إبن الشروگية..إبن الشروگية..!
انتصار الماهود
لم تكن تملك غيره لتقدمه قربان، (علي ) فتاها الذي أسمته على إسم إمامها، تلك السيدة كانت تدعو الله لسنوات طويلة كي يقر عينها بذرية تؤنس وحشتها في الكِبَر فعوضها الله بعلي وزينب.
أم علي جنوبية أهوارية شروگية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، من دگات يديها ووجهها التي تزيدها جمالا ووقارا، كأنها ملكة من ملكات سومر، حتى عصّبة رأسها التي تشده بها، عباءتها التي أصبحت جزء منها، ثوبها الأسود الذي لم تخلعه منذ إستشهاد أخيها في حرب صدام العبثية على الكويت، نعاويها، بكاؤها حين يذكر إسم الحسين عليه السلام ومظلوميته، زينب عليها السلام وغربتها.
كانت أم علي بعد سقوط الصنم في كل محرم، تنصب موكب عزاء على سيدي الحسين الشهيد وتجود بما تقدمه يداها هي وعلي، للزائرين المتوجهين لقبلة الأحرار في كربلاء وهي تسألهم الدعاء بالحفظ لولدها.
ذات مساء إنقبض قلبها وهي ترى في شاشة التلفاز ما يحدث في المحافظات الغربية، من إستباحة للارض والعرض من قبل التكفيريين، وجوه كالحة تهدد بالقتل والذبح كل من يخالفهم، يدّعون الإسلام والإسلام منهم براء شعارهم، (جئناكم بالذبح) هل هذا فعلا الدين الذي يعرفونه؟ أي ملة وأي عقيدة يتبعون، رددت في نفسها (يمة علي بس لا يطبولنه يمة).
الكل كان خائف ويترقب ما سيحدث، هل سيسقط العراق ويبتلعه ذلك الثقب الأسود؟!
سقطت الأنبار والموصل وصلاح الدين وهم يهددون بإجتياح بغداد، فهل ستسقط هي الأخرى لتعلن دولة الخلافة سلطتها؟!
معظم العوائل في تلك المحافظات توجهت نحو الملاذ الآمن في جنوب العراق، تلك البيوت التي فتحت على مصراعيها أمام الهاربين من بطش داعش، لا اعرف لم شبهت موقف أهل الجنوب وغيرتهم على الوطن والعرض بموقف الأنصار الذين إحتضنوا المهاجرين الهاربين من بطش كفار قريش، فعلا فنساء تلك المناطق وبناتهم أصبحهن كالسلع تباع في سوق النخاسة للشيشاني والسعودي والأفغاني بثمن بخس من أقرب الناس إليهن.
لم يكن الوضع ليحتمل تأجيل أو تسويف ومماطلة والصمت محرم في هذه المواقف، جميع الأعداء كانوا يمسكون بسكاكينهم كي يمزقوا البلد ويقتطعوا منها ما يشاؤون، فخاب أملهم وإنقطع رجاؤهم بكلمة فقط صدرت من رجل أتهمه البعض بأنه صامت، قال كلمة أفشلت جميع مخططاتهم، كلمة كانت كافية لشحذ الهمم وإعادة الروح كي تدب في جسد الوطن من جديد (جهاد كفائي) كانت تلك الكلمة أكثر من كافية من المرجع الأعلى للطائفة الشيعية السيد علي الحسيني السيستاني.
وصل خبر التطوع للجهاد لأم علي ورأت الكثير من شباب وشيب المنطقة يتطوعون للقتال، والمواكب الحسينية تطوعت بمهمة الدعم اللوجستي للمجاهدين تزودهم بالمال والطعام والملابس وما يحتاجونه.
هي لم تجد لديها أغلى وأسمى من علي لتجود به للوطن، فكانت هي من شجعته وأيدته للتطوع وهي تردد بينها وبين نفسها، (بأنها ليست أفضل من أم البنين التي جادت بأربع أقمار فداء للحسين، ولا رملة الي أعطت فلذة كبدها وعلي إبنها ليس أفضل من القاسم عليه السلام).
بالطبع هكذا ستفكر، فما الذي نتوقعه من نساء الجنوب اللواتي تربين على حب الحسين عليه السلام و جُبِلن على تلك الفطرة، فكل ما نعيش نحن به وكل ما نفعل، محوره دوما القضية الحسينية ولم نكن لنحيد عنها فكل ما لدينا هو من فيوض بركات أهل البيت عليهم السلام.
حين قال السيد علي السيستاني جهاد فهو جهاد ودفاع عن النفس والأرض والعرض، فالجنوبي لم يكن لينظر لإبنة الغربية التي إستباح عرضها داعش بأنها من غير مذهب أو محافظة أخرى، بل كان ينظر إليها بانها عرضه وأخته التي كانت بحاجته ليخلصها من براثن الشر.
أسمعتم يوما عن جنوبي صمت عن الباطل وقبل به وخنع؟! أسمعتم يوما عن شروگي قبل أن تستباح أرضه؟! بالطبع لا، علي والآلآف غيره من الشباب تطوعوا للقتال ضد الشر ورابطوا على سواتر العز والشرف في الوقت الذي كان هنالك من يهرب بالإتجاه المعاكس نحو تركيا وأربيل وتركوا عوائلهم على جسر بزيبز لاتعرف ماذا تعمل، هنالك فرق بين الهارب والثابت ولا مقارنة بينهما في ميزان الرجولة.
كان عليا يمازح والدته:(يمة إذا جابوني شهيد شتسوين)، فأجابته:( يع ولك عليوي عبالك أثغب وأبچي، چا غير أهلهل وأهوس بعباتي كدام تابوتك هاي الرادها وهاي التمناها)، ضحك وقال لها (أحلفي لي بروح خالي ما تسوين مثل ما سويتي من جابولج تابوته وگولي وحگ الحسين الشهيد أهوس گدامك واسويها زفة عريس وتشيلين راسج بيه يمة، هااا مو تزاغلين وتبچين آنه أعرفنج زين).
لقد أخذ منها ميثاقا غليضا عقده بإسم سيد الشهداء عليه السلام، بألا تبكي ولا تحزن وكأنه علِم بأن الشهادة قريبة جدا منه، وكانت هذه آخر إجازة له ليعود إليها كما وعدها شهيدا، لم يكن علي ليملك في جيوبه سوى قرآن كريم ومسبحة صنعت خرزاتها من طين كربلاء المقدسة ووصيته التي كتبها وهو على الساتر، يخبر من يقرأها بأنه لايملك من حطام الدنيا شيء،
سوى متزل صغير في الأهوار يعيش فيه مع أمه، وهي لاتملك غيره من الدنيا، وإن غاب عنها فإن الله لا يغيب، وهي برعايته وعنايت، ه وسيرعاها حب الحسين عليه السلام، وسيكون شفيعا لها ولكل من يحبهم فالشهيد مكانته عظيمة، أوصاها بألا تخلف وعدها معه ولا تبكي فهو يعرف امه جيدا، تبكي بكل المواقف فرح أو ترح، فهذا ديدن الشروگيات،
أوصاها بأن تعلق صورته قرب صورة خاله، حتى تنظر اليه في الصباح والمساء، وأوصاها أن تبقى قوية كالنخلة التي كان يجلس تحتها تحميه وتظله، وأن تذكره كلما توجهت للزيارة، وتبقى تتردد على قبره في أرض الغري كي تأنس بجوار أبا الحسن عليه السلام و جواره كيلا تشعر بالفقد.
كلمات توجع من يقرأها فكيف بمن كتبها؟! وجاء وقت الوفاء بالوعد، وكانت أم علي قوية ووقفت أمام جنازة علي الملفوفة بالعلم العراقي، وهي تشعر بالفخر بأن إبنها شهيد، وهوست امامه هاي الرادها وهاي التمناها، وكان عليّنا كالقاسم عليه السلام زف للقبر بدل أن يزف الى عروسه، مثله مثل العشرات من شبابنا الذين ضحوا لأجل الوطن، ولازال هنالك من يضحى،
فتلك السلسلة لن تنقطع وأرحام النساء لن تعقر عن ولادة أبطال يحمون الوطن من كل شر يحاول أن يقترب منه
2024-12-12