الأفاعى فى غرف النوم!
مهدى مصطفى
جاءوا من العدم الاجتماعى، تسللوا بين الجدران المشققة كظلال باهتة، اختطفتهم تنظيمات عطشى للأتباع، صاغتهم أرقامًا فى معادلاتها، وكلما تسمنوا بأفكارها ازدادوا نهمًا للخراب والفوضى، توهموا أنفسهم جسورًا بين العوالم المتناحرة. اصطادتهم أيدٍ مرتعشة، حسبتهم أرقامًا قابلة للترويض، ظنت أن احتواءهم يقى الشر، يحيلهم إلى قنوات لينة بين أطراف متنافرة، غير أن ما خيل لبعضهم حلاً وسطًا، صار لاحقًا بوابة لانهيار الثقة وتآكل الصفوف بين الأمة ورعاياها.
مارسوا التقية ببراعة، خدعوا من احتضنهم بملامح توبة مصطنعة، أظهروا انخراطًا فى مشروع وطنى متماسك، تقمصوا دور الحريص على المصلحة العامة، أطلقوا التصريحات الرنانة، واصطنعوا مسافة طويلة عن ماضيهم، وحين اتسعت الشقوق، قفزوا من السفينة، التحقوا بالأعداء، بثوا اليأس، سحبوا المعنويات ببطء من الناس، تنكروا فى ثياب المفكر والمصلح، باعوا الوهم بحجة الإصلاح، وهم فى الحقيقة ثعابين دفئت تحت الثرى، حتى جاء وقت اللدغ فى عام 2011 فانقضوا.
مصر لم تكن هامشًا، ولا تخضع لوجهة النظر، كانت وظلت مركزًا صلبًا عبر التاريخ، حقيقة يقر بها خصومها قبل أصدقائها. رأى نابليون بونابرت أن مصر هى “مفتاح السيطرة على الشرق”، وفق ما جاء فى خطابه إلى الجنود قبل حملة 1798، إذ قال إن “الهيمنة على مصر تفتح الطريق إلى الهند”، وقال أيضًا: ”إن مصر تختلف عن أى بلد رأيناه من قبل، أهلها لهم طاقة غريبة، لو نظمت لحكمت الشرق كله”، أما ونستون تشرشل الاستعمارى القح، فكان أكثر إدراكا لأهمية مصر، وكتب غاضبًا: ”مصر هى شريان حياة الإمبراطورية، قناة السويس لا يمكن أن تسقط، ولو سقطت لانهارت الهند وراءها”، وجاء هنرى كيسنجر ليقول، وهو من هو: ”دون مصر لا يمكن لأى نظام إقليمى فى الشرق الأوسط أن يستقر، فهى مفتاح الحرب والسلام، ومركز الثقل العربى”.
أما جمال حمدان، فليس بعد قوله قول، لخص كل ذلك فى كتابه “شخصية مصر”، حين وصفها برمانة الميزان الإستراتيجى، وقرر أنها وحدها تملأ الفراغ حين يتراجع غيرها، وأشار إلى أن ميزان القوى فى الشرق الأوسط يبدأ منها وينتهى إليها. وقال: “مصر فى حقيقتها ليست مجرد قُطْر، بل فكرة، وموقع، ومعنى، وعبقرية، وروح أمة”.
فى نصف قرن مضى، تصدرت الفقاعات السطح، اندفعوا كتائب تذود عن الخطأ وتغذيه، وسعوا مواطن الخلل، انتظارا للحظة الصفر، وعندما حانت، انقضوا على من آواهم، كأنهم أفاعٍ تربت تحت الأسرّة.
فى لحظة متأرجحة بين زلزال عالمى صامت، وبين صعود قوى متنازعة، كشفوا عن وجوههم دون وجل، تحصنوا وتضخموا، بعد أن حازوا، خلال رحلتهم من العدم إلى الواجهة، وضعًا وظيفيًا، اجتماعيًا، وسياسيًا، صنع من حولهم هالة زائفة، وبالطبع، كل اقتراب منهم يصبح مغامرة لا تؤمن عواقبها.
تواروا خلف شعارات التجديد والنقد البناء، خرج أحدهم يزعم أن مصر فقدت مكانتها التاريخية، وأن قوى أخرى فى الإقليم سبقتها، والحقيقة أن مصر لا تزال، وستظل، مفتاح الشرق الأوسط، وستبقى الحجر الصلد فى وجه العواصف، لا ينكسر مهما تكن شدتها وسرعتها.
كيف تطاولوا على بلد صنع التاريخ مرارًا، وواجه النكبات بثبات؟ حصلوا على فرص لم يستحقوها، وانقلبوا على من احتضنهم.
يتذكر الناس الآن حكاية الراعى والذئب، حين ربى الذئب اليتيم بين الأغنام، وسقاه من حليبها، وعندما كبر افترسها، فخاطبه الراعى قائلاً: ”من أنباك أن أباك ذئب”؟
الوقت لا يسمح بسياسات رخوة، ولا بتربية الأفاعى فى غرف النوم، لا عذر لمن يظهر الولاء ثم يغدر، فمصر أقوى من كل متآمر، وأرسخ من كل جاحد.
2025-04-16