اتّفاقٌ مع الذين ينقضون عهد الله !
عبد الناصر بن عيسى
لم تمر سوى ساعات عن بداية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحزب الله، حتى خرج بنيامين نتنياهو ليعِد بحرب شرسة، لا تبقي ولا تذر في لبنان، معتبرا ما يحدث حاليا، أشبه باستراحة محارب، سيبحث خلالها عن “مروحة” في الركام، ليعود إلى قتل الأبرياء، وإطلاق النار، التي يبدو أن الرجل مدمنٌ على نفخها، حتى ولو فوق الرماد.
يعلم اللبنانيون أكثر من غيرهم، بأن الاتفاق مع الصهاينة هو كلامٌ في الريح؛ فمنذ اجتياح لبنان سنة 1982، والصهاينة يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما تمليه عليهم اللحظة، غير معترفين بكلام الآخرين، ولا حتى بكلامهم، تماما كما عرفهم العالم منذ زمن سيدنا موسى عليه السلام، وفي عهد محمد صلى الله عليه وسلم، إذ صوّرهم القرآن الكريم في أحسن وصف: “الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصَل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون”.
وسيكون من البلاهة أن يصدِّق أي إنسان على وجه الأرض، بأن هؤلاء الذين لم يتركوا جريمة وقعت في تاريخ البشرية الطويل، إلا وكرّروها في حربهم على غزة، أن يكونوا من أهل العهود، وسيكون من الغباء أن نظن بأن الراعية الأمريكية لكل المعاهدات، من معاهدة كامب ديفيد التي قادها جيمي كارتر إلى المعاهدات الحديثة، إنما تريد الصلح، وليس تغليب الصهاينة على خصومهم، أو الحياد، وهي في حقيقة الأمر طرفٌ في الحرب. وليس ببعيد ما قاله الرئيس الأمريكي العائد، دونالد ترامب الذي لم تعجبه الخارطة الصهيونية ووعد بتكبير حجمها، وعينه بالتأكيد على المحيطين من حول الكيان، ومن هذه البلاد طبعا لبنان.
نعلم ما يعانيه لبنان منذ سنوات بسبب الأزمة السياسية التي تركت البلاد من دون رئيس، والأزمة الاقتصادية التي وضعت لبنان على حافّة الإفلاس، ونعلم بأن الصهاينة الذين نجحوا في سبعينيات القرن الماضي في إشعال فتيل الفتنة التي ولّدت حربا أهلية كادت تمسح بلاد الأرز من الخارطة العربية، لأجل ذلك تفهَّم الشرفاء مسار الاتفاق ومخرجاته، وفهموا الوضع الذي يتواجد فيه حزب الله بين شهدائه من قادة ومجاهدين لا خيار لهم سوى وحدة لبنان وأمنه، ولا نظن في الوقت ذاته، بأنّ أي فرد من حزب الله يمكنه أن يصدق صهيونيا واحدا.
في الحروب الكلاسيكية السابقة بين الجيوش العربية والجيش الصهيوني الذي كان على الدوام مسنودا بالقوى العظمى وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، في كل هذه الحروب، كان الصهاينة هم من يختارون زمن وقف إطلاق النار، وفي كل تلك الحروب بما فيها حرب الاستنزاف، يحققون انتصارات في وقف إطلاق النار، أكثر من إطلاق النار نفسه، كما حدث في حرب أكتوبر 1973، إذ حوّلوا هزيمة العبور على الأرض، إلى انتصار انتهى بعد خمس سنوات إلى سلام أو استسلام من مصر السادات، ولم تكن حينها تل أبيب بعيدة عن بنادق الجيوش العربية التي ضيعت تحقيق مقولة “رمي الصهاينة في البحر”، بسبب اتفاق وقف إطلاق النار.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
2024-11-30