أقدم مخطوط لتفسير القرآن يعود إلي القرن الرابع الهجري!
تقرير علجية عيش *
المخطوطات تمثل منتوجا حضاريا حافظ على تاريخ الشعوب
(الكشف عن أول مشروع رقمي في فهرسة المخطوطات عن طريق تقنية الذكاء الإصطناعي )
تتجاهل الإدارة الدور الذي لعبه رجال الإصلاح في الجزائر منذ القرن الثامن في الحفاظ علي الذاكرة الجماعية من خلال الإهتمام بالمخطوط ما جعله عرضة للتلف و الضياع ، و قد حمل شيوخ زوايا الجامعة الجزائرية في عدم فهرستها المخطوطات و ترتيبها ، كما ينتقد اكاديميون تلاعب الطلبة و بعض الباحثين بالمخطوط الذي يقع بين أيديهم خلال إجرائهم مذكرات التخرج ، في إشارة منهم إلى السرقات العلمية ، إذ أن معظمهم لا يذكرون مصدر المخطوط و من هو صاحبه الأصلي، و لا يوثقون أعمالهم البحثية ، و لذا بات من الضروري رقمنة المخطوطات و حفظها من الضياع و التلف، و في هذا تم الكشف عن أول مشروع رقمي في فهرسة المخطوطات عن طريق تقنية “الذكاء الإصطناعي”، كانت هناك مطالب بترجمة المخطوطات إلى لغات أجنبية و استرجاع المخطوطات الموجودة في الشارقة
هي أوراق تناولت دور الزوايا و المخطوطات في الحفاظ على الهوية و المرجعية الدينية و الدور الذي لعبه شيوخ زوايا في نشر العلم و المعرفة و ما أنتجته الزوايا من موروث ديني و في مختلف المجالات الفقهية و التفسير و في الحديث النبوي و ما إلي ذلك من العلوم الشرعية، و كذلك اللغة العربية و علوم أخري كالفلك و الطب و الرياضيات، إلا أن هناك من لا يري قيمة هذه المخطوطات كشرح مختصر الخليل و البخاري أو موطأ الإمام مالك و ما لها من قيمة أثرية وحضارية، هذا ما أجمع عليه أكاديميون و باحثون في المخطوطات في ملتقي وطني يُعْقَدُ لأوّل مرّة في الجزائر احتضنته منطقة الأوراس شرق الجزائر حول الزوايا و المخطوطات و فهرستها ” نحو أفاق واعدة” باعتبارها كنوز ثقافية لابد من الحفاظ عليها أشدّ المحافظة حتي لا تتعرض إلى الضياع، و للحفاظ على المخطوطات أنشئت في ذلك مخابر عديدة للمخطوطات، و كانت ولاية أدرار بأقصى جنوب الجزائر السباقة لفتح قسم المخطوطات و على مستوي افريقي لتكوين مختصين في المخطوط و صيانته، حسب الأرقام يوجد بهذا المخبر 25 ألف مخطوطة مرقمنة في شكل أقراص منذ سنة 2018 تم الحصول عليها عن طريق اتفاقيات.
أما البوابة الجزائرية للمخطوطات ، قامت بفهرسة 16 ألف مخطوطة في أزيد من 30 تخصصا، و هو أول مشروع رقمي في فهرسة المخطوطات عن طريق تقنية الذكاء الإصطناعي، فالزوايا في الجزائر كانت و لا تزال الحاضنة الأولى للمخطوطات، و هي التي حافظت على هذا التراث ، فزاوية طولقة ببسكرة حسب الدكتور سعد عثماني تضم أكثر من 2500 مخطوطة جمعها الشيخ الحاج بن علي بن عثمان، مشيرا أن معظم المخطوطات الجزائرية توجد في الشارقة ، حيث جمعت مختلف العلوم من اللغة و الحديث للعقيلي و التفسير و غيرها ، كما تضم زاوية القاسمية بالهامل 100 مخطوطا بين كتاب و رسالة، أما زاوية البوازيد فهي تضم أكثر من 2000 مخطوطا و أكثر من 60 أو 70 خزانة عبر التراب الوطني.
إن إتلاف المخطوطات سببه قلة الدراسات في هذا المجال، فالمخطوط يمثل مرجعية دينية للأمة و قد ذكر هذا الباحث حجم الخسائر التي خلفتها النيران حين أحرقت السلطات الفرنسية مكتبة الأمير عبد القادر في 10 ماي 1843، و لذا فالحديث عن الزوايا و المخطوطات بات ضروريا من أجل تثمين دورها و مقارنتها ببعض الزوايا التي اتخذها أصحابها سجلا تجاريا و حاربوا الزوايا الأصلية في ظل انتشار تيارات دخيلة على المجتمع الجزائري حيث أثرت على فكره و عقيدته، و لا تزال هذه التيارات تنخر في وحدة الأمة العقدية، في حين أرجع البعض سبب إتلاف المخطوط إلى العامل البشري، و ذلك راجع إلى غياب ثقافة الحفاظ على المخطوط ، مثل تقليب صفحات المخطوط بطريقة عشوائية، أو بأيدي غير نظيفة (وسخة)، كذلك سوء طريقة تصوير المخطوط، كما أن أخطر ما يتعرض له المخطوط هو الحرائق، بالإضافة إلي ظاهرة السطو على المخطوطات مع بداية الألفية الثالثة، مما استوجب رقمنتها و ذكر أصحابها من أجل حمايتها من السرقات، و هو ما أشار إليه الدكتور محمد العابد سماير في محاضرته حول رقمنة المخطوط باستعمال تقنيات الذكاء الإصطناعي في معالجة النصوص و تحقيقها مقدما موقع “زنكي” كنموذج، و هو عبارة عن منصة مدعمة بالذكاء الإصطناعي.
أقدم مخطوط في تفسير القرآن يعود إلى القرن الرابع الهجري
و قد شكلت المخطوطات الإفريقية في إفريقيا النواة الأولي في منطقة توات و شجع ذلك على خدمة المخطوط في افريقيا و دراسته ، إلا أن معظم الأكاديميين حسبما أشار إليه محاضرون ما تزال أعمالهم غير معروفة و هم يعملون في صمت عكس ما نجده عند الأكاديميات العربية التي تهتم بالتعريف بنخبتها مثلما نراه في مصر و لبنان و العراق، و لعل الكثير من لا يعرف جهود عبد الكريم العوفي و منهجه في فهرسة المخطوطات ، فالشيخ العوفي ينحدر إلى أولاد عوف و عائلته تنتسب لبني هلال من العرب، اشتغل على فهرسة المخطوطات، و قد أشرف بنفسه على تدريس طلبة في الماجستير و الدكتوراه في المخطوطات، كما نقف على مكتبة الشيخ العربي النوّي، ضمت كتبا ذات الطباعة الحجرية Lithographie، و للشيخ العوفي مخطوطا في التوحيد بدون عنوان، مقسم إلى أبواب، و منه باب بعنوان: “التأويل في معاني التنزيل ” و هو في تفسير القرآن ( الصفحة رقم 532 من الجزء الأول من المخطوط) و يتحدث الجزء الثاني من المخطوط عن الشيخ الصوفي علاء الدين البغدادي المعروف بابن خازن، يقال ان مؤلف هذا المخطوط هو علي بن محمد بن إبراهيم الشيخي المعروف بالخازن ، حسب ورقة الدكتورة مليكة النوي، من جامعة باتنة (1 ) في محاضرة لها بعنوان: ” دور مكتبات الأسر الباتنية في المحافظة علي المخطوطات قدمت الباحثة جهود المحقق عبد القادر ياشي، حيث قدم هذا الأخير تحقيقا عن ورقات لمخطوطات للشيخ العوفي كانت بقية أوراقها ضائعة جمع منها الياشي 68 ورقة، و حقق فيها تحت إشراف مختار بوعناني من جامعة وهران و ذلك تحت عنوان: “الذرة النحوية في شرح الأجرومية” و لوحظ اختلاف في النسختين مع عمليات حذف و زيادة بين النسختين، حيث ضمت هذه المخطوطة المفقودة نصوص حول المباحث الدينية و علم التوحيد و التصوف و غيرها، نشير هنا و حسب أحد المحاضرين أن أقدم مخطوط في تفسير القرآن يعود إلى القرن الرابع الهجري، معتبرا أن الزوايا في الجزائر كانت فضاءات للعلم و حافظة للمخطوطات كمركز ديني رغم انها لم يكن لديها ما يقابل نظام الأزهر و الزيتون و القرويين .
نماذج من شيوخ الزوايا في الجزائر
الشيخ الهاشمي دردوري (المنفي) أكل الحشيش من أجل العلم
من الزوايا التي كان لها دور في الحياة الدينية نجد الزاوية “الدردورية” التي تأسست في القرن الخامس الهجري على يد الشيخ علي دردور المتوفي عام 1875 بعد انتسابه إلى الطريقة الرحمانية و كانت زاويته تهتم بالتعليم القرآني ، تولّى إدارة هذه الزاوية الشيخ الهاشمي دردور، و كانت لهذا الأخير رحلة دامت 20 سنة لطلب العلم بتونس و مصر ثم افريقيا، و يُحكي عن الشيخ الهاشمي دردوري أن عقبات واجهته و هو ينتقل من بلد لأخر من أجل طلب العلم، لدرجة أنه أكل النباتات الطرية (الحشيش) من فرط الجوع قبل ان ينتقل إلي الأزهر لأنه لم يكن له المال الكافي ، ثم انتقل إلى ليبيا و هناك التقي بالشيخ السنوسي مؤسس الحركة السنوسية ، و بعد عشرون سنة يعود الشيخ الهاشمي الدردوري إلى بلدته بقرية الحيدوس، ليواصل نشاطه في التعليم الديني لأبناء القرية و ما جاورها، يقول عبد الباسط دردور أن الشيخ كانت له ثروة علمية و عمل على تطوير الزاوية و أحدث فيها نشاطا منقطع النظير، و لكنه تعرض للمضايقات من قبل السلطات العسكرية الفرنسي، بعد أن رأت أنه خطر على مصالحها و سياستها في محاربة الإسلام و اللغة العربية، فتم نفيه إلى جزيرة كورسيكا Corse بفرنسا عام 1880 و لمدة تزيد عن 10 سنوات ، كما استولت على خزانته و مخطوطاته الموجودة في تازولت و نقلتهما إلي قسنطينة.
زاوية أولاد سيدي احمد القرقوري
تعود هذه الزاوية إلى أحد أعيان عائلة البوزيدي الذي عاش في الفترة التي كانت فيها مدينة بجاية محتلة من طرف السلطات الإستعمارية الفرنسية، إنه الشيخ أحمد الطيب مولي القرقور و تقع هذه الزاوية بـ: “بويخفاون” وهي مشتة تقع ببلدية عين ياقوت ولاية باتنة شرق الجزائر، استطاع شيخ هذه الزاوية أن يشكل جيشا من الأوراس لمجابهة المحتلين في بجاية، و كان لهذه الزاوية القريبة من مدينة سريانة و هي إحدي بلديات ولاية باتنة شرق الجزائر دور فعال في التعليم القرآني و السُنَّة، تضم أكثر من 1200 مخطوطا، يقول الدكتور عبد الحليم بوزيد أن هذه الزاوية لعبت دورا كبيرا في المحافظة على الهوية الجزائرية، و من بين تلامذته الشيخ عمر الدردور، إلا أن السلطات الفرنسية حاصرت الزاوية و مريديها و استولت على مخطوطتها و نقلتهم إلي فرنسا، كما اعتقلت شيوخا كانوا ينتمون إليها و حاكمتهم في قسنطينة قبل ان تصدر في حقهم قرار النفي على جزيرة كورسيكا، ثم إعادتهم و نقلهم إلى كاليدونيا، بعد الإستقلال أعيد بناء الزاوية و هي الأن تضم أكثر من 700 طالبا يحفظون القرآن و الحديث النبوي و اللغة العربية.
تقرير علجية عيش الجزائر
2024-12-10