التقارب الإسرائيلي السعودي ودور السلطة الوظيفي..!
بقلم بكر السباتين..
هل هي هدنة سلمية حتى يستعيد الذئب المتربص أنفاسه؟
يوم أمس عاد وفد فلسطيني إلى رام الله بعد زيارته للمملكة العربية السعودية لإجراء محادثات مع مسؤولين سعوديين، بشأن اتفاق أمني قد يشمل تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” وهو ما كانت تهرب منه الرياض نحو الحيادية التي من شأنها أن تضمن لها مصالحها في العالم بعيداً عن التجاذبات الدولية.
ووفق مصادر لبي بي سي فإن الرئيس محمود عباس أمر الوفد بعقد لقاءات مع المسؤولين السعوديين “فقط”! وكأن سلطته لا تنسق أمنياً مع الإسرائيليين ليضع تلك الكلمة في السياق!.
ألا يذكرنا ما يطبخ تحت استار الظلام بصفقة القرن التي حاول ترامب تسويقها فباءت بالفشل الذريع!
من جهته أوضح راعي الصفقة الجديدة، الرئيس الأمريكي جو بايدن للحكومة الإسرائيلية في أنه ستكون هناك حاجة إلى تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين كشرط مسبق للتطبيع مع السعوديين، وهو أمر رفضته حكومة نتنياهو حتى الآن.. فما الداعي إذن للدور الفلسطيني الوظيفي الذي قد يزيد من هدر حقوق الفلسطينيين من قبل سلطة باتت تعيش على الوعود الجوفاء؟
ولاستجلاء حقيقة هذه الصفقة التي تطبخ في الظلام، وانعكاساتها الكارثية، أحيلكم إلى ما قاله الكاتب توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية -نشرت ترجمته عربي 21- عن اتفاق السلام والأمن المعقد الذي يحاول فريق بايدن التوصل إليه بين أمريكا والسعودية والاحتلال والفلسطينيين:
“من المؤسف أن هذه ليست النسخة التي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الترويج لها. فلا يمكن التطبيع مع حكومة إسرائيلية غير طبيعية (عنصرية). ولن تصبح أبدًا حليفًا مستقرًا للولايات المتحدة أو شريكًا للسعودية. وفي الوقت الحالي فإن حكومة إسرائيل ليست طبيعية”.
ثم أضاف: “وهذا يعيدنا إلى الصفقة السعودية التي تم تصميمها من أجل التحالف الأمريكي السعودي المتطور؛ حيث توافق الولايات المتحدة على نوع من معاهدة الدفاع المشترك بينما يتمكن السعوديون من تطوير برنامج نووي مدني والحصول أيضًا على الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدمًا. وفي المقابل؛ تبقى السعودية في زاوية الولايات المتحدة وتحد من العلاقات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية مع الصين”.
وصولاً إلى زبدة القول في أن الصفقة بين بايدن ومحمد بن سلمان، ينبغي أن تنص على أنه في مقابل تطبيع العلاقات بين “تل ابيب” والرياض، يجب على “إسرائيل” تنفيذ ما يلي:
أولاً- تجميد جميع عمليات بناء المستوطنات في الضفة الغربية في المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية، إذا كان من الممكن التفاوض بشأنها ذات يوم، وعدم إضفاء الشرعية على المزيد من المستوطنات الإسرائيلية العشوائية غير القانونية.
ثانياً:- الإصرار على أن تقوم “إسرائيل” بنقل الأراضي من المنطقة (ج) في الضفة الغربية، كما حددتها اتفاقيات أوسلو، إلى المنطقتين (ب) و(أ) الخاضعتين لسيطرة فلسطينية أكبر.
ثالثاً:- ضرورة إعلان الولايات المتحدة والسعودية أن هدف العملية الدبلوماسية سيكون حل الدولتين في الضفة الغربية. وهذا هو ما التزم به جميع رؤساء الولايات المتحدة السابقين، وكذلك ما أصر عليه العاهل السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز في مقابلة سابقة في عام 2002 عندما أعلن مبادرة السلام السعودية، والتي أصبحت فيما بعد مبادرة السلام العربية.
وفي تقديري أن هذه الشروط عقيمة ولا يمكن تنفيذها من قِبَلِ احتلال توسعي يمارس سياسة التطهير العرقي دون رادع.
فماذا لو أضاف الكاتب إلى تلك البنود حق العودة؟
هذه فنتازيا لا يستسيغها الواقع؛ لا بل ستحرض الأسئلة على العصف دون هوادة.
فكيف -إذن- يستقيم المنطق فيما السلطة الفلسطينية تُلْدَغُ من الجحرِ نفسِهِ ألفَ مرة؟ فهل الثقة بحكومة اليمين الإسرائيلي هي المخرج السياسي لتحصيل الحقوق الفلسطينية من اشداق الضواري التي لا تؤمن سوى بقانون الغاب؟
ما هو صنف المخدر الذي تتعاطاه الضحية حتى تسلم رقبتها للجزار وهي تعلم بأنها ستكون وليمة سياسية شهية على موائد اللئام؟
كيف تظن بأنها تصنع صفقة ستذلل الصعوبات بين التقارب السعودي الإسرائيلي، مقابل وعود جوفاء لا يمكن تحقيقها إلا في عقول السكارى المترنحين؟
هذه الأسئلة البكماء كانت قد رافقت مسيرة أوسلوا منذ بدايتها حتى صارت جثة هامدة واستبدلها الفلسطينيون بخيار المقاومة الذي أنهك الاحتلال؛ ليأتينا أينشتاين القضية الفلسطينية ورئيس السلطة الوظيفية بنظرية “المقاومة السلمية” ضد الاحتلال، في محاولة منه لاستحضار روح معاهدة أوسلو الميتة، من خلال الوسيط الأمريكي الروحي، وسيد البيت الأبيص، جو بايدن، الذي ما لبث يبيع الوهم لليائسين المتخاذلين؛ لتحقيق مآربه الاستراتيجية الخاصة.. المتجلية في: إنقاذ الكيان الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة المتهالكة.. كي يتمكن العم سام من إحكام الغرس للوتد الإسرائيلي في قلب الوطن العربي في سياق الدور الاستراتيجي الذي على أساسه أنشئ الكيان.
ومن ثم أخراج التنين الصيني من منطقة الخليج العربي. وقطع الطريق بين السعودية بثقلها الاقتصادي ومجموعة بريكس التي تمثل الخطر الداهم على الدولار.
ناهيك عن لجم قنوات التنسيق البيني مع روسيا فيما يتعلق بإنتاج النفط الذي شهد مؤخراً هبوطاً في الانتاج. وهذا سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط عالمياً، ما قد يؤثر سلبياً على نتائج الانتخابات الأمريكية، لصالح الجمهوريين، على اعتبار أن ذلك لم يكن سيحدث لو تولى ترامب السلطة في المرحلة القادمة.
أضف إلى ذلك إحباط التقارب السعودي الإيراني ومن ثم استعهادة الفزاعة الإيرانية كي تتموضع “إسرائيل” في القوقعة الإبراهيمية خليجياً كصدفة مزيفة في بلاد اللؤلؤ والمرجان.
فكيف لحكومة يمينية اعترف رئيسها مؤخراً بأنها مفلسة إذْ تقف عاجزة أمام التصدي لأزماتها الداخلية المتفاقمة، وإزاء المقاومة الموحدة التي تهدد الكيان الإسرائيلي المهزوز وجودياً؛ لِيُرَحَّبَ بها كحليف ضامن لأمن الخليج.
هذا استخفاف بالعقل العربي والسعودي بالتحديد، ومحاولة لخداع الوعي الفلسطيني وكأن المقاومة السلمية حققت أهدافها من خلال إنجاح الاتفاقية الإبراهيمية بغية تصفية ما تبقى من حقوق للفلسطينيين. وكما سقطت صفقة القرن فإن هذه الصفقة لن تتقدم قيد أنملة.. فمصيرها سلة المهملات.. فهي مجرد هدنة سلمية تسعى إليها “إسرائيل” حتى يلتقط الذئب المتربص أنفاسه.. فليس من مصلحة الفلسطينيين إضفاء الشرعية على أي صفقة تطبيعية من خلال المشاركة المغلفة بالوعود الجوفاء.. فنقع من جديد في فخ المماطلة اللامتناهي.. ولنا في التاريخ القريب خير العبر.
7 سبتمبر 2023