نشر هذا المقال في ملف مجلة الهدف الفلسطينية عدد 957 الصادر في 30/4/1989 الخاص عن عيد العمال العالمي وفي الذكرى المئوية لاعلانه عيدا امميا، وقد تكون اعادة نشره اليوم مناسبة اخرى، تعيد فيه الاهتمام بمعنى المناسبة واليوم والاحتفال، وتجدد ضرورة الوعي بقيمتها ودور الحركة العمالية واليسار في العالم العربي في النضال التحرري الوطني والقومي:
منذ مئة عام يحتفل العمال في كل انحاء العالم بهذا اليوم المجيد، يوم التضامن العمالي. عيد العمال العالمي. يوم الطبقة العاملة العالمية. عيد النضال البروليتاري، يوم اتحاد العمال امميا. وفق الظروف والشروط الموضوعية، والذاتية، وحسب طبيعة البلدان والانظمة الحاكمة فيها. وضمن الامكانيات والقدرات العمالية وحركة الطبقة العمالية وقوتها علنيا وسريا. في تظاهرة حاشدة او في قاعة مزدانة بالشعارات والاضواء او في اقبية السجون والمنافي.
في العالم العربي احتفل العمال العرب في هذا اليوم ايضا. وعدوه يوما للنضال الطبقي والوطني والقومي، وحشدوا طاقاتهم لتجديد هذا التقليد الثوري، النضالي، وللانطلاق منه لاقرار الحقوق والمطالب العمالية، منذ ان انتشر الوعي العمالي، الاشتراكي في صفوف الشعوب العربية وامتدت التنظيمات الاشتراكية والافكار الثورية، وبذرت بذور الاشتراكية في العالم العربي.
لقد شهدت اواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، البداية في عالمنا العربي، لانتشار الفكر الاشتراكي، ولتشكل الطبقة العاملة، وحركتها العمالية والنقابية. وكان للاحداث الثورية العالمية صداها واثرها، فكان لثورة 1905 الروسية، ولثورتي 1908 في تركيا وايران في البدايات، واشتبكت عوامل عدة في فتح الصفحات الجديدة في التاريخ ولعبت العوامل الخارجية دورا كبيرا فيها.
فاذا كانت اول حركة اشتراكية في مصر قد ظهرت عام 1895 في الاسكندرية من خلال انشاء اول نقابة لعمال الاحذية، ومكونة اساسا من الارمن واليونانيين، ولم يذكر بينهم من المصريين (1) فان هذه الحركة كانت تاسيسا، ومؤشرا وشرارة لاندلاع اللهيب العمالي. وتتالت بعدها، خاصة بدايات القرن الحالي، الحركات والتنظيمات والاطارات والتجمعات العمالية لتتواصل وتؤكد نفسها.
كما سجل مصطفى كامل عام 1899 اول اتجاه للدعاية الوطنية في صفوف الشعب، سجلت الحركة العمالية في العام نفسه. اول اضراب لعمال السجاير، وقد كان عدد مؤسساتها اربعين يشتغل فيها 30 الف عامل (2).
* شارات حمراء في الروشة
ففي العام 1907 إلتأم شمل عدد من العمال في “انطلياس” وبعض عمال شركة مياه بيروت في محلة العنبية، ليحتفلوا في الاول من ايار في تظاهرة، انطلقت من بساتين الليمون باتجاه مركز شركة مياه بيروت في العنبية، وكان المشاركون فيها يرددون الاناشيد حتى اذا وصلوا الى العنبية القى بعضهم كلمات تدعو الى التضامن العمالي، وقيل انهم زرعوا شتلة في ارض العنبية ووضعوا لوحة كتب عليها شجرة الحرية (3).
في ذلك الزمن عام 1907 كانت البلدان العربية رازحة تحت السلطة الطورانية العثمانية. ولم تتشكل في بلاد الشام بعد منظمة عمالية، ولكن كان هناك شباب متنورون درسوا في اوروبا وتاثروا بالافكار الاشتراكية، وفي لبنان عام 1907، احتفلوا بالاول من ايار.
ويذكر المؤرخ يزبك اؤلئك الفرسان الشجعان، كما يسميهم، وهم خير الله خير الله (جران النبرون) ومصطفى الغلاييني (بيروت) وداود مجاعص (الشوير) وفيلكس فارس (صليما) وجرجي نقولا باز (بيروت) ورفاق لهم عرفوا بـ ” الشبيبة الحرة” كما يشير الى قصة احتفالهم بالاول من ايار في محلة الروشة ببيروت. وهي مقفرة من كل مسكن على رمال الشاطيء، وبعيدة عن عيون الرقباء، وقد انشدوا الاناشيد، ووزعوا الشارات الحمراء وعلقوها على صدورهم في ذلك اليوم من عام 1907 (4).
وجرى الاحتفال الثاني باول ايار عام 1921 حيث تظاهر في بيروت بعض العمال والمثقفين في الشوارع احتفالا باول ايار. وقد اسفر الاحتفال عن مجزرة دموية. وساعد هذا الاحتفال ونهايتى على تعميق وعي الجماهير وادراكهم لقضاياهم النضالية وصراعهم مع المستعمر والمستغل لهم. وقد شهدت اعوام 1924، 1925، 1926 بداية نمو الحركة العمالية في سورية.
في عام 1923 ونتيجة لقيام الجمعيات العمالية في لبنان، عبّر العمال عن ارتباطهم الاممي بالطبقة العاملة العالمية، مرة اخرى، حيث قررت جمعية عمال الدخان في بكفيا الاحتفال بعيد اول ايار، عيد العمال العالمي. ودعت العمال ومنظماتهم النقابية للمشاركة في الاحتفال الذي جرى في احد “الاحراج” على ضفاف نهر الكلب. واشترك فيه عدد وافر من العمال. ويقال ان بعض الجنود من البحارة الفرنسيين اشتركوا في هذا الاحتفال. والقيت الخطب الحماسية. وانشدت الاناشيد العمالية الثورية التي تحيي النضال الطبقي والاممي للعمال في العالم (5).
ولاول مرة جرى الاحتفال بهذا العيد تحت اشراف حزب الشعب، الواجهة العلنية للحزب الشيوعي السري في لبنان عام 1925، وبمشاركة واسعة من قبل المنظمات العمالية. وقد اشارت لهذا الاحتفال جريدة الكومنترن،” المراسلات الاممية” حيث كتبت: ” في الاول من ايار 1925 جرت تظاهرات العمال في الشوارع وعقدت الاجتماعات في البيوت ورفعت الاعلام الحمراء رمز نضال الطبقة العاملة، وفي العام نفسه امتدت احتفالات اول ايار الى بعض المدن اللبنانية مثل زحلة وضهور الشوير وغيرها” (6). * اول بيان عربي عن ايار
حاول الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي تاسس عام 1919 ودخل الكومنترن عام 1924 تنظيم العمال العرب، وتشكيل نقابات مهنية توحد العمال فيها، والاهتمام بالعيد الاممي. فاصدر عام 1921 اول نداء شيوعي لاول ايار عربي، دعا فيه لاقامة الاحتفالات والمظاهرات بالمناسبة.
ودعا النداء الى مساندة ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى والعمال الروس. واكد على “ان مباديء موسكو تناديكم ان تضموا صفوفكم وتسيروا على الخطة التي سار عليها الروسيون، وتقضوا على جلاديكم والمستبدين فيكم وتنضموا الى المؤتمر الثالث الدولي الشيوعي، لان السلاح يقرقع قبل الموقعة القادمة التي تؤدي الى الحرية. وقوتنا تزداد وتنمو.. واختتم النداء: في هذا اليوم التاريخي، يوم اول مايو نناديكم ان تنضموا الى الشيوعيين الروسيين للجهاد ضد قتلة باريس ولوندرا الذين يقررون مصيرنا كأننا غير موجودين، او كأن لا سلطة لنا لتقرير مصيرنا. نناديكم للجهاد ضد الاغنياء الذين يبيعون البلاد واهاليها للاجانب. اتحدوا مع الشعب الروسي فهو يساعدكم لنيل حريتكم واستقلالكم الوطني. ان هذا العيد العام يجب ان يكون عيدكم. اتركوا العمل في هذا اليوم، واخرجوا الى الشوارع، واهتفوا تحت العلم الاحمر: فلتسقط الحراب الانكليزية والفرنسية، وليسقط اصحاب الثروات العرب والاجانب، وليحيى المؤتمر الثالث الدولي الشيوعي، ولتحيى الثورة الاجتماعية في العالم، لتحيى سلطة العمل، ولتحيى فلسطين السوفياتية” (7).
اسهمت الصحافة الوطنية والديمقراطية في الاحتفال في الاول من ايار، عيد العمال، وتابعت الاحتفالات والنشرات والخطب التي قيلت بالمناسبة، وسجلت على صفحاتها تأثر العمال والمثقفين الثوريين الذين احتفلوا بالعيد، ومجدوا اليوم، وعبروا عن نضج الحركة التحررية وتطورها الساياسي في تلك الايام، ايام البدايات الاولى للنضال العمالي، وبدايات التشكيل التنظيمي. كما اولى الكومنترن والاممية النقابية الحمراء اهتماما خاصا لذلك الامر.
وكان من اشكال هذا الاهتمام عقد المؤتمر الاول لشعوب الشرق في باكو عام 1920، حضره 3 عرب، الذي نادى بالجهاد المقدس ضد الامبريالية، ودعا الى النضال الاممي بين بروليتاريا الغرب الثورية وفلاحي الشرق وشعوبه المناضلة ضد الاسغلال والقهر العالمي.
عبرت الاممية النقابية الحمراء عن اهتمامها من خلال نفس الاستراتيجية في شعاراتها بمناسبة اول ايار كل عام، لقضايا تحرير العمال في جميع البلدان. وجاء في شعارات اول ايار عام 1926 الصادرة عن المكتب الدائم للاممية النقابية الحمراء ما يؤكد هذا الاهتمام. فقد رفعت الاممية شعارات تدعو العمال والشغيلة الى النضال ضد الفاشية، ومن اجل التقارب بين عمال سائر البلدان مع الطبقة العاملة في الاتحاد السوفييتي، والنضال من اجل تقارب عمال الغرب مع الشرق المستعبد، والنضال ضد الحرب والنضال من اجل ايجاد اممية موحدة نقابية طبقية من جميع البلدان والاجناس والقارات (8).
وجهت الاممية النقابية الحمراء العمال العرب، ودعت في 2 شباط 1924، العمال العرب في فلسطين لتاسيس نقابات لهم. ومما جاء في النداء: ” ايها العمال العرب، عليكم ان تجابهوا التحالف الوثيق بين الراسمال الانكليزي – الصهيوني والمشايخ والافندية، بالوحدة الاخوية بين العمال الثوريين في فلسطين” (9). ودعت في الكثير من نداءاتها الى الامتناع عن العمل في الاول من ايار والتظاهر والاحتفال بشعارات عمالية تدعو الى وحدة النضال، والتضامن العمالي ضد الحرب والاستثمار الراسمالي.
وقد استعرض مندوب الاقطار العربية في الاممية النقابية الحمراء الوضع النقابي في الاقطار العربية، مصر والعراق وفلسطين وسوريا سنة 1930 ووصف “البروليتاريا” العربية في هذه الاقطار بانها “بروليتاريا” زراعية على العموم، أي تعمل في الزراعة ولذلك تتاثر كثيرا بالازمة الزراعية. وقد اثرت الازمة الزراعية سنة 1929 ليس على الفلاحين فحسب، بل ايضا على العمال (10).
هذا الواقع، جعل من الاحتفال بعيد العمال العالمي، الاول من ايار، تعبيرا متقدما ترسخ كتقاليد ثوري، لم يقتصر على بعض الشرائح العمالية او المثقفين المتنورين او مناطق السواحل التي يكثر فيها عمال اجانب. او التاثر بحركات عمالية اجنبية. فقد امتد التقليد الى كل الشغيلة، العمال والفلاحين وغيرهم وكذلك الى المدن الاخرى والبلدان البعيدة عن السواحل حيث ترسخت تقاليد الاحتفال والتظاهر والانشاد له.
الهوامش:
1- السعيد، رفعت/ تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر 1900- 1925/ دار الفارابي، بيروت 1975/ ص 171.
2- الشافعي، شهدي عطيه/ تطور الحركة الوطنية المصرية 1882- 1956/ القاهرة 1957/ ص 25.
3- يوسف خطار الحلو/ ذكرى ال81 لاول ايار اللبناني/ السفير- بيروت/ عدد 3/5/1988.
4- يزبك، يوسف ابراهيم/ حكاية اول نوار في العالم وفي لبنان/ دار الفارابي- بيروت 1974/ ص ص49- 50.
5- البراري، الياس/ تاريخ الحركة العمالية والنقابية في لبنان 1908- 1945/ ج1/ دار الفارابي 1986/ ص 111.
6- نقلا عن د. حنا عبد الله/ الحركة العمالية في سوريا ولبنان 1900- 1945/ دار دمشق 1973/ ص 383. ونشرت معظم الكتب التي تناولت تاريخ الحركة العمالية والحزب الشيوعي التفاصيل الكاملة لهذا الاحتفال.
7- نقلا عن يزبك/ مصدر سابق/ ص ص 137- 142.
8- د. حنا عبد الله/ مصدر سابق/ ص 85.
9- البراري، الياس/ مصدر سابق/ ص 111.
10- د. حنا عبد الله/ مصدر سابق/ ص 91.