البرلمان الأوروبي في سيناريو تضليل جديد ضدّ الجزائر!
أسماء بهلولي
أجمع محللون سياسيون ونواب عن الجالية الجزائرية بالخارج على أن اللائحة الصادرة عن البرلمان الأوروبي، التي تدين وضع حقوق الإنسان في الجزائر، تُعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، ومحاولة للضغط على الجزائر من قبل اليمين المتطرف.
وأكدوا أن البرلمان الأوروبي يعتمد على معطيات من جهات معادية للجزائر، متجاهلا الإصلاحات الحقوقية والدستورية التي حققتها، فيما دعوا إلى الرد بتحرك دبلوماسي وبرلماني لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في أوروبا ومعالجة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بما يضمن مصالح الجزائر.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية علي ربيج، في تصريح لـ”الشروق”، إن البرلمان الأوروبي أصبح رهينة في يد اليمين المُتطرف، الذي يسيطر على السياسة الداخلية والخارجية في أوروبا، وخاصة في فرنسا. وفي هذا السياق، تأتي اللائحة الأخيرة ضمن سلسلة من اللوائح التي استهدفت الجزائر، حيث سمح البرلمان لنفسه بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، وتناول قضية مواطن جزائري يخضع لتحقيق وعدالة بلده.
وأوضح ربيج أن البرلمان الأوروبي بات يستخدم كل الوسائل السياسية والقانونية للتحرش بالجزائر، متجاهلًا ما حققته من خطوات بارزة في مجال حقوق الإنسان، والشفافية، الانتقال الديمقراطي، والتداول السلمي على السلطة، مؤكدا أن هذه الإنجازات تُعد معايير أساسية في علم السياسة وتطور النظم السياسية.
وأضاف ربيج: “اليوم، أصبح البرلمان الأوروبي رهينة لليمين المتطرف الذي فقد اتزانه، ويوظف مليشياته للضغط على الجزائر بهدف إجبارها على تقديم تنازلات في العديد من القضايا المحلية والإقليمية والدولية”.
وأشار ربيج في هذا الصدد إلى أن الحكومات الأوروبية، للأسف، تراهن على هذا البرلمان، لكنها قد تخسر شريكا اقتصاديًا واستراتيجيا مهما بحجم الجزائر، خاصة في ظل دورها المحوري في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وأضاف عضو البرلمان الجزائري في هذا الشأن أن الحوار السياسي الذي يجمع الجزائر مع البرلمان الأوروبي قد يتأثر بمثل هذه اللوائح، التي لا تخدم أمن واستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط.
البرلمان الجزائري مطالب بالتحرك
ومن جانبه، يرى المحلل السياسي المختص أبو الفضل بهلولي أن لائحة البرلمان الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في الجزائر تفتقر إلى الموضوعية والأسس الواقعية، وليس لها أي تأثير مباشر على العلاقات الدولية.
ويشير إلى أن البرلمان الأوروبي لا يمثل السياسة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، ولا يُعتبر قناة دبلوماسية تمارس عبرها الدول علاقاتها الدولية، بل هو هيئة سياسية تعتمد في تقاريرها على معطيات وإحصائيات تقدمها منظمات دولية غير حكومية، تُعرف بعدائها للجزائر.
كما تثار الكثير من الشكوك حول تمويل هذه المنظمات، يقول المتحدث، حيث تدعمها جهات سياسية متطرفة تسعى إلى تشويه سمعة الجزائر. ومن المعروف في القانون الدولي أن الهيئات الأممية، مثل مجلس حقوق الإنسان، هي الجهة الوحيدة المخولة بتقييم أداء الدول في مجال حقوق الإنسان، وتقديم التوجيهات والتوصيات اللازمة.
وفي هذا السياق، يقول أبو الفضل إن الجزائر سبق لها أن عرضت تقريرها الدوري الشامل بشأن معايير حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف عام 2022. وقد مكّن سجلها الحقوقي من الحصول على عضوية المجلس بفضل الإصلاحات التي جاء بها دستور 2020، والذي عزز الحقوق والحريات ووفر آليات لضمانها.
من جهة أخرى، يلاحظ محدثنا أن البرلمان الأوروبي يستغل بعض بنود الاتفاقية الدولية المبرمة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي لمهاجمة سجلها الحقوقي.
وفي هذا الإطار، يجب على البرلمان الجزائري التحرك سريعًا من خلال إصدار لائحة مستعجلة بعد مناقشات عامة داخل البرلمان لمعالجة قضايا حقوق الإنسان في بعض الدول الأوروبية.
كما ينبغي تسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون من أصول إفريقية وعربية في أوروبا، بما في ذلك العنصرية، وخطاب الكراهية، والاعتداءات المتكررة ضد الإسلام والمسلمين، مثل حملات الكراهية، والإبعاد القسري للمهاجرين الشرعيين، وحوادث حرق المصحف الشريف.
وأضاف المتحدث في هذا الشأن:”هذه الممارسات تتنافى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، خاصة المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر التمييز على أساس ديني”، حيث تؤكد التقارير الأممية وجود دوافع سياسية وراء التحريض على الإسلام وانتشار خطاب الكراهية.
كما أشارت تقارير أممية، مثل الاجتماع رقم 21 في الدورة العادية الـ53 لمجلس حقوق الإنسان في يوليو 2023، إلى تصاعد الكراهية ضد المسلمين في أوروبا، فضلًا عن التهميش والعنصرية المنهجية التي يعاني منها المهاجرون من أصول إفريقية.
الضغط لتعديل معاهدة الشراكة
وقال أبو الفضل إن المفاوض الجزائري مطالب اليوم بالمبادرة لتعديل بنود اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وفتح مفاوضات لتعديل المعاهدة أو إبرام معاهدة جديدة تحل محل الأولى.
وأوضح المتحدث أن لائحة البرلمان الأوربي تستعمل مصطلحات غير دقيقة وغير واضحة كما أنها تعد تدخلا مباشرا في أعمال السلطة القضائية في الجزائر ما يعتبر مؤشرا على سوء نية هذه الهيئة، فالجزائر ملتزمة بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وملتزمة أيضا بالتعاون مع الهيئات الدولية، كما أن الجزائر يقول أبو الفضل هي مبتكرة مبادرة العيش في السلام والتي حظيت بالإجماع من قبل المجتمع الدولي.
من جهته، وصف النائب عن الجالية في المنطقة الرابعة، فارس رحماني، اللائحة الصادرة عن البرلمان الأوروبي، والتي تدين ما وصفته بالوضع الحقوقي في الجزائر، بأنها “مضللة”، مشيرا إلى أن هذه الهيئة اعتادت التهجم على الجزائر من خلال إصدار لوائح مشابهة تنتقد، من جهة، وضعية حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى، حرية التعبير.
وقال رحماني: “البرلمان الأوروبي يكيل بمكيالين، وهذه اللائحة تمثل سقطة أخرى من سقطاته، حيث تتدخل في شؤون الجزائر الداخلية وتسعى لتشويه صورة الدولة، متجاهلًا أن الجزائر بلد حر ومستقل يؤمن بسياسة الند للند. وهذا التدخل يعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ الأمم المتحدة”.
وأضاف النائب: “في وقت كنا ننتظر فيه أن يتخذ البرلمان الأوروبي موقفا شجاعا للدفاع عن فلسطين وقضاياها العادلة، نراه يتحول إلى أداة تعمى عن رؤية الظلم الحقيقي، وتوجه سهامها نحو دولة ذات سيادة” .
وأردف البرلماني في تصريح لـ”الشروق” أن مثل هذه التصرفات غير مقبولة، مُشددا على أن الجزائر دفعت ثمن سيادتها واستقلالها غاليا، بدماء مليون ونصف المليون شهيد، ما يجعلها تقف صامدة أمام أي محاولات للتدخل أو الابتزاز، قائلا: “نحن كنواب عن الشعب الجزائري نرفض بشكل قاطع أي تدخل في شؤون بلدنا الداخلية.. مثل هذه المحاولات لا تؤدي إلا إلى تعزيز التماسك بين أبناء الشعب، وترسيخ التمسك بالسيادة الوطني”.
“بارديلا” يجهل القانون الدولي واليمين يتعمد التشويش
من جانبه، قال الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية بالمجلس الشعبي الوطني، محمد هني، إن استغلال قضية الكاتب الجزائري المدعو بوعلام صنصال يمثل محاولة للتشويش على الجزائر وتدخلا في شؤونها الداخلية.
وأوضح النائب الحر في تصريح لـ”الشروق” أن البرلمان الأوروبي يواصل السير على نفس نهج بعض مكوناته السابقة، وعلى رأسها اليمين المتطرف، الذي يشن هجمات متكررة على الجزائر، مستغلًا قضايا داخلية، مثل قضية صنصال، التي ما زالت قيد النظر أمام العدالة الجزائرية.
وأشار هني إلى التصريحات الأخيرة لجوردان بارديلا، زعيم اليمين المتطرف في فرنسا، الذي أظهر جهله بالقانون الداخلي للبرلمان الأوروبي، مشددا على أن الجزائر ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، بما في ذلك المادة 2 من الاتفاقية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، التي تُعد واضحة وصريحة.
وأكد هني أن التهجم بهذه الطريقة غير مبرر وغير مقبول، مشددا على أن الجزائر تحترم القانون الدولي، وأن العدالة الجزائرية تُمارس عملها باستقلالية تامة بعيدا عن أي تدخلات.
24/01/2025