الآن نثبت “أنا على العهد” فعلا وموقفا!
صائب خليل
في كل ظرف، هناك موقف سليم “قوي” وموقف خاطئ “ضعيف”، فما هو “الموقف القوي” بوجه هذا الإعصار الإرهابي الصهيوني الجديد؟
الجواب ليس سهلا ابدا. فالإغراء شديد بإقناع المرء بالرد بعنف وتفريغ الغضب. وسيجد الناس في الجانبين، اسباباً تبرر الرد الغاضب غير المدروس على الآخر، واعتباره “الموقف القوي”!
.
ففي الأزمات ترتفع أسهم المتطرفين ودعاة العنف في كل جانب، ويشاد بـ”شجاعتهم” وتروج مواقفهم وتمتدح وتنتشر! فهي المواقف التي تناسب الغضب وتفريغه وتمنح الإحساس بالقوة في لحظة خوف وقلق. وفي هذا الموقف بالذات يجب الاستنجاد بالعقل وذكريات التجارب وبحكمة الكبار الذين نحتفظ بذكراهم!
.
رسالتي الأولى لأبناء سنتنا في العراق. لقد قرأت منشورات الكثير ممن يسمون الناشطين السنة التي تدعم الجولاني وتبرر له جرائمه السابقة واللاحقة واني والله لأخجل من ان ادخل في تفاصيل هذه الاكاذيب والسخافات!
هذه، وإن كانت دعوة اخلاقية لرؤية الحقيقة، لكنها قبل ذلك سؤال: اين تكمن مصلحتكم في كل هذا؟ فمن لا يريد اتباع الحق، فليتبع مصلحته على الأقل!
اليست الصرخات التي نسمعها اليوم، هي ذات الاكاذيب وحملات التهييج من الحثالة المسمى بالخنجر واتباعه، والتي دفعت بالمحافظات السنية في النهاية الى حضن داعش، فكانت وبالا عليكم قبل غيركم؟
.
وحين وقعت الواقعة ورأيتم الهاوية التي سقطتم بها، من اعطى السلاح والذخيرة والشهداء وانقذ مدنكم؟ الأردن أم السعودية ام تركيا؟ أم الدولة الشيعية التي تتمتعون بشتمها وتدعمون احط ما خلق الأمريكان ضدها؟ اليس ذلك جدير بالمراجعة؟ فلماذا هذا الجنون ضد ايران، ولماذا هذا التلذذ بسماع عواء النابحين عليها، والذين هم انفسهم اليوم من يروج لذبح العلويين في سوريا ويغريكم بالوقوف معه؟ الم يكن الحشد الشيعي بمعظمه، هو الملجأ الأخير الذي حمى حياتكم في نهاية الأمر؟ فلماذا يسقط المرء في ذات الخلل ويلدغ من الجحر مرتين؟
.
ورسالتي الثانية الى شيعتنا في العراق، وهي ايضا دعوة لرؤية مصلحتكم قبل ان تكون دعوة اخلاقية لتجنب ظلم الأبرياء. إنها دعوة لرؤية اصدقاءكم وحلفاءكم وابناء دينكم في الجانب الآخر، والحرص على ضمهم اليكم في المعركة، وعدم التضحية بهم ودفعهم إلى خندق الأعداء. فالوضع صعب وخطير، ليس عليهم فقط، بل عليكم انتم ايضا. فما هو التصرف الصحيح الى ذلك الهدف؟
.
دعونا نستهدي بشهيدنا الذي احبه الجميع، جميع الشرفاء والعقلاء وليس من الشيعة وحدهم، والذي مازال فقدانه جرحا لا يندمل، وكلماته ترن في آذاننا: “على مسؤوليتي اقول.. هؤلاء ليسوا سنة!.. هؤلاء لا دين لهم ولا مذهب لهم ولا وطن لهم ولا قومية لهم… هؤلاء قتلة! قتلة!.. قتلوا من علماء السنة اكثر مما قتلوا من علماء الشيعة.. وبالأرقام.. هؤلاء مشروع تدميري في كل المنطقة وما عدهم اي مشروع آخر غير القتل والقتل!”
.
إنه كما ترون يختلف عن دعاة المجابهة في الطرفين! فهل كان الشهيد، حاشاه، خوافا يسعى لتجنب المجابهة خوفا من الخسائر؟ هل كان حاشاه، من “الغمان” كما يطلق المهيجين على من يدعوا للتعقل؟
هل كان حاشاه، ناقص الوعي بالخطر؟ هل كان اقل اهتماما من المهيجين، بمذهبه وبأمته وشعبه؟ هل كان يستسهل التضحية بأهله؟ خسئ من يقول هذا!
لكي نعرف “الموقف القوي” يجب أن نفكر. لذلك يدعونا الشهيد الأقوى والأشجع منذ الإمام الحسين، بأن نسيطر على غضبنا وخوفنا فلا نتركهما يقودانا الى الخطأ. الخطأ ليس فقط في ان نصيب قوما بجهالة، بل ايضا الخطأ في ان نستفز من هم معنا في قلوبهم، أو ابرياء لم يتخذوا موقفا، وذلك بتجنب رفع شعارات عمومية مبهمة قد يفهمها غير المقصودون بأنها تشملهم، أو مذهبية تدفع بالبسطاء والخائفين ليحتموا بالخندق الآخر، فنبعدهم عنا إلى صفوف اعدائنا، فنخسرهم ونقدم لأعدائنا عونا يتمنوه.
.
إننا اليوم امام امتحان، وسنقف يوما أمام انفسنا لنفخر بها او نخجل منها مما فعلنا. وسنخجل منها إن كنا، كسنة، قد صدقنا كلب مثل عمر الجمال أو أحمد الأبيض، رغم كل الحقائق امامنا، فقط لأننا سنة. وسنخجل كشيعة، لو سمحنا لعوائهم أن يستفزنا لنترك عهدنا للشهيد الكبير ونذهب مع هذا العواء!
.
إني المعاهد للسيد، لن أفعل! سأهتدي ايضا بقول سيد شهداء الأمة بتحويل التحدي الى فرصة، فرصة لإثبات صدق كلمتي وتعهدي. فمن كان معي فليقل وليعلن فعلنا وموقفنا قبل لساننا، اخلاصنا لكل ما تعنيه العبارة: “إنا على العهد”!
9 آذار 2025