أنا وهذه الأعوام!
عفاف البعداني…
«عيد ميلاد سعيد، كل عام وأنتم بخير»
كلمات لم أؤمن بها يوماً. لطالما كانت اللحظات هي من تشكل فارق الأيام والسنون. اللحظة وحدها قادرة على أن تعيدني طفلة ضائعة في تفاصيلها الصغيرة. أفكر مثلاً: كم سأحظى من الحلوى غداً؟ وكيف ستبدو ضفائري الحمراء بذاك المشبك الحديدي؟ ومتى ستحمر الرمان، في تلك اللحظة فقط أتمنى للجميع أن يكونوا فعلاً بخير، وألا يعطوا الأشياء ما لا تستحق. هكذا أمضي بمزاج إنسان خارق، لا يحسب كم ذهب منه، ولا يحب أن يتذكر كم بقي من عمره.
اللحظة نفسها ياسادة هي اليقين، وهي أيضاً من تميتك، وتعلن نهايتك وأنت لازلت تواصل الركض. تقتلك وأنت تتنفس ملء رئتيك وتضحك بأعلى صوتك. هذيان الأيام شائك بما ليس فيني، ولا أسمعه. المنبه مثلاً، الركض بسرعة، وبعض الخطوط البيضاء التي احتلت جزءاً من شعري، الصغار الذين يطولون بسرعة دون علمي، كلهم يحاولون أن يذكروني بشيء لا أهتم له. وأصطدم في النهاية بسؤال أحدهم: كم عمرك؟ متى ميلادك؟ ماذا يعني لك العام الجديد 1447 هـ؟ فأصمت، لا خوفاً، بل دهشة أمام اصطدام مفاجئ بما لم أفكر به قط. كأن غريباً قد وقع في ذاكرتك وتحسس الجزء الأهم فيك. ولك أن تتخيل مدى دهشتك وأنت تبحث عن نفسك في نفسك، مذهولاً، متسائلاً عن هذا التغيير الذي استقر فيك فجأة. حتى أعياد ميلادي لم أعرها اهتماماً، لم أهنئ رفيقاتي بأعيادهن، ولا حتى أختي. ليس خوفاً من العمر، أو لربما… لست منفتحة، أو لا تعرف عوائد الموضة على هذا الإطار. ليس مما ذكر. عمري حمل في ظهره 72 عاماً وهي مقلوبة، وعاماً وجدته في قلبي. هذا لمن يهتمون بالأعوام، راقية جداً في اختياراتي وأجيد رسم حواجبي ووضع خط الآيلاينر. لكن كان كل اهتمامي بالشعور العميق بعدم الانتماء لأي شيء.
إنني هنا معي ولست معكم. إنني هنا بين طي هذه الأعوام كائن مختلف، صعبة إلى حد ما، سريعة الملل، فوضوية الروح، وشديدة الحساسية. أفيض عناداً وصمتاً يسود أعماقي كشيء لا يتوقف. لا تجذبني الكلمات الكثيرة وتلفتني كلمة صغيرة جداً قيلت عند الغضب. أشفق على نفسي لأني لا أؤمن بالعشق العصري ولا هذه المراسيم؛ أمرهم تالف بالنسبة لي، رائحتهم إن اقتربت تخنقني، حتى ولو كنت في أشد لهفتي. قلبي عزيز، وقد ظنه البعض كبرياء، لكن الحقيقة هي أني لا أجد لذاتي ملاذاً في شيء، ولا مع أي شيء.
بالمقابل لو قلت لي: هناك طير تتأمله، لخفق قلبي بشوق كل العشاق لأتبين وجهته، وأين سماؤه، وكيف تجاوز كل شيء… أكثر من أي شيء آخر… حاملاً قلبي معه.
لا أعني بذلك أنني غشيمة في الحب، أو عاجزة عن ترتيب قلبي. كيف يعرف من يحبه بصدق؟ لا أدعي الغباء، ولا البراءة المفرطة. أعرف الحب، وأدرك وشائجه، لكنني لا أجد ذاتي تتجلى كثيراً في هذا الحيز.
كل ما أملكه حقاً الآن، وبكل صدق، هو أنني حقيقية… حقيقية أكثر من أي شيء آخر. وهذا بذاته ما يجعلني لست كأي أحد.
ولن أكون كأي أحد.
في النهاية…
كل عام وأنتم بخير.
اتحاد. كاتبات اليمن.
2025-06-27