جيوسياسية/ التجارب النووية.. برميل بارود جديد بين الجزائر وفرنسا!
أدريس آيات
عادت قضية التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية إلى واجهة المشهد السياسي، بعدما أقرت الجزائر قانونًا جديدًا يُلزم باريس بتطهير المناطق التي تضررت جراء تلك التفجيرات، التي خلّفت إرثًا مشعًا لا يزال يؤرق الجزائريين بعد أكثر من ستين عامًا. يأتي هذا القرار في توقيت حساس، إذ تتزامن هذه الخطوة مع أزمة دبلوماسية متفاقمة بين البلدين، خاصة بعد اعتراف فرنسا رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مما زاد التوترات بين باريس والجزائر.
إرث مشع في قلب الصحراء.. وصراع لم ينتهِ
في 13 فبراير/شباط 1960، شهدت صحراء الجزائر أول تجربة نووية فرنسية تحت اسم “الجربوع الأزرق”، بالقرب من مدينة رقان، على بعد نحو 1800 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائرية. كانت هذه التجربة لحظة فارقة في التاريخ الفرنسي، حيث كانت التفجير أقوى بثلاث مرات من قنبلة هيروشيما، وأكدت من خلاله باريس انضمامها رسميًا إلى نادي القوى النووية العالمية.
جاء اختيار الجزائر كمسرح لهذه التجارب ضمن حسابات جيوسياسية دقيقة، إذ سعت فرنسا بعد أزمة السويس عام 1956 إلى إثبات قوتها العسكرية في مواجهة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وبالفعل، بين عامي 1960 و1966، أجرت فرنسا ما مجموعه سبعة عشر تجربة نووية في الجزائر، أربع منها في الهواء، وثلاث عشرة تجربة تحت الأرض، تاركة خلفها كارثة بيئية وصحية لا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم.
مع تصاعد المطالب الجزائرية بمعالجة هذه المخلفات النووية وتعويض الضحايا، تجد باريس نفسها أمام ملف شائك، حيث تدرك أن أي خطوة تجاه الجزائر قد تفتح عليها بابًا جديدًا من المطالبات القانونية، ليس فقط من الجزائر، ولكن من جهات أخرى متضررة من إرثها الاستعماري. هل ستخضع فرنسا أخيرًا لمطالب الجزائر، أم أنها ستواصل سياسة التجاهل والمماطلة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.
▪️ ماذا لو فتحنا ملفات الإرث الاستعماري بشكلٍ جماعي؟ لقد حان زمن المحاسبة
تمثل التجارب النووية والطبية التي أجرتها القوى الاستعمارية في مستعمراتها أحد أكثر أشكال العنف الاستعماري تطرفًا، إذ لم تكتف هذه القوى بنهب الموارد والسيطرة على الشعوب، بل حولت الأراضي المستعمرة إلى مختبرات بشرية وميدانية لاختبار أسلحة وعلاجات لم تكن لتُجرَّب على مواطنيها، فبالنسبة لهم حيواتنا غير جديرة بأن تُعاش.
لقد كانت هذه الممارسات امتدادًا لعقيدة التفوق العرقي التي اعتبرت حياة السكان الأصليين أقل قيمة، وهو ما انعكس في التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، والطبية من البلجيك في ناميبيا، والمتاحف البشرية بعد اختطاف أسلافنا؛ وفي التجارب النووية تعرض آلاف السكان للإشعاعات دون أدنى مراعاة لأثرها الكارثي، وكذلك في التجارب الطبية التي أجرتها القوى الاستعمارية البريطانية والألمانية في إفريقيا، والتي استخدمت مجتمعات بأكملها كعينات اختبارية دون موافقة أو تعويض. هذه الانتهاكات ليست مجرد حوادث تاريخية، بل تشكل جزءًا من إرث استعماري لا يزال يعيد إنتاج نفسه في أشكال جديدة من الهيمنة العلمية والطبية، مما يطرح تساؤلات أخلاقية حول الاستمرارية الاستعمارية في عالم ما بعد الاستعمار.
هل تذكرون ذلك المشهد المخزي خلال جائحة كورونا، حين تجرّأ أحد الأطباء الفرنسيين على اقتراح استخدام الأفارقة كفئران تجارب للعلاجات الطبية قبل طرحها في الأسواق؟ لم تكن تلك زلّة لسان عابرة، بل انعكاسًا متجذّرًا لنظرة الغرب الدونية تجاه العوالم الأخرى، التي ما زالت راسخة في سياساتهم وخطابهم.
لم يكن هذا الحدث معزولًا، ففي الأيام الأولى للحرب الأوكرانية، تكررت المشاهد ذاتها ولكن بأسلوب آخر. حينها، أُعطي اللاجئون الأوروبيون الأولوية المطلقة في العبور واللجوء، بينما تُرك الطلاب الأفارقة والمغاربة والمصريون على الهامش، ينتظرون دورهم في طوابير طويلة، وكأن حقهم في النجاة مشروط بلون بشرتهم أو بجوازات سفرهم.
الغرب الذي يدّعي الدفاع عن القيم الإنسانية، لم يتردد لحظة في إظهار ازدواجيته حين تعلق الأمر بمن يعتبرهم “الآخر”. واليوم، ونحن نراقب تحولات العالم، أما آن الأوان لقراءة الواقع بعيونٍ ناقدة، بعيدًا عن تلك السرديات المثالية التي لطالما استُخدمت لتبرير الهيمنة؟
لا سبيل لحل هذه المعضلة في وجهة نظري؛ إلا من خلال ضغط جماعي منسّق، يتجسد في تكتل إقليمي غير مسبوق، قادر على فرض معادلات جديدة على أرض الواقع. لا بد من تحريك الرأي العام العالمي، وإثارة القضية على جميع المستويات، بالتوازي مع تصعيد الضغوط السياسية والدبلوماسية بشكل منظم ومدروس. وإلى جانب ذلك، ينبغي التمسك بالمطالبة بتعويضات هائلة اقتصادية وتقنية عادلة، تضمن استعادة الحقوق وتعويض الأضرار، في سياق يجعل من الاستحقاقات التاريخية ملفًا غير قابل للإهمال أو التجاهل.
لقد بدأتها ناميبيا مع ألمانيا، وهاي الجزائر تفتح هذا الملف، من مِنْ دولنا ستكون اللاحق؟
2025-01-31