الاتحاد السوفياتي وعلاقته بالصهيونية ونشأت الكيان الغاصب!

رنا علوان
في عام 1918 ، بدأ الإنقلاب على الثورة الاشتراكية من داخل الثورة نفسها ، خيث إغتيل الزعيم لينين ، على يد جوزيف دجوغاشفيلي (ستالين) الذي تحوّل الى عميل للصهيونية ، فهو كان يدرك تمامًا ان انتصار الاشتراكية يعني النهاية التامة للرأسمالية اليهودية والصهيونية
ولقد جهدت “الستالينية” و”النيوستالينية” على تشويه الاشتراكية العلمية والماركسية ـ اللينينية ، وتفريغها من محتواها الانساني ، مستخدمة الصراخ والزعيق بإسم “الاشتراكية” و”الماركسية ـ اللينينية ـ الستالينية” حتى بلغ الانقلاب الستاليني ـ الصهيوني هدفه النهائي المنشود ، على يد الغورباتشوفية “النيوستالينية”، بسقوط النظام السوفياتي في روسيا ، وبفتح ابواب روسيا على مصاريعها للامبريالية والصهيونية العالمية
لقد كان لصراع الدول الكبرى حول مناطق النفوذ في الشرق الأوسط تداعيات متلاحقة على بلورة الفكرة الصهيونية ،
فلقد لعب الاتحاد السوفياتي دورًا بارزًا لا يستهان به على الإطلاق إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وباقي الدول الغربية في مساندة ودعم الحركة الصهيونية، وتحويلها في فترة حاسمة من التاريخ إلى قوة خاصة للتدمير والتوسع
ففي أواخر عام 1944 ، تبنى جوزيف ستالين سياسة خارجية مؤيدة للصهيونية ، بإعتقاده أن الدولة الجديدة ستكون اشتراكية وستسرع من تراجع النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط
وفي اواخر 1947 وتحديدًا في تشرين الثاني (نوفمبر) ، صوّت الاتحاد السوفيتي مع دول الكتلة السوفيتية الأخرى لصالح خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين ، التي مهدت الطريق لإنشاء الكيان الإسرائيلي
فلقد أخذت هذه القوى تتنافس على التقرب من الصهيونية والعمل على توظيفها من أجل تحقيق أطماعها وطموحاتها في الشرق الأوسط ، ولم تقتصر هذه على القوى الإمبريالية الغربية وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة ، وإنما شملت أيضًا الاتحاد السوفياتي الذي برز في أعقاب الحرب العالمية الثانية كواحدة من أكبر قوتين عالميتين ، إلى جانب الولايات المتحدة
ففي منتصف عام 1948 اي في 17 مايو ، وبعد ثلاثة أيام فقط من إعلان الكيان الإسرائيلي استقلاله ، منح الاتحاد السوفييتي رسميًا [اعترافًا قانونيًا به ] ، لتصبح الدولة الثانية فقط التي تعترف بالدولة الصهيونية (يسبقها فقط اعتراف الولايات المتحدة الفعلي) وأول دولة تمنح الكيان الاعتراف القانوني
وفي سبعينيات من القرن الماضي ومع فقدان النفوذ السوفييتي في مصر ، تعززت العلاقات مع المسلحين الفلسطينيين بشكل أكبر ، وسرعان ما تم إرسال الأسلحة السوفيتية والتدريب إلى الجماعات الفلسطينية (وكان جهاز الاستخبارات والأمن الداخلي مسؤولًا عن تسليح وتدريب معظم الجماعات الفلسطينية
والواقع أن جهاز الاستخبارات والأمن الداخلي هو الذي قرر أي الجماعات المسلحة ينبغي أن تحصل على المال والأسلحة
وفي عام 1972 كان السوفييت قد أعلنوا الحركة الفلسطينية في طليعة حركة التحرير العربية
اما في صيف عام 1974 ، فقد تم افتتاح سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في موسكو ( خلال هذا الوقت خاطب ياسر عرفات الامم المتحدة) وسرعان ما منحت منظمة التحرير الفلسطينية وضع المراقب في الامم المتحدة في عام 1974
في عام 1975، قدم الاتحاد السوفيتي برعاية ، وصوّت دعمًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379 الذي تعادل الصهيونية مع العنصرية (ومع ذلك، تم إلغاء القرار في وقت لاحق مع القرار 4686 في عام 1991، الذي صوت الاتحاد السوفيتي لصالحه واقترحه أيضًا)
في سبتمبر 1978، اي بعد اتفاقات كامب ديفيد أعلن الرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف أن «هناك طريق واحد فقط» إلى تسوية حقيقية ، «طريق التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 ، والاحترام الكامل والواضح للحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ، بما في ذلك الحق في إنشاء دولته المستقلة»
وفي نهاية زيارة عرفات لموسكو في الفترة من 29 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 1978، اعترفت السلطات السوفييتية أخيرًا بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها «الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني». وبالرغم من ذلك فان الاتحاد السوفيتي حث منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات على قبول أحكام القرار رقم 242 والاعتراف باسرائيل وبدء محادثات السلام
لكن بحلول عام 1983، احتاج النظام السوفيتي إلى سلاح دعاية جديدة في الحرب الباردة ، وكذلك ضد حركة المعارضة الداخلية المتزايدة ، لإيقاف أو تشويه سمعة الهجرة الجماعية لليهود السوفييت ولتخفيف المخاوف العربية بشأن آثارها على التركيبة السكانية لإسرائيل [ من خلال التصعيد الدراماتيكي للأنشطة «المعادية للصهيونية»، تم إنشاء اللجنة المناهضة للصهيونية للشعب السوفيتي (AZSCP) لحل هذه المشاكل]
فإن عداء الصهيونية لروسيا السلافية الاورثوذكسية ، هو أكثر عمقًا من عدائها لروسيا الاشتراكية ، وذلك لاعتبارات تاريخية معقدة ، واستمرار لدور الصهيونية كذراع طويل وفعال للامبريالية الغربية ، ناهيك عن دورها في انهيار الاتحاد السوفيتي
بعدها فوجئ العالم وهو يستمع إلى خطاب أندريه غروميكو أمام الأمم المتحدة بدهشة واستغراب [وبعد كل هذا التنديد السوفياتي بالصهيونية] يتحدث عن “الحقوق المشروعة للشعب اليهودي في فلسطين” ، وعن تأييد بلاده لقرار التقسيم ، وعن حق اليهود المشروع في إقامة دولتهم الصهيونية على أرض فلسطين العربية ، بحجة [تأمين المأوى والوطن لمئات الألوف من اليهود المشردين الذين يعيشون في المعسكرات والملاجئ الأوروبية]
وحينما اندلعت الحرب بين الدول العربية والعدو الإسرائيلي ، وبادر الفلسطينيون إلى الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم ، فوجؤا بالاتحاد السوفياتي يصدر تهديدًا شديد اللهجة [كما ورد في صحيفة برافدا السوفياتية]بأنه يجب أن يكون واضحًا
[ أن العرب بشنهم الحرب ضد الدولة اليهودية “الفتية “، لا يقاتلون بأي شكل من الأشكال من أجل مصلحتهم القومية ولا من أجل استقلالهم ، بل ضد حق اليهود في إيجاد دولتهم المستقلة]
لا ان المقاومة العربية في فلسطين ، والتي كانت موجهة ضد الغزو الصهيوني لأرض تعتبر ( بمثابة القلب للعالم العربي) ، وانها مقاومة مشروعة للدفاع عن وجود الشعب الفلسطيني في وطنه وعلى أرضه
نجد كيف ان كل هذا التعاطف مع حركات التحرر الوطني للشعوب العربية كان زائفًا ، لأنه لا يمكن للسوفياتية إلا أن تدين عدوان الدول العربية على “دولة إسرائيل “، وعلى ” حق الشعب اليهودي في إقامة دولته الخاصة به” استنادًا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة”
على ما يبدو ان الاتحاد السوفياتي قد علّق منذ البداية ، آمالاً عراضًا على أن تصبح هذه الدولة اليهودية ذات الميول الاشتراكية واحة للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ، ولا سيما أنها كانت تعترف قانونيًا بالحزب الشيوعي وتسمح له بممارسة نشاطاته علنًا وبمنتهى الحرية
وفي المقابل لم يكن للاتحاد السوفياتي أي علاقات ذات قيمة تذكر مع أي من الدول العربية باستثناء علاقاته مع الأحزاب الشيوعية فيها ، والتي كانت في مجملها أحزابًا محظورة ومضطهدة ، باستثناء الحزب الشيوعي اللبناني الذي لم يكن له أي شأن في الحياة العامة
ان الاتحاد السوفياتي بإعترافه القانوني الكامل بشرعية الدولة اليهودية ، [ قد فتح الباب على مصراعيه للدول التي تدور في فلكه في أوروبا الشرقية لتحذو حذوه في مسألة الاعتراف ] ، مما شكل دعمًا قويًا لهذه الدولة الجديدة
وقد علل الاتحاد السوفياتي قراره بالاعتراف بالدولة اليهودية بأنه جاء نتيجة تعاطفه مع مرارة التجربة القاسية التي تعرض لها اليهود على أيدي النازيين، والتي كانت تماثل في قسوتها ومرارتها تلك التجربة التي عاشها السوفيات في ظل الغزو النازي لبلادهم خلال الحرب
علل الاتحاد السوفياتي قراره بالاعتراف بالدولة اليهودية بأنه جاء نتيجة تعاطفه مع مرارة التجربة القاسية التي تعرّض لها اليهود على أيدي النازيين والتي تماثل التجربة التي عاشها السوفيات في ظل الغزو النازي لبلادهم وقتلهم لأكثر من مليوني شخص
كما تولدت لدى السوفيات القناعة أيضًا بأن قيام دولة يهودية سيؤدي إلى وضع حد للمسألة اليهودية التي كانت تشكل واحدة من المشاكل المقلقة للاتحاد السوفياتي وباقي الدول الأوروبية ، لا سيما إن تمكن المستوطنون الصهاينة من استكمال البنية التحتية وتجهيز جميع مقومات الدولة بمختلف مؤسساتها تمهيدًا لعرض القضية على الأمم المتحدة
ولم يقتصر الدعم السوفياتي لمشروع الدولة اليهودية على تأييد التقسيم في الساحة الدولية لتمخضها ، بل اتخذ أيضًا أشكالاً أخرى من المساعدة التي قدمها من خلال دول أوروبا الشرقية في الأشهر التي سبقت هذا التمخض كما والأشهر الأولى من ولادتها ، ناهيك عن انها لم تقصر يومًا في مساندتها بجميع الحروب التي خاضتها
أما اليوم فيجزم البعض ان معركة البوتينية الحالية ضد الصهيونية هي بالمعنى الضيق ، معركة ما يمكن تسميته “البرجوازية القومية” الروسية (او “الرأسمال القومي” الروسي) ضد البرجوازية الاحتكارية الكوسموبوليتية اليهودية (اتنيا) ـ الصهيونية (سياسيا)، وهي، بالمعنى الواسع، معركة كل الشعب الروسي ضد الصهيونية العالمية وحليفتها الامبريالية بكل اشكالها والوانها وعلى رأسها الامبريالية الاميركية
وأيًا كانت الايديولوجيا او النظام الاجتماعي السائدان، فعلى غرار المعركة بين الشعب الروسي والنازية، فإن المعركة بين روسيا والصهيونية العالمية (ومن ضمنها طبعا اسرائيل) لن تنتهي الا بالقضاء المبرم على احد الطرفين
واذا راجعنا الموقف الهزيل والمتذبذب للدولة العربية ـ الاسلامية القديمة، من “مملكة الخزر اليهودية”، وقارناه بالموقف الهزيل والمتذبذب لنظام الانظمة العربية المعاصرة، من وجود اسرائيل (كدولة)، فإن المرجح تاريخيا، في تقدير البعض ، ان الروس (وليس العرب) هم الذين سيقضون على الدولة الاسرائيلية، التي كانت وبالًا على العرب واليهود معا، مثلما قضوا قديما على “المملكة الخزرية اليهودية”
ختامًا ان الصهيونية من اقدم واوحش اسلحة الملكية الخاصة لوسائل الانتاج على مر التاريخ ولذلك اصبحت الاداة المفضلة للعولمة الراسمالية وقطبها الاكبر الامبريالية الامريكية ولا يمكن القضاء عليها بالتحالف مع ممثلي الملكية الخاصة عبر تطورها وتبني ايديولوجياتهم
وليس باساليبهم من حروب ولاسيما بعد ان بلغت البشرية من تطور بفضل الثورة العلمية التكنولوجيا التي تسلح البشرية بكل الامكانيات التحرر من الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وعلى مقاومة كل ادوات ممثليها لاعاقة هذا التطورولاسيما الايديولوجيات السلفية واقدمها الصهيونية
2023-09-23