اتفاق هدنة أم خضوع متجبِّر!
صلاح الدين حلس
أقصد اتفاق وقف إطلاق النار على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة بين الكيان وبين المقاومة الإسلامية في لبنان، وكأني أشعر بعدم دقة التوصيف، فلم أرَ على مدى يومين أي بيان بهذا الخصوص من المقاومة، اقتصر الحديث في بادئ الأمر على خبر نقلته (سي إن إن) و (آكسيوس) بأن الكيان أبدى موافقته بخصوص اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، فتسابقت العديد من القنوات الفضائية والإخبارية المناهضة للمقاومة في نقل الخبر والتحليل والبناء عليه واستنتاج الكثير من الأحكام وأقصد “الأحكام” على كل المحور وعلى حزب الله بأنه قد وقَّع على استسلامه وأنه قد خذل جبهة غزة وخان إرث الشهيد حسن نصرالله، بل تصوَّروا وصوَّروا بأن الكيان يعلن تدشين انتصاره على المقاومة.
قبل أن نقوم برسم موقفٍ أو إصدار أي حكمٍ علينا أن نفكر بروية ونعود بالذاكرة لليوم الذي سبق هذا الإعلان، يوم الأحد الموافق الرابع والعشرين من تشرين الثاني، وصلتنا أخبار و بيانات المقاومة في لبنان والتي بلغت إحدى وخمسين بياناً كسابقة منذ بدء معركة الإسناد لغزة وشعبها ومقاومتها، تضمنت البيانات ضرب الداخل المحتل بأكثر من ثلاثمئةٍ وأربعين صاروخًا من بينهم سبعة عشر صاروخًا نحو “تل أبيب”، كما أن المقاومة أعلنت في بياناتها تلك استهداف ست دباباتِ ميركافا، مع العلم أن عدد الدبابات التي تم استهدافها منذ بدء عملية الإسناد حتى بداية محاولات الدخول البري كانت تقارب الخمسة والعشرين دبابة، ومن بعد بداية محاولات التوغل البري حتى هذا التاريخ استهدفت المقاومة اللبنانية خمسين دبابة خلال ما يقارب الخمسين يومًا، أي بمجموع خمسٍ وسبعين دبابة على مدار عام وشهرين، وفي يوم واحد ست دبابات، بالإضافة إلى كمِّ الخسائر البشرية والمادية الأخرى والكبيرة والتي يحاول الكيان إخفاء حقيقتها كما نعلم، وكلنا نعلم بأن هذا التصعيد من قبل المقاومة لا يدلُّ إلا على انتقالٍ نحو توسيع المعركة واتخاذ زمامها نحو الهجوم لا مجرد الدفاع.
وجد العدو أنه وبعد ما يزيد عن الخمسين يوماً لم يحرز أي تقدُّمٍ ميداني على الأرض، بل إن حملته تثبت فشلَها يومًا بعد يوم أمام مقاومة تزداد اشتعالًا وتمكينًا بشكل يفوق كل تخيلاته، فالعدو يراقب عن كثب كل ما سبق هذه البيانات، فقد سبقها بعدة أيام زيارات مكوكية بين الشام وطهران، تمثلت الزيارات بأقطاب الحليفين على أعلى المستويات العسكرية والسياسية، ولم تكن سرية، والسبب في عدم سرِّيتها ليس عدمُ القدرة على خوضها بسرية، ولكن لأن إعلانها ببساطة يصدر عن مواجهة التهديدات بالتحديات، أي أننا ها هنا أمام أعين العالم نخطط لليوم التالي لسقوطك وأنت عاجز عن السيطرة على شريط حدودك لما يتجاوز الخمسَ كيلومترات.
طبعًا في ظل المجهول الذي يتربَّص للعالم من كيفية سير انتقال الحكم بين بايدن وترامب، ومآلات الاعتداء الأوكراني على روسيا، وتصدُّر بوتين للصفحات الأولى في أوروبا، شعر العدو أنه أمام حافة الجحيم فعلًا.
فهرب الكيان من الميدان إلى الإعلام “ما يبرع به بصراحة”، فألقى بأبواقه لطبخ سمِّها في آذاننا، وخرج كي يفنِّدَ دوافعَه الكاذبة لإعلان الاتفاق والاستسلام في إطار قرارٍ استراتيجي، و آملاً إعادة ترميم “الجيش”، فهل حقًا هذا إعلان انتصار؟! ، بل وصعَّد خطابه نحو إيران وكرر تهديداته نحو الرئيس الأسد، ليظهر أمام البسطاء وكأنَّه يغمد سيفه وكأنه مشفق على المحور، ولوَّح بعبارات الوعيد لحماس وغزة، معلنا زيفاً استطاعته شقَّ وحدةِ الساحاتِ التي عبر عنها شهيد المقاومة السيد حسن نصر الله.
ولكن ما معنى أن ترسل المقاومة بيان رقم (1) لإسناد غزة فجر يوم تنفيذ الاتفاق؟
استهدف مجاهدو المُقاومة الإسلاميّة عند الساعة 02:00 من اليوم الأربعاء 27-11-2024، مستوطنة ايفن مناحم بصليةٍ صاروخية.
كما سبق البيان كل من التصريحات التالية:
فيخرج نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله الحاج محمود القماطي ويقول: الاتفاق يقتصر على وقف العدوان على لبنان، وفيما يخص غزة “فلكل حادث حديث”.
ومن ثم يخرج رئيس دائرة العلاقات الوطنية في حركة حماس ويعقِّب: نتنياهو لن يستطيع بمكره وخبثه أن يفصل هذه العلاقات المقدسة بين حماس والمحور.
كما عبر القيادي في حركة حماس وعضو المكتب السياسي للحركة ومسؤول العلاقات الدولية وممثلها في لبنان بقوله: حزب الله وقف إلى جانب شعبنا، وأي إعلان لوقف إطلاق النار في لبنان يسعدنا.
الخلاصة: الخبر ما ترون لا ما تسمعون كما قال شهيدنا المقدس، وكلنا ثقة بكل ما تُقدِم عليه المقاومة في لبنان ثقةً مبنيةً على واقعٍ أجملتُ بعض شواهده في هذه المقالة.
حَلَّتْ رِكابُ المعتدينَ بِقُرْبِنا
وتجمَّعَتْ كُلُّ الرِّماحِ بِوَجْهِنا
لَمْ يَبْقَ في المَيْدانِ إلّا عِزُّنا
لا كَي يُصافِحَ أو يُسَلِّمَ أَرْضَنا
وَقَفُوا يُذيقُونَ العِدَا بِرِماحِنا
يَتَمَعَّنُونَ بِقَتْلِهِ لا قَتْلَنا
صالُوا وجالُوا في البِقاعِ بِقاعِنا
فأطاحُوا شُذّاذَ العِدَا بِشِراكِنا
لَمْ يُسْقِطونا حَتّى وإنْ قَتَلُوا بِنا
فالمَوْتُ في صَدِّ العِدَا رُقْيًا لَنا
هاهُمْ تَراهُمْ يَسْقُطونَ أَمامَنا
وَنَسوءُ وَجْهَهُم بِنَعْلِ رِجالِنا
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
2024-11-29