أصبحنا أرواحًا عالقة في أجسادٍ!
يوسف القدرة*
نحن كائناتٌ تُجدد نفسها كما تُجدد الأشجار أوراقها، أو هكذا قيل لنا، لكننا الآن نرى أجسادنا تذبل كما تذبل الأعشاب التي نُسيت في زاوية مُعتمة. عامٌ كامل وأكثر نقتاتُ من معلبات ميتة، مُلقاة في رفوف خالية من حياة، بلا طعمٍ، بلا روح. كلّ ملعقة نرفعها إلى أفواهنا تحفر في عظامنا، تُبقي أجسادنا قائمةً لكن متآكلة، كجدران بيتٍ مهجور، تشققت حجارته بفعل الزمن والجفاف.
غابت الخضرة، وغابت اللحوم، وغابت معها ملامحنا التي اعتدنا عليها. باتت أجسادنا مسرحًا لنسخة باهتة من أنفسنا، كل جزء فينا كأنه فقدَ شيئًا من ذاكرته، كأنه يعيد تشكيل نفسه بقطعٍ بالية لا تنتمي إليه. لا تُجدَّد خلايانا، بل تُستنسَخ من بقايا بلا حياة. كأنّ هذا الجسد، الذي كان حيًّا ومفعمًا، قد استحال إلى كيان خاوٍ، يعيد تكرار ذاته بشكلٍ أكثر ضعفًا كل يوم، يدفعنا إلى هاوية نعرف عمقها، لكننا عاجزون عن التوقف.
نحن لا نعيش؛ نحن نحفر بملعقة باردة في صخور يومنا، نبحث عن لقمةٍ تخدعُ الجوع، نتدثر بحياة بالكاد تسترنا. بين جدران الحصار وضغط التجويع، أصبحنا نسخًا شاحبة عن ذواتنا القديمة، أرواحًا عالقة في أجسادٍ تغيّرت، لم تعد تليق بنا، لكنها أجسادنا، وعلينا أن نحملها ونتشبث بها حتى وإن كانت تذبل كزرعٍ يُنتزع من تربة بلا ماء.
أصبحنا أرواحًا عالقة في أجسادٍ
- شاعر فلسطيني
- 2024-10-31