أنابيب النفط من إيران الى الساحل السوري !
عبير بسام
منذ أن أعلن العراق في التاسع من تموز/ يوليو من هذا العام عن إعادة ضخ البترول العراقي عبر أنابيب كركوك التي تصل إلى ميناء بانياس على الساحل السوري كان واضحًا أن هناك مشاريع لإعادة تشغيل هذا الأنبوب الذي توقف عن العمل في العام 1982 حين قطعت بغداد علاقتها بدمشق.
لم يكن هناك شك أن من شأن القرار أن يكون قد درس من قبل الدول الثلاث: سوريا والعراق وإيران من أجل تفعيله منذ لقاء اللجنة العليا السورية والإيرانية المشتركة في أوائل هذا العام، والتي انتهت بتوقيع الاتفاقيات بحضور نائب الرئيس الإيراني اسحاق جهانغيري. وعليه، فإعلان عودة تدفق النفط العراقي لا يمكن أن يكون قد استثنى ايران من الاتفاقيات الاقتصادية التي تعقدها الدول الثلاث المتحالفة ضد الإرهاب. ولكن ما دفع نحو الإعلان عن تمديد أنابيب النفط هو دقة المرحلة التي تمر بها المنطقة، وخاصة بعد حجز ناقلة النفط الإيرانية غريس1، “أدريان داريا 1″، في 29 تموز/ يوليو، وإدراجها على اللائحة الأميركية السوداء.
خط الأنابيب الذي سيمتد بطول 1000 كم قبل أن يلتقي بأنبوب بانياس كركوك سيقوض المحاولات الأميركية في فرض الحصار على مضيق هرمز
وبحسب ما نشر، منذ بدء السجال ما بين الولايات المتحدة وإيران في شهر أيار/ مايو حول الاتفاق النووي، وبعد اطلاق صاروخين على مواقع شركة “اكسون موبيل” في البصرة، قامت الأخيرة بإجلاء موظفيها، وابتدأ الحديث عن إحياء خط كركوك – بانياس. ولكن ما أعقب ذلك من أحداث تلت من حجز للناقلة الإيرانية يوضح أن إيران كانت تتحضر من أجل تجاوز العقوبات والإجراءات الأميركية المفروضة عليها من خلال بناء خط التصدير عبر العراق إلى سوريا ليصار إلى تصدير النفط عبر الموانئ السورية، مما سيؤمن تصدير النفط الإيراني عبر الأنابيب، “الممر الآمن”، ليصل إلى أوروبا متجاوزًا جميع العوائق التي يمكن أن تتأتى عن تصدير النفط عبر المحيط الأطلسي أو البحر المتوسط، وبذلك لن تكون بحاجة إلى اجتياز البحر الأحمر معرضة ناقلاتها لخطر الاحتجاز.
خط الأنابيب، الذي سيمتد بطول 1000 كم قبل أن يلتقي بأنبوب بانياس كركوك، سيقوض المحاولات الأميركية في فرض الحصار على مضيق هرمز، مما يقلل من أهمية المضيق الجغرافية كممر وحيد لتصدير النفط. كما أن هناك خطًا آخر سيتم إنشاؤه عبر سوريا وسيمر عبر سهل نينوى في شمال العراق إلى دير الزور ومن ثم إلى الساحل السوري. هذا مع العلم أن مشروع “خط النفط والطاقة” هو مشروع قديم تم رصد تمويله في العام 2013 بقيمة 10 مليارات دولار، وهو يمتد من العراق إلى الزبداني فلبنان، وصولاً إلى الساحل السوري، وقد توقف العمل به بسبب احتلال “داعش” لمنطقة الجزيرة، ونصب الأميركيين قاعدة في التنف، وسوء الأوضاع الأمنية.
ويعد اليوم تمديد أنابيب النفط الإيرانية لتصل إلى الأنابيب العراقية – السورية الفرصة المناسبة من أجل عودة كل من سوريا والعراق وإيران لتصدير النفط عبر الساحل السوري إلى أوروبا.
وفي وقت تسير فيه الحرب في سوريا نحو خواتيمها، وخاصة بعد تصريح غير بيدرسون مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا بأن هناك مفاجآت قد يحملها شهر ايلول/ سبتمبر الحالي، قد تكون المفاجأة في خروج الأميركيين من قاعدة التنف وتسلمها من قبل الجيش السوري الذي يقف على بعد 40 كم عنها، ما يؤكد ذلك سماح الأميركيين مؤخراً للاجئين السوريين المحاصرين في مخيم الركبان القريب من القاعدة بالبدء بمغادرة المخيم إلى قراهم المحررة وخاصة في محافظتي دير الزور وحمص.
يبدو أن الفائدة الاقتصادية الكبرى التي سيجنيها الأردن من إعادة تشغيل أنابيب النفط، وتمديدها عبر أراضيه ليتم تصدير جزء من النفط العراقي عبر ميناء العقبة، سيجعل من الصعب على الأردن القبول بالمعوقات الأميركية لهذا المشروع الضخم والذي سيكسر الحصار الأميركي للمنطقة، خاصة بعد تصريح رئيس وزراء الأردن بأن الجيش الأردني لن يملأ الفراغ في قاعدة التنف، وأن الأردن لن يصدر النفط، الذي سيمر عبر أراضيه، عبر ميناء حيفا. والأسباب وراء ذلك معروفة طبعاً، اذ لن تقبل كل من إيران والعراق أن يتم التعامل مع الكيان الصهيوني. كما أن سوريا لن تقبل بمرور أي نفط عبر أراضيها يستفيد من استثماره الكيان الغاصب.
رغم جميع التصريحات والتحليلات التي تطال مشروع أنابيب النفط العابرة للدول الثلاث، فإن المشروع سيضمن القوة لثلاث دول متجاورة في المنطقة، وهي دول عانت من الهيمنة والتسلط الأميركي والحروب المفتعلة فيها منذ سقوط عهد الشاه. وهو مشروع سيسمح للدول الثلاث بتوسيع نطاق خياراتها في مجال صناعة النفط والغاز، خاصة وأن تكرير النفط قبل تصديره سيمر عبر مصفاتي حمص وبانياس اللتين توقفتا عن العمل منذ احتلال “داعش” لمحافظتي حمص والجزيرة السورية. ويبدو أن الحرب التي عانت منها سوريا والتي تسببت بزعزعة اقتصادها وتهديم قسم كبير منها، ستخرج منها وقد قوضت الهيمنة الأميركية فيها بشكل نهائي، حتى على صعيد البروتوكولات الدبلوماسية.
2019-09-08