الانبعاث السومري واكذوبة “محمد علي”/ 5!
عبدالاميرالركابي
لايستقيم النظر في السياقات المؤشر عليها على انها واقعه تكرارية من نوع الانصبابية والرد الاختراقي المضاد، اذا لم يرفع النقاب عن حقيقة كبرى مجتمعية مغيبة بفعل قصورية الادراكية العقلية، تلك التي تخص التعبيرية والتجسد المجتمعي “الكياني” الثنائي النوع، المحلي منه المعروف ب ” الوطني” او “القومي”، ومقابله الكوني، ولكل منهما مرتكزه والاسباب التي تجعله حاضرا، سواء مع الاشارة له وتشخيصه او لا، مع اختصاص احدهما وتميزه باللانطقية التاريخيه المستمرة.
واللانطقية وتاخرها له اثر هائل على مستوى تكريس التوهمية بحيث يمكن ان يوضع تحرك باهت مثل الذي قام به في الجزيرة العربيه الشريف حسين، عند مفتتح القرن العشرين تحت الرعاية الانكليزيه ليعتبر زعيما “قوميا”، بينما تدفن كليا ظاهرة من نوع الانتفاضة الثلاثية التي حررت العراق من بغداد الى الفاو قبله باكثر من قرنين، وطالبت بولاية بغداد عام 1787 فلا يرد لها اي ذكر(1)، علما بان الاتراك العثمانيون حين وصلوا الى العراق ووجدوا البصرة يحكمها مغامس المانع شيخ مشايخ المنتفك (2)، تركوه في موقعه دلالة على التحرر الفعلي المنتفكي عدا عديد انتفاضات الاتحاد القبلي المشاعي غير المعلن كيانيا، وغير الكياني وصولا لتحريره البصرة من يد الصفويين، في حين يضع احد المصريين كتابا يشبه فيه داود باشا بمحمد علي(3) دلالة على التمكن الكاسح لظاهرة متاخرة وجدت برانيا، لتصبح خلافا للحقيقة الانبعاثية للمكان بمثابه انموذج دال على الصدوع للاخر ونهضته، ومحاولة التماهي الببغاوي معه خارج الذاتيه، الامر الذي يستمر قائما ومقرا الى اليوم.
على هذا المنوال من محاولة التماثل مع الغرب بكل ماتعرفه المنطقة خلالها من خروج عن الذاتيه باسم التوهمية الحداثية الايديلبوجيه لاكثر من قرنين، تعاش فترة الذهاب الى النطقية العظمى المنتظرة والمقرونه اخيرا بالانتقالية الالية وحصيلتها الابتدائية، اذ بينما تكون الذاتيه في حال انبعاث واقعي مادي حديث يبدا في ارض سومر نفسها التي بدات فيها عملية التبلور المجتمعي اللاارضوية، من دون نطقية بظل التغلببة التوهمية الغربية المواكبه للالة والانتقال اليها، مع التحول من البرانيه الشرقية المنتهية بالعثمانيه، الى البرانيه الالية الاوربية وتوهميتها، لينشا صراع من نوع افنائي للنوع، يمارسه الغرب الحديث وتوابعه بحق مجتمعية اللاارضوية المنبعثة، مرتكزا الى تعذر نطقيتها بالدرجة الاساس، مع ان الاصطراعية المذكورة هي بالاحرى محفز على وقعه تتحقق النطقية المؤجله ضمن سياق تصارعي يقارب الفنائية.
وبعد الدورة الاولى اللاارضوية الازدواجية السومرية البابلية الابراهيمة، التي وضعت اسس المنظور الحدسي الاول ابراهيميا للعالم الاخر،والدورة الثانيه التي هيات عمليا الاسباب للخروج من اليدوية، بتوفيرها شروط الانتقال الالي اقتصاديا تجاريا عالميا، الى ان تحل الدورة الراهنه الثالثة الالية، حيث النطقية المنتظرة هي صيغة الوعي والادراكية الكونيه المنتظرة بعد الاولى اليدوية وبعد فترة التوهمية الاوربية، في الوقت الذي تكون فيه مقومات الانتقال البشري المنتظرة من الجسدية الارضوية الى العقلية، قريبة من الظهور كحصيله لاصطراعية الالية مع البنية المجتمعية اليدوية البيئية/ البشرية، مع تحول وسيلة الانتاج من الارضوية الحاجاتيه اليدوية الاولى، الى العقلية مافوق الجسدية مع “التكنولوجيا العليا”، يوم لاتعود الكيانويات المحلوية قابلة للحياة، والمسار التشكلي الثالث الرافديني خارج الاليات الانتاجية، يزدحم بالمتبقيات والحثالات التاريخيه بلا تصور للذات او حتى الحد الادنى من ممكنات تدبير الكيانيه على يد خردوات ورمايم الحقب الحديثة الثلاث المتعاقبة، القبلية، والانتظارية النجفية، والايديلوجية الخارجة عن حكم الاليات التاريخيه المعطلة لصالح الريعية النفطية.
الا ان ما تتم الاشاره له بخصوص اللاانطقية ليس مقصورا على ارض الرافدين والشرق المتوسطي، فالغرب الالي المنصب حديثا في الجزء المقابل وراء البحر المتوسط، يظل هو الاخر بلا نطقية عاجز عن الارتفاع لمستوى التحول الالي، فلا يتعرف منه ومن حقيقته الاشكل تصور واجمالي رؤية تعرف ب “الحديثة”، هي بالاحرى تطوير للمنظور اليدوي لايرقى لمستوى الثورة التي يتطلبها وعي المنقلب النوعي الخطير الحاصل والحال على المعمورة، مايؤدي الى سيادة منظور توهمي يرافق الطور الاول من الالة وابنجاسها، مع ماتوفره من ممكنات، ومن تسريع للاليات المجتمعية الاوربية، مايمنح المكان غلبة غير عادية شامله، بينما منطقة اللاارضوية والازدواجيه الكونية غير ناطقة ذاتا بالمرة، تستعير التوهمية من الطرف المتغلب مفاهيم ونموذج، يساعد على ذلك استشراء متبقيات الطور الانقطاعي بين الدورات التاريخيه، والتدني الاعقالي المرافق له بما يفضي لاشاعة التماثلية مع الاخر ويكرس الايديلوجيات.
ويبقى السؤال: اية نطقية ننتظر وضمن اية اشتراطات، ووفق اية اليات من نوع ماهو منتظر، من المؤكد انها ليست شبيهه بكل ماكان عرف وظل مكرسا او متوهما، الامر الذي يعني بالحد الادنى ثورة انقلابيه عظمى، من غير نوع ماكان عرفه الكائن البشري على مدى تاريخيه على كوكب الارض، تقول بالحد الادنى ان الكائن البشري سائر عبر التفاعلية المجتمعية الى الكون الاخر اللامرئي، وانه بحالته الراهنه الانتقالية حالة وسط بين الحيوان والانسان، تقارب اليوم نهايتها، بما يعني ان الوجود البشري على الارض والمجتمعات ليست ابدية نهائية، بل مؤقته سائرة لغرض، ان اوان التعرف عليه على طريق الانتقال الى رحابه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انتفاضة سنة 1787 العربية الثلاثية/ مجلة افاق عربيه/ محمد حسن علي مجيد/ العدد 11/ تموز1979.
(2) مذكور لدى الدكتور عبدالعزيز سليمان نوار/ داود باشا والي بغداد/ وهو محاولة تشبيه ظاهرة اخر الولاة المماليم في العراق “داود باشا” 1817/1831 ، بمحمد علي المصري من باب النموذجية المتصورة خارج الاليات التاريخيه، واحتمالية البحث عن الذاتيه التي تنتظم العراق ووجوده الكياني المتعدي للمحلية، الامر الذي ظل ومايزال مكرسا كمفهوم ايديلوجي واكاديمي تماثلي، عديم القيمة “العلمية” الاساسية بغض النظر عن الجهد البحثي المبذول، كما في حالة الدكتور نوار/ الجمهورية العربية المتحدة ـ وزراة الثقافه// دار الكاتب العربي للطباعه والنشر
2024-10-15