الانتخابات التركية: انتصر اردوغان ..!! فماذا عن تركيا ومستقبلها؟
ميخائيل عوض
تبدأ تركيا مئويتها الثانية على وقع انتخابات تميزت بحيوية شديدة وبنسبة مشاركة جاوزت ال٩٠% احتفظ عبرها الرئيس اردوغان بسلطته لولاية جديدة.
جاء انتصاره بطعم الهزيمة، فلم يتحقق من الجولة الاولى وحاصله جاء بفارق اقل من ثلاث نقاط.
الانتصار تحقق بفعل عوامل كثيرة مساعدة، ما يرسم علامات استفهام كبيرة حول مستقبل تركيا في ولايته الجديدة؛
1- بفعل اخطاء المعارضة الجسمية وفي اولها ترشيح كليتشدار، وعدم امتلاكها لرؤية، وشعارات ومشروع مستقبلي جاذب وجل ما طرحته نقدها لتجربة اردوغان والمسألة السورية واللاجئين وتحميله مسؤولة الازمات، وانهيار عملتها والتضخم الذي يتهدد استقرارها الاجتماعي، كما عجزت عن مواكبة الحملات الاعلامية والانتخابية المكثفة والمتقنة من فريق اردوغان الذي ظهر متماسكا وموحدا على عكس تحالف المعارضة السداسي.
كما نجحت حملة اردوغان باصطياد المعارضة باتهامها بالعمالة لأمريكا والاطلسي، وسعيها لإحياء الماضي المندثر، والعودة بتركيا الى ساحة وليست قوة فاغلة، في زمن تراجع جاذبية النموذج الغربي ومغرياته وتصاعد حالة العداء له في العالم وبينما قدمت الدول المناصرة لاردوغان الدعم بأشكاله المختلفة لم تحظى المعارضة بدعم خارجي يعتد به، فاردوغان وحزبه وتحالفاته يلبي مصالح الغرب ايضا وسيكون اكثر استعدادا لتأمينها وهو رئيس ضعيف.
2- كسب اردوغان الانتخابات بفعل سيطرته على الدولة واجهزتها واحكام قبضته واحتكار الاعلام واستخدامه الاعلام الحكومي بكثافه ومنع المعارضة من استخدامه بل تقييد قدرتها على استخدام حتى الاعلام التواصلي. واطلاقه وعودا كثيفة مبالغ فيها واقدامه على رشوة العاملين في الدولة برفع الاجور بنسبه ٤٥% قبيل ايام من الانتخابات واغدق بالوعود على المتضررين من الزلزال وكان للمناطق التي ضربها دور اساسي في تأمين تفوق اردوغان بالإضافة الى اصوات الخارج التي نال منها اكثر من ٧٠% .
3- لعب الدعم السخي الخارجي لاردوغان دورا كبيرا في ما حققه، فروسيا وايران بذلتا المستطاع والسعودية والامارات وقطر اغدقت المليارات لاسناد الاقتصاد المتدهور، ووعدت بالمشاريع العملاقة، بينما المعارضة كانت يتيمه الا من تهمة عمالتها للغرب والاطلسي ولم تنجح بالدفاع عن نفسها او التقدم بمشروعات ووعود لتطمين ايران وروسيا والصين بصفتها القوى الصاعدة والفاعلة في الاقليم وفي تركيا نفسها.
في الميزان؛
يمكن الاستنتاج ان كل العوامل والامكانات والدولة واجهزتها والاعلام والخارج الفاعل عمل لصالح اردوغان ولم ينجح من الجولة الاولى وانتصر بفارق نقطتين وثلاثة عشر بالمئة، ما يعني انه وحزب العدالة يعانون من حالة تراجع حاد في الشعبية فللعوامل المساعدة التي توفرت له ان تقدم لاردوغان ولأي مرشح في السلطة لعشرين سنة متصلة رصيد يجاوز ال٢٠% من الاصوات قبل ان تبدا العملية في الصناديق.
عن تركيا وانتخاباتها ومستقبلها تسجل النقاط التالية؛
1- عززت نتائج الصناديق حقيقة ان تركيا تعيش انقسامات عامودية حادة ودقيقة بفارق نقطتين بين التكتلين المحورين ما يرشحها لمزيد من التوترات والازمات ويسهم في اعاقة اردوغان وسلطته للولاية الجديدة فلم يعد حزبه وشخصه وتحالفاته يحوزون في الشارع والرأي العام على تأييد الاغلبية الكاسحة وان حققوا نجاحا وحصدوا اغلبية مقاعد البرلمان فذلك يعود لضعف المعارضة وترددها ولنجاحات في التحالفات المحلية والترشيحات وللمحافظات والمناطق النائية والمهمشين على عكس المدن.
2- اشارت نتائج الصناديق ان الكتلة الشابة صوتت للمعارضة وايضا المدن برغم مثالبها وأخطائها وكهولة مرشحها، وعجزها عن اشتقاق الجديد والتقدم بالوعد المستقبلي ما يعزز الاتجاهات لتي كانت قبل الانتخابات والتي شهد فيها حزب اردوغان انشقاقات وانفضاض كتل كبيرة من المناصرين وخاصة الشباب ويؤكد ان الجمهور الشاب تعامل مع وعوده بانها خلبيه ولمجرد كسب الاصوات.
3- شهدت الحملات الانتخابية ونتائج الصناديق على تجذر وتعمق الصراعات البنيوية في المجتمع التركي، وتزايد ظهور التصدعات العامودية والبنيوية، فالتطرف والصراع حاد بين العلمانية والتدين، وبين العلوية والسنية وبين الاناضول وازمير كتعبير عن الصراع بين الاوربة والاسيوية. والاكثر خطورة اتجاهات الرأي العام التركي الى التطرف القومي” وكان للأحزاب القومية دورا بارزا في زيادة نسبة المشاركة وترجيح كفة اردوغان ولو توحدت في الانتخابات ربما كانت فازت بالرئاسة” وتم تظهير المشكلة الكردية على نحو اكثر سفورا وحضورا في التكتلات والانقسامات وفي الحياة السياسية ونتائج الصناديق، ولولا الاصوات التي جيرت لاردوغان في الجولة الثانية من حزب الاجداد المتطرف قوميا لما تحقق الانتصار والولاية الثالثة.
4- اطلق اردوغان وعودا كبيرة للمواطنين ووعد بالسيطرة على الازمة الاقتصادية ومعالجتها وانهاض تركيا، واعمار ما هدمه الزلزال وبعد نجاحه سيواجه المشكلات المستعصية عن الحل والازمة غير الممكن احتوائها وعلاجها” يذوب الثلج… وكما يقول المثل بتروح السكرة وبتجي الفكرة….” فالواقع اشد تأثيرا في تقرير مستقبل الازمات والحلول من الوعود والتصورات والاعلانات الاعلامية واطلاق الوعود الانتخابية
5- ما ان اقفلت الصناديق على نتائجها حتى استأنفت العملة التركية مسارها الانحداري ما يعزز الاستنتاجات ان استمرار الاردوغانية في السلطة سيكون عبئا ثقيلا على تركيا واقتصادها وفرصها ومستقبلها، فالأزمة الاقتصادي والتضخم وانهيار العملة، مسار دخلته تركيا بفعل نواتج السياسات التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية وبفعل ما شاب عمليات التخصيص وبيع القطاع العام من مثالب ليس اقلها الفساد والمحسوبية والاولغارشية فصهر اردوغان الذي شغل منصب وزير مالية وابنه متهمون بنهب اكثر من١٣٠مليار دولار والتحقيقات الامريكية والاوروبية جارية وقد تتكثف في تهم غسل اموال والفساد، يضاف عليها ارتجالية اردوغان وتدخله المباشر في فرض السياسات المالية والنقدية التي كبدت الاقتصاد والمصرف المركزي خسائر مهولة، والانفاق الكبير في السنة المنصرمة لشراء الاصوات والشعبية. وبانتهاء العملية الانتخابية تكون قد صلت تلك الاجراءات الى نهاياتها واقترب موسم الحصاد… فتمويل ال٤٥% لزيادة الرواتب ستفرض طباعة الاموال وتاليا التضخم وانهيار العملة، والإجراءات غير العلمية التي اعتمدت لوقف الانهيار بربط الودائع بسعر الدولار استفذت جدواها وتقترب استحقاقات السندات والودائع مع نفاذ الاحتياطات من العملات الاجنبية ما سيؤدي الى المزيد من التضخم وانهيار العملة التركية.
6- الازمة الاقتصادية والاجتماعية من المتوقع ان تتصاعد في الاشهر القادمة بطريقة صادمة، فبعد التخصيص العشوائي لتمويل التجربة الاردوغانية في السلطة ولتامين الاسرة ورأسمالية الاناضول والاولغارشية وتمويل التورط في الحروب ونشر القواعد والقوى العسكرية في عشرات لدول، استهلك ما للدولة والمجتمع من قدرات ومدخرات وترويج اقتصاد الاستهلاك افقد المصرف المركزي القدرة على التمويل واختلال الميزان التجاري ب ١٠٠مليار دولار في غير صالح تركيا” تصدر ب ٢٥٠ مليار دولار وتستورد ب٣٥٠ مليار” سيضطر المركزي الى تعويم العملات الصعبة، والامر الاكثر خطورة والتي ستستعجل الازمات وربما الانهيار والانفجار الاجتماعي على وقع التصدعات الحادة في البنية الاجتماعية والمجتمع، وتجذر الصراعات الدينية والاثنية وجميعها عوامل تزيد في الازمات وتتغذى منها، وخروج الشباب من عباءة حزب العدالة والتنمية وما يعانيه مشروع الاخوان المسلمين العالمي من تراجع وتنحسر بتسارع حقبة الاسلام السياسي، وفقدان الدور والمشروعيات بفعل التطورات الاقليمية والعالمية الجارية، وسيكون الاشد خطورة انعكاسات الازمات الاقتصادية والمالية التي تطل برأسها في الاقتصاد الامريكي والاوروبي وافلاسات المصارف واضطرار امريكا واوروبا لرفع الفائدة ما سيسرع خروج مكثف للعملات الصعبة من تركيا، خاصة ان تمويل الفقاعة الاقتصادية والاستهلاك المفرط جرى عبر الاستدانة من كتلة المال الساخن العالمية وهذه تعتمد قاعدة اضرب واهرب وستهرب وتوظف في سندات الخزانة الامريكية والاوروبية. وليس لتركيا من مصادر تمويل واستثمار او اعانة بعد ما استنفذته سلطة اردوغان والعدالة لعشرين سنة ولتامين ولاية جديد في الانتخابات الاخيرة.
7- سداد الديون الخارجية وبالعملات الصعبة واعادة اعمار ما دمره الزلزال، وتامين الدولة ومحاولات الوفاء بالوعود السخية غير الممكن تأمينها بل غير الممكن الحفاظ على الوضع القائم، كلها اعباء واثقال ستواجه اردوغان ومن اليوم الاول لولايته الجديدة وبلا فترة سماح معتادة مع الرؤساء الجدد.
8- المسالة السورية واحتلال تركيا لأراض منها ودعمها غير المحدود للقوى المصنفة ارهابية، والوعود والالتزامات التي قدمها اردوغان لكل من ايران وروسيا بتسريع تنفيذ التعهدات والاتفاقات، ستصير اولوية حاضرة كما معالجة قضية اللاجئين في واقع عربي واقليمي تجري كل تحولاته في غير صالح تركيا وعدوانيتها ليس في سورية فحسب بل في العراق وليبيا والسودان واليمن.
9- ستشكل الاعباء التي رتبها الانتشار العسكري الواسع والمكلف لتركيا في العالم ضغوطا حادة على الدولة وموازناتها وتمويلها كما ستربك العلاقة مع روسيا والصين وايران الشعارات والمشاريع التي اطلقها ويعمل عليها اردوغان وتوجهاته لإحياء العالم التركي.
10- الصراع العربي الاسرائيلي وتطوراته وتراجع وزن الاخوان المسلمين فيه، واحتمالات تكثيف جولات الاشتباك والعنف واحتمالات الحرب الكبرى ايضا تنزع من يد اردوغان الورقة الفلسطينية التي اسهمت بصعوده واستحضرت دورا لتركيا في حقبة العدالة والتنمية.
كيفما ذهبت الامور والتطورات، وكيفما قرأت الانتخابات ونتائجها والتشققات العميقة التي كشفت عنها وعمقتها تفيد بخلاصة واحدة ذهبية؛
نجح اردوغان وخسرت تركيا.
ومن المرجح ان تكون سنوات الولاية الجديدة مأزومة ومتوترة وشاهدة على تراجع متسارع للدور التركي، ومن غير المستبعد ان تتسبب الازمة الاقتصادية بتوترات اجتماعية عاصفة تصب الزيت على نار القضية الكردية والعلوية والصراع بين رأسمالية الاناضول وازمير وبين العلمانية والتدين.
زمن تركيا القوية والفاعلة ينفذ….. ويذوب ثلجها..
بيروت؛٣-٦-٢٠٢٣