الأزمة الاقتصادية الصينية، وانعكاساتها على التنمية الداخلية البلاد!
عميرة أيسر
كل المؤشرات الاقتصادية المتوفرة تؤكد بأن الصين تعيش تباطؤاً في النمو وتتجه نحو أزمة مالية واقتصادية جديدة قد تكون لها عواقب وخيمة، إذ أن الدين الداخلي للصين قد ارتفع بوتيرة متصاعدة في السنوات الماضية، إذ أنتقل من 14 ترليون يوان في سنة 2008م، وهو ما يعادل 43 بالمئة من الناتج المحلي للصين، لحوالي 156 ترليون يوان، ما يعادل 23 مليار دولار في نهاية العام، بما يساوي 126 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، وفق ما نقلته وكالة بولمبرغ عن تقرير لبنك غولدمان ساكس، وهذا يعني بأن الدولة الصينية قد انفقت المليارات على تطوير وتحديث البنية التحتية، وإقامة استثمارات ضخمة داخل وخارج الصين، وقدمت اعفاءات ضريبية وجمركية، تقدر بمئات المليارات من الدولارات، للشركات الأجنبية في إطار خطتها الاقتصادية المبنية على رؤية الصين الاستراتيجية لسنة 2050م، والقاضية بأن تكون الصين هي الدولة الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية بحلول ذلك التاريخ، باعتبار أن الرؤية الصينية مبنية على إعادة بناء الإمبراطورية الصينية القديمة وفق أسس عصرية في إطار عالم متعدد الأقطاب، فارتفاع حجم الدين الداخلي يعتبر من أهم المشاكل الهيكلية في الاقتصاد الصيني التي تحتاج إلى التعامل معها بحذر إلى ايجاد حلول اقتصادية ومالية ناجعة، لأنه بحسب التقرير الصادر عن بنك غولدن ساكس الأمريكي فإن أغلبية حكومات الأقاليم الصينية وعددها 31 قد تجاوزت بالفعل الدين العام الذي حددته الحكومة المركزية، في حين من غير المحتمل تخلف أي حكومة صينية عن سداد ديونها، فإن ارتفاع معدلات ومستويات الدين العام يمكن أن يجبر الحكومات على تقليص الإنفاق مع تراجع الإيرادات، وهو ما يقلل الأموال المتاحة لدعم النمو. كما ذكر موقع جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ 3أفريل/ نيسان 2023م، في مقال بعنوان ( ارتفاع الدين الحكومي للصين إلى 10 أضعاف أمثاله خلال 10 سنوات).
بالإضافة إلى ذلك فإن الصين تشهد تعثراً في إنجاز العديد من المشاريع الرئيسية في إطار مشروعها العملاق، والذي يعتبر عصب الاقتصاد العالمي مستقبلاً بالنسبة للكثيرين، وشركاء ها الاقتصاديين، وهو مشروع الحزام والطريق، والذي راهنت عليه الصين ليكون كبديل عصري وتجاري وحضاري وشريان اقتصادي هام يعوض طريق الحرير المندثر قبل قرون، وقد ضخّت الصين أموالاً طائلةً في هذا المشروع، وصلت لأزيد من 900 مليار دولار سنوياً، ولمدة عقد كامل أي أن التكلفة النهائية لهذا المشروع ستكون 9000 مليار دولار، ولكن يبدو أن هناك الكثير من الدول كسريلانكا وباكستان والمالديف وماليزيا، والعديد من الدول الأفريقية الأخرى التي سيشملها المشروع عاجزة عن سداد تكلفة القروض المالية التي منها أياها الصين لإنجاز مشاريع لوجستية اقتصادية ستكون بمثابة نقاط استراتيجية لهذا المشروع العملاق، فدولة سيرلانكا أخذت قروضاً من الصين بقيمة تخطت 8 مليار دولار، وقد اضطرت لاحقاً للتنازل عن حصتها في ميناء همتان توتا لشركة صينية التي أصبحت تمتلك 70 بالمئة من أسهمه، أما باكستان التي أخذت قروضاً مالية من بكين في إطار نفس المبادرة والتي تجاوزت 62 مليار دولار، لبناء ميناء غودار ومحطة كهرباء سيوال، وسكة حديدية من كاراتشي إلى مدينة لاهور، ولكنها عجزت عن سداد تلك الديون بسبب الركود الاقتصادي الذي تعرفه البلاد.
وبالانتقال لماليزيا فإن ديونها للصين قد تخطت حاجز 22 مليار دولار التي أنفقتها في بناء مشاريع بنية تحتية متطورة، فقد عجزت كوالالمبور عن سداد تلك الديون بعدما تراجعت قيمة عملتها بواقع 5.5 بالمئة عام 2008م، أما بالنسبة للمالديف فإن جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية دفعت ماليه للعجز عن سداد تلك الديون الصينية، والتي أنفقتها في بناء مشاريع سياحية ضخمة. كما ذكر موقع ستيب نيوز، بتاريخ مارس/أذار 2023م، في تقرير بعنوان ( حفرت الحفرة ووقعت فيها، الصين وقعت في فخ الديون).
فهذه الديون الصينية المستحقة خارجياً، قد أدت لحدوث انكماش اقتصادي وتراجع قدرة البنوك المحلية على دعم الاستثمارات الحكومية والخاصة، وارتفاع الفوائد على الديون، وهذا ما سيؤدي بحسب خبراء لهروب رؤوس الأموال الصينية بطريقة عكسية نحو الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية كقطر التي أصبحت تحتل المرتبة الأولى كأكثر دولة جاذبة للاستثمارات الدولية العام الماضي، بحسب تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2023م، الصادر عن مؤسسة أف دي أس انتلجتس (FDLintelegense)، وأشار ذات التقرير إلى أن الهند قد احتلت المرتبة الثانية، فيما احتلت دولة المغرب المرتبة الثالثة عالمياً، فهذه الدولة العربية التي صنفت الأولى عالمياً في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من بين 50وجهة، قد تكون الدولة الشرق أوسطية التي ستحل محل الصين قريباً جداً في جذب الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى، بل حتى الشركات الصينية التي تعاني من ارتفاع نسبة الضرائب الحكومية والتنافسية الشديدة من طرف الشركات الأجنبية، قد تلجأ للأسواق القطرية والشرق أوسطية عموماً بحثاً عن تحقيق نسب أرباح معتبرة.
وهذا ما سيوجّه ضربة موجعة للاقتصاد الصيني المترنح، بينما يتراجع النمو الاقتصادي الصيني، فإن النمو المتوقع للاقتصاد القطري قد ارتفع بنسبة 2.4 بالمئة عام 2023م، بمعدل تضخم لا يتجاوز 3.3 بالمئة. كما ذكر موقع الجزيرة، بتاريخ 4 جانفي/ يناير 2023م، في مقال بعنوان (قطر تتصدر قائمة أفضل الدول الجاذبة للاستثمار في 2022م).
فالاقتصاد الصيني الذي ارتفعت ديونه متجاوزة 300 بالمئة سنة 2019م، وهذا الوتيرة تتصاعد في ظل عجز الحكومة الصينية عن إيجاد حلول وبدائل تمويلية للتخلص من هذه الديون التي تشكل ما نسبته 15 بالمئة من حجم الديون العالمية، وهذا ما دفع العديد من الخبراء لدق ناقوس الخطر، فازدياد ميزانية الجيش الصيني وميزانية الأجهزة الأمنية الأخرى في ظل المخاطر الأمنية التي تشهد ها بكين، في محيطها الإقليمي نتيجة عدّة عوامل كالتوترات الحدودية بينها وبين الهند، أو المسألة التايوانية أو ازدياد خطر الجماعات المسلحة في كل من الفلبين وأفغانستان، كلها عوامل أدت بالصين لتخصيص ميزانية ضخمة من أجل حماية أمنها القومي على حساب الاقتصاد. وبحسب معهد التمويل الدولي فإن ديون الشركات والأسر والحكومة الصينية قد زادت بنسبة 303 بالمئة من الناتج الإجمالي، في الربع الأول من 2019م، من 297 بالمئة في نفس الفترة، وأضاف التقرير في حين أدى سعي السلطات لكبح إقراض ما يسمى ببنوك الظل (على الأخص الشركات الصغيرة)، لتراجع ديون المؤسسات الغير المالية، فإن صافي الاقتراض في قطاعات أخرى رفع إجمالي ديون الصين لأكثر من 40 ترليون دولار، بما يشكل نحو 15 بالمئة من الديون العالمية.
فالصين قد اتبعت سياسات اقتصادية غير مدروسة، ولم تستطع قراءة المشهد الاقتصادي الدولي بتمعن، وانجرت لحرب اقتصادية مرهقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الحرب الاقتصادية الباردة بين الطرفين، فإذا كانت أمريكا تعتمد بشكل غير مسبوق على المنتجات الصينية فإن الشركات الاقتصادية الأمريكية تعتبر من أكبر داعمين السوق الصيني، ولو قررت الانسحاب من أكبر سوق استهلاكي في العالم، فإن الاقتصاد الصيني حتماً سينهار لذلك فإن بكين مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتنويع اقتصادها وتخفيف الأعباء والنفقات الحكومية الغير الضرورية، والبحث عن بدائل وحلول خارج الصندوق لتدارك أزمتها التي يبدو أنها تتفاقم مع مرور الوقت.
– كاتب جزائري
2023-09-02