إشكالية الموقف الصدري!
ابو زيزوم
الصدر وهو يدعو الى اسقاط الدستور والطبقة السياسية (الفاسدة) انما يطرح نفسه قائداً لثورة تغيير شاملة لا تعترف بالواقع السياسي ومؤسساته. لكنه حين يدعو الى حل البرلمان واجراء انتخابات يفترض انها تنعقد طبقاً للقوانين النافذة، وحين طلب من القضاء اتخاذ اجراءات قانونية بهذا الاتجاه انما يطرح نفسه كركن من اركان النظام القائم. هذه الازدواجية ليست طارئة على التيار الصدري وأساليب عمله، فهو الناقد لكل الحكومات والمشارك فيها جميعاً منذ 2003 الى اليوم. انه يسلك منهجاً انتقائياً أثبت نجاحه عشرين عاماً وسيثبت فشله بعد الان. فالاطفال يُسمح لهم باللعب والعبث طالما لم يؤثر لعبهم وعبثهم على نظام الاسرة، وعندما يتجاوزون الحدود يختلف الامر.
لا اقول ان الصدر سيُقهر من قِبل خصومه، فتلك مسألة اخرى تحتاج الى تحليل لتحديد الفائز فيها، وانما أقول وبثقة ان الصدر سيضطر على الاختيار بين ان يكون جزءاً من النظام او متمرداً عليه، ولا مجال للجمع بينهما بعد اليوم، وأرجّح الخيار الاول وهو ان يبقى جزءاً من النظام القائم مع التلاعب بالالفاظ لحفظ ماء الوجه.
كثير من القادة في التاريخ يوظفون عقول الخبراء لتحقيق النجاحات غير ان بعضهم تستخفه النجاحات عند حد معين فيباشر العمل برؤيته الذاتية فيكون ضحية غروره، وهذا ما صار اليه الصدر بعد سلسلة من النجاحات جعلت حزبه القوة الاكبر في العراق. استقالة نوابه كانت آخر عمل سياسي صحيح وما بعدها مجموعة هلوسات سيخسر بسببها الكثير.
الصدر مطالب بأن يوضح للناس خطته في ادارة البلاد لو تحقق له حل البرلمان وإخضاع القضاء واسقاط الدستور! هل تمشي الامور بفتاوى وتغريدات مثلاً؟ وهل تصرف الميزانية باجتهادات وزير المالية بالوكالة؟ وهل تجرى الانتخابات بقانون العادات والتقاليد؟.
نسأل لجلاء الصورة فقط ونحن نعرف الجواب. فالصدر يريد ادارة البلاد عن طريق الكاظمي الذي لم يتلقّ حتى الان ما يكدر الخاطر من قبل الصدريين ولم تمر المظاهرات بمؤسسته (مجلس الوزراء) التي يفترض وفقاً للصلاحيات انها وكر الفساد. الصدر يريد ان يجعل من الكاظمي شبيهاً لشرعية (عبد ربه منصور هادي) الذي تشن بإسمه الحروب وتصدر القرارات وتدمر اليمن وهو محتجز في احد فنادق الرياض. فعندما تسقط جميع مؤسسات الدولة ويبقى مجلس الوزراء لا يجد مرجعية سوى ارادة الصدر.
مشكلة الصدر انه يريد تشكيل هذا النموذج دون ان يعترف به. فهو غير مستعد للإقرار بأن حكومة الكاظمي تمثله، وفي نفس الوقت لا يسمح بإسقاطها، وتلك هي الازدواجية الاكسباير التي اشرنا اليها.
الصدر وهو يقترب من الضفة الاخرى قفز من البلم لإعتقاده انه وصل، وعاد البلام. وتبين ان اليابسة ما زالت أبعد من يديه. البلم الذي زهد به الصدر هو الـ 73 نائباً ومعهم تحالف واسع يناهز ثلثي اعضاء البرلمان، ووراءهم دعم دولي غربي وخليجي يمتلك جميع عناصر القوة. كان متماسكاً وبدده الصدر باستهانة ولم يعد إحياؤه سهلاً. فقرر الهروب الى أمام عبر نفق أرتق هو هذا الذي نراه الان. وللموضوع بقية.
( ابو زيزوم _ 1310 )
2022-08-26