الآثار الاقتصادية للحرب الإيرانية – الإسرائيلية على المنطقة، والعراق خاصةً!
بقلم: البروفيسور وليد الحيالي
تُعد الحرب المحتملة أو المستمرة بين إيران وإسرائيل من أخطر التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة، ليس فقط لأبعادها العسكرية والسياسية، بل لتأثيراتها الاقتصادية العميقة على الإقليم برمّته، وعلى العراق بشكل خاص. فالعراق، بوصفه دولة نفطية جارة لإيران، وذات اقتصاد ريعي هش يعتمد بدرجة كبيرة على الاستقرار الإقليمي وأسعار الطاقة، سيجد نفسه في عين العاصفة في حال تصاعدت هذه المواجهة إلى صراع مفتوح.
أولًا: الأثر على أسعار النفط والطاقة
منطقة الخليج هي شريان النفط العالمي، وإيران تتحكم بمضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية. وفي حال تعرضت منشآت إيران النفطية أو بنيتها التحتية البحرية لضربات عسكرية، أو ردّت إيران بإغلاق المضيق جزئيًا، فإن أسعار النفط ستشهد ارتفاعًا صاروخيًا، قد يتجاوز حاجز 150 دولارًا للبرميل في المدى القصير.
بالنسبة للعراق، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الإيرادات المالية بشكل مؤقت نتيجة ارتفاع أسعار النفط، لكنه قد يُقابل بكلف أخرى:
• تعثر تصدير النفط عبر الخليج بسبب المخاطر الأمنية في البحر.
• احتمال استهداف البنية التحتية النفطية العراقية من قبل أطراف إقليمية أو ميليشيات مرتبطة بالصراع.
• زيادة كلف التأمين والنقل، مما يُقلل من صافي العائدات.
ثانيًا: التأثير على الميزان التجاري وسعر الصرف
ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وخصوصًا الغذائية والطبية والسلع الوسيطة، نتيجة اضطراب سلاسل التوريد من إيران وتركيا، سيؤدي إلى ضغوط تضخمية في العراق. كما أن أي انهيار في التجارة البرية مع إيران – التي تُعد موردًا رئيسيًا للكهرباء والغاز وبعض السلع – سيؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة والتضخم في الداخل العراقي.
من المتوقع أن يشهد الدينار العراقي ضغوطًا متزايدة بسبب تراجع الثقة، وزيادة الطلب على الدولار، لا سيما في بيئة يسودها القلق من الانفلات الأمني.
ثالثًا: تهديد الاستثمارات والاستقرار الاقتصادي
بيئة عدم اليقين التي تفرضها الحرب ستدفع الاستثمارات الأجنبية إلى التريث أو الخروج من السوق العراقية. كذلك، فإن القطاع الخاص المحلي سيتأثر بفعل اضطراب الأسواق، وتقلص السيولة، وارتفاع تكاليف الإنتاج.
إن الحرب ستدفع الحكومة العراقية – في ظل ضعف الاحتياطيات المالية – إلى زيادة الإنفاق العسكري والأمني، وتقليص الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، مما يعمّق الأزمة الاقتصادية ويزيد نسب البطالة والفقر.
رابعًا: تداعيات على الموازنة العامة
العراق يعاني أصلًا من اختلال هيكلي في موازنته، إذ أن أكثر من 90% من إيراداته تأتي من صادرات النفط. ومع أن ارتفاع الأسعار قد يبدو كفرصة مالية، إلا أن الحرب ستدفع الحكومة إلى تخصيص موارد أكبر للقطاع الأمني والدفاعي، بما يُضعف قطاعات التعليم والصحة والخدمات.
كما أن استمرار الحرب سيعقّد من عمليات إعداد الموازنة السنوية، ويُصعّب تقدير الإيرادات والنفقات بدقة، مما يزيد من الاعتماد على الاقتراض الخارجي.
خامسًا: آثار اجتماعية وسياسية ممتدة
الاضطراب الاقتصادي الناتج عن الحرب سينعكس على المجتمع العراقي بمزيد من التوترات، وعودة ظواهر الغلاء والانفلات الأمني، وربما تعزز نفوذ بعض الميليشيات الموالية لإيران التي ستستثمر الفوضى لتعزيز مواقعها، مما يُهدد الدولة العراقية الهشة أصلًا في بنيتها ومؤسساتها.
خاتمة:
الحرب الإيرانية – الإسرائيلية ليست شأنًا بعيدًا عن العراق والمنطقة، بل هي نار كامنة تحت رماد هشاشة الاقتصاديات الريعية. العراق، الذي يقف على مفترق طرق، يحتاج إلى بناء استراتيجية اقتصادية مستقلة، وتحقيق تنويع حقيقي لمصادر الدخل، مع إعادة هيكلة تجارته الخارجية وتقوية احتياطاته الاستراتيجية، كي يصمد أمام أي زلزال جيوسياسي قادم. أما الاستمرار في الارتهان للمجهول، فثمنه سيكون باهظًا، ليس على الاقتصاد وحده، بل على مستقبل الدولة العراقية برمتها.
2025-06-24