الاخطبوط الأميركي ، بين انفاق غزة وانفاق فيتنام!
رنا علوان
[من فضلك حاول أن تكون أحد ثوار كو تشي]
تقابل هذه اللافتة الضخمة التي كتبت عليها هذه العبارة كل زائر للنفق ، من ثم يتبعها طلب “ارتدِ هذه الملابس قبل دخول النفق”» بيجامة سوداء ، خوذة لب الاشجار ، صندل المطاط ، كما تتوافر بنادق قديمة
وتتوزع بين الأمكنة حفر بحجم حوض السباحة كتب عليها: «حفرة بي – 52» وتتوزع بين الغابات اكشاك بيع الهدايا التذكارية التي تبيع أشياء مثل ولاعة مصنوعة من رصاصة ، قلم مصنوع من رصاصة ، رصاصة في سلسلة مفاتيح ، صندل مطاطي ، قمصان تي شيرت كثب عليها «لقد زرت أنفاق كوتشي
هذه الأنفاق التي باتت اليوم من اهم المعالم السياحية في فيتنام ، كان قد قاد نحو 8 آلاف جندي أميركي وأسترالي عملية عسكرية واسعة للقضاء عليها ، فبعد عمليات قصف مكثفة شنتها طائرات بي 52 ، حاول هؤلاء الجنود تمشيط المناطق القريبة من سايغون بحثًا عن قوات الفيت كونغ التي تمكنت من الاختباء بالوقت المناسب داخل هذه الأنفاق
بعدها بعام واحد ، شن نحو 30 ألف عسكري أميركي عملية عسكرية أخرى عند منطقة بنه ديونغ (Binh Duong) شمال سايغون عقب سماعهم بوجود شبكة أنفاق بهذا المكان
وبهذه العملية ، استعان الأميركيون بالجرافات والدبابات أملاً في إسقاط الأنفاق وردمها
في عام 1968 وتزامنًا مع احتفالات السنة القمرية لدى الفيتناميين ، نظم جيش فيتنام الشمالي ورفاقهم من مقاتلي “فيت كونغ” هجومًا كاسحًا سمي بـ”هجوم تيت”، استهدفوا به أكثر من 90 نقطة حساسة لقوات العدو ، منها مركز قيادته ، وكبدوه خسائر كبيرة في المعدات والأفراد [ الهجوم فشل في تحقيق انتصار للشيوعيين لكنه خلط أوراق واشنطن الداخلية ] ، حيث بلغ الشعور المعادي للحرب وسط رأيها العام أقصى مداه ، كما سادت الخيبة وانخفاض المعنويات بين الجنود الأمريكيين
ما دفع بالرئيس الأميركي الجديد وقتها ، ريتشارد نيكسون ، إلى خيار “فتنمة الحرب”، أي رد الحرب إلى أصحابها تمهيدًا للانسحاب ، في قرار سيكون القشة التي كسرت ظهر بعير الحملة الأمريكية على فيتنام
طوال 1970 خفض عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام إلى أكثر من النصف ، كما انطلقت بعدها سنة 1972 محادثات سلام عسيرة ضمت الأطراف المتقاتلة بباريس الفرنسية ، ارتكبت بالتزامن معها مجزرة في هانوي لإجبارها على البقاء على طاولة المفاوضات ، فأفرزت معاهدة لوقف إطلاق النار وقعت سنة 1973
لكن ما نقلته وكالة “رويترز” مؤخرًا عن مصدرٍ إقليمي ، انّ مدينة غزّة تضمّ أنفاقًا تجعل أنفاق الثوار الفيتناميين (الفيتكونغ) والتي استخدموها ضد الولايات المتحدة ، تبدو وكأنّها لعبة أطفال
وذكرت أنّ العدو الإسرائيلي ، لن ينجح بإنهاء حماس بالدبابات وقوّة النيران
كذلك ، قال خبيران عسكريان إقليميان لـ”رويترز”، إنّ كتائب عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة حماس ، حشدت قوّاتها لصدّ الهجوم الإسرائيلي ، ونصبت ألغامًا مُضادة للدبابات وعبواتٍ ناسفة مُفخخة للإيقاع بقوات العدو الإسرائيلي
في عام 2009 ، بدأت مصر في بناء حاجز تحت الأرض لسد الأنفاق القائمة وجعل حفر الأنفاق الجديدة أكثر صعوبة
وفي وقتٍ سابق ، أكّد محلل الشؤون العسكرية لشبكة “سكاي نيوز” البريطانية ، شون بيل ، أنّ أي هجوم بري إسرائيلي على قطاع غزة سيكون في غاية الخطورة على “جيش” الاحتلال
وأوضح أنّ القتال في المناطق الآهلة بالسكان “أمرٌ خطير للغاية ، لأن كل زاوية ، وكل مدخل ، وكل نافذة ، قد تخفي تهديدًا محتملاً ، بحيث سيكون جيش العدو الإسرائيلي مكشوفًا للغاية”
غزة التي تضم زُهاء 2.2 مليون نسمة في مساحة ضيقة من الأرض ومحاصرة بالكامل من جانب المحتل الإسرائيلي اللهم إلا وجود منفذ بري وحيد مع مصر ، دفعت بأهلها لحفر هذه الأنفاق لعدة مآرب أملتها اعتبارات الحصار وإكراهات القصف وضرورات المقاومة
تضم غزة وفق التقديرات الأخيرة شبكة تتألف من 1300 نفق ، ويبلغ طولها نحو 500 كيلومتر ، وقد يصل عمق بعضها إلى 70 مترًا تحت سطح الأرض وتشير بعض التقديرات إلى أن شبكة أنفاق حماس الأكبر في العالم بعد شبكة المنشآت التي يتوقع أن كوريا الشمالية بنتها تحت الأرض
وضمن حديث الصحف الغربية عن أنفاق غزة والذي لا يتوقف بسبب التطورات في هذه الحرب ، وصفت معاريف العبرية [أنفاق غزة بأنها “جهنم تحت الأرض” وأكدت أنها تمثل تحديًا هائلًا للجيش الإسرائيلي] ، يقول ديفيد إغناشيوس الكاتب بصحيفة واشنطن بوست إنه في التحليل الإسرائيلي للحرب الدائرة على غزة وآفاقها المستقبلية يتحدثون عن “غزتين” إحداهما مرئية للعيان لأنها فوق سطح الأرض، والأخرى هي تلك الشبكة الواسعة من الأنفاق تحت الأرض ، كما نُشرت دراسة تم إعدادها لأعضاء الكونغرس “أن واشنطن قدمت مساعدات للعدو الإسرائيلي من أجل هذا الغرض بلغت قيمتها 320 مليون دولار منذ 2016 ، بمعدل يقترب من 40 مليونًا سنويًا
كما أشارت الدراسة نفسها إلى أن بعض أنفاق حماس تقع على عمق 230 قدمًا تحت الأرض ، “وان معظمها معززة بالخرسانة وبعضها عميق جدًا ، مما يسمح لها بحماية مقاتلي حماس من الغارات الجوية”
ورغم أن جيش الاحتلال يمتلك عدة وحدات متخصصة بمكافحة الأنفاق ، الا ان المخاوف لا تتوقف في تصريحات المحللين الإسرائيليين والغربيين بشأن هذه الأنفاق ، حيث يعتقد بعضهم أنه إذا قررت تل أبيب القيام بغزو بري فستكون قد ذهبت للقتال خارج ملعبها في “مترو غزة” ، كما يتحدث الإعلام الإسرائيلي والغربي عن إمكانية استخدام الروبوتات وربما الكلاب ، بعدما تبين أن أجهزة الاستشعار والمراقبة التقليدية ليست كافية لاكتشاف الأنفاق ناهيك عن اقتحامها ،
وقد طوّرت الولايات المتحدة الأميركية والعدو الإسرائيلي أساليب لقياس البصمات المغناطيسية والحرارية والصوتية لهذه المنشآت الواقعة تحت الأرض ، لكن بتقدير الخبراء هناك
ضرورة لدخول العناصر البشرية إلى الأنفاق ، لا يمكن ابدًا تفاديها ، وهو ما يعني أنهم قد يتعرضون لكمائن ومتفجرات وألغام مخفية
ختامًا تختلف غزة عن أي مكان في العالم ، وهذا ما يدركه العدو الإسرائيلي جيدًا ، كما يؤكده التاريخ ، فقبل 18 عامًا سعى العدو الإسرائيلي الى إخلاء مستوطناته من قطاع غزة بعد أن أدرك تمام الإدراك ، أن ثمن بقائه هناك أكبر من يتحملها ، فإختار أن يسحب قواته ويستبدل ذلك بالحصار الخانق عبر البر والبحر والجو ، وجعلها اكبر سجن في العالم
2023-12-07