أهم الملفات التي يسعى قائد الإدارة السورية الجديد أحمد الشرع المعروف بـ “أبو محمد الجولاني” لحلهما. فحكومته بحاجة ماسة للنفط، وللتخلص من العقوبات من أجل النهوض باقتصاد البلاد واستمرارية حياة الناس وتركيا لا تستطيع أن تقدمهم له، بينما واشنطن يمكنها ضمان تبادل النفط والحبوب بين مناطق سيطرة الأكراد والمحرر، وبالتالي سوف يكون من المفيد له الاتفاق مع الكرد والأمريكان، بل حتى سوف يضطر لذلك.
إلى جانب ذلك، أكد الوالي بأنه يمكن لواشنطن أن تضغط على إسرائيل، بل يمكنها أن توعد الشرع بإيقاف التوغل الإسرائيلي في عمق الأراضي السورية، والذي يعتبر مشكلة كبيرة يصعب على الحكومة السورية الجديدة التعامل معها لأسباب كثيرة ترتبط باختلاف توازن القوى العسكرية والاقتصادية والسياسية.
كيف يمكن لواشنطن تهميش الدور التركي وإضعافه؟
ووفقاً لـ الوالي، بناءً على كل المعطيات المذكورة، وبحسب معلومات من مصادر مقربة من “هيئة تحرير الشام”، فإن الوفد الأمريكي الذي زار سوريا الأسبوع الماضي، اقترح على الهيئة إجراء مفاوضات بين الحكومة السورية الجديدة و “قسد”، في إشارة لرغبة أمريكية بالسيطرة على الملف السوري برمته وتهميش تركيا وابعادها عن هذه المفاوضات. ومن المؤكد أنه لن يكون هناك مكان لتركيا في حال حصول المخطط الأمريكي، على الرغم من إعلان تركيا مراراً وتكراراً ضرورة سيطرة الحكومة الجديدة على كامل أراضي البلاد بما في ذلك شرق الفرات. حتى أن الوفد القطري الذي زار دمشق ألمح إلى دعمه لسيطرة “هيئة تحرير الشام” على كامل سوريا، وإلا فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستستمر بنهب ثروات البلاد، دون أي فائدة للحكومة الجديدة.
كيف يمكن أن تتعامل تركيا مع الخطة الأمريكية؟
بحسب بعض الخبراء والمراقبين، فإن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطط واشنطن، وتهديدات الأكراد، لذا ستبذل قصارى جهدها للسعي إلى انسحاب الولايات المتحدة من سوريا حتى تتفرد بالسيطرة. ولتنفيذ ذلك من الممكن أن تقوم أنقرة بعدة خطوات، حيث ستقدم الدعم الكامل لـ “هيئة تحرير الشام” والجيش الوطني وكل قوى المعارضة المسلحة الأخرى في قتال الأكراد، ومن المحتمل أن تقوم بتنظيم احتجاجات وحركات استفزازية في المدن التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، إلى جانب تحريض السكان المحليين على الاحتجاج ضد القوات الكردية واشعال الفتن العرقية والقومية بين العرب والكرد، لتقوم لاحقاً بحشد قواتها نحو مدينة “عين عرب” الاستراتيجية بحجة حفظ الاستقرار والأمن بالمنطقة.
ما هي تبعات صراع النفوذ الأمريكي-التركي
ووفقاً لعدد كبير من الخبراء والمراقبين، فإن صراع النفوذ الأمريكي التركي، هو تهديد حقيقي خطير لأمن سوريا والمنطقة بأكملها، ومن المحتمل أن يشتعل بأي لحظة ويعيد المنطقة لنقطة الصفر، ويعيق أي تقدم بالعملية السياسية، بل أنه من الممكن أن يكون سبباً بتقسيم سوريا.
2024-12-26