أسئلة صغيرة…!
الراحل أحمد حسين
تُناول روحي المسافاتُ ، لا شيءَ ،
أصنع أرجوحةً من غموض الكلامِ
ليهدأ في الحنينُ ،
فهل سأعيدُ لهذي السهول زنابقها
وأفجّرُ أثداءَ هذي الصخورِ
سواقيَ تروي قبور المواسم ِ؟
ودّعْ هنا ما تشاءُ ،
متي ودعتْ راحلا ًهذه الأرضُ ؟
قلتُ لتينة جدي :
أنا حارس الظلِّ ،
أعرف أنّي أكلم صوتي
ولكنني أنحني لوداعك ِ
كي يستريح الفراقُ ،
وأركب صهوة هذا البكاء عليكِ
إلى موعد السنديان القريبِ ،
أزيِّن صدرعبوري ِ
بشيءٍ من الحُب والشعرِ،غصباً
على هذه الصخرة الميتةْ .
قديماً ،
رميتُ الحصى في وجوه الرياحِ ،
ولاعبتُ ظلي على هذه الأرضِ،
نادمتُ هذا الركام َالعتيق َ
من الماء واللون والصمتِ،
ناديتُ :
هل يعرفني أحد ها هنا ؟
لم يقل أحدٌ : لا أحدْ !
أري كل شيءٍهنا
مثلما كان يوما ً
تُسوِّي السفوحُ عباءاتها
إذ تبعثر ألوانها الريحُ
أسمع أجنحة النحل ِ
حين ترف على وجَبَات الرحيقِ ،
ولكنني لا يراني أحدْ .
مشيتُ وحيدا ً
يُبعثرني المشي في وحشة الصمتِ
يقرع أجراسه في الذهولِ .
وجئت أخيراً
إلى لحظة الإنتباه التي علمتني الفرح ْ .
” كل شيء سؤالٌ ” يقول انكساري
وقد جئتَ كي تطرح الأسئلة .
- ولكنْ ، هنا أحد غيرنا ؟
يجيب انكساري :
فتاة ٌمن الحلم ، حين استفاقت ْ
على جسدٍ واحدٍ في الصباحِ
أعادتْ إلى العرس زينته .
ورمتْ حلمها ،
ومضتْ في طريق الحكابة ِ
تحملُ من ساحة الدار في جيبها
حجرا ًللبكاء ِ ، - سلام عليها ،
على الراحلين جميعا ً،
على نخلة الدار والعرسِ
والليلة الكاذبة ْ .
سأجمع هذي الشظايا الجميلة َ
من ساحة الحلمِ ،
أصنع منها كؤوساً
وأشرب فيهن نخًب النساء جميعا ً .
لكم كنت عاشقةً ًليلة َ الوهم مثلي ،
كلانا غدا عاشقا ميتا ً ،
ولكنّ هذي الشظايا لنا .
هكذا الحُبُ ،
يبقى ،
وليس يموت سوى العاشقينْ .
فمن صنع الحبَّ ،
ذاك البكاء الجميل بباب الفرح ْ ،
سوى شاعر ٍ مرَّ من حائط اللونِ
فاستقبلتْه نوافذ ُهذا الركام ِ
تناوله الحزنَ والخوف َ والأسئلة ؟
ومن نحن لولا التي خاصمتْ عطرها
ليلة العرسِ ،
القت بزينتها في الصباح على العشبِ
واسترسلتْ في حضور الغيابِ
فلا عطرها غادر الدار يوما ً
ولا وجهها هجر النافذةْ ؟
وعشتُ لأعشقها في النساءِ
فكل الحكاية لحظة حبٍ حزينٍ
يناولها طائرُ القلب لامرأةٍ مسرعةْ .
فلا وقت في الحبِّ !
إن عاش مات
وإن مات عاش
ويحضرُ في زمن الحلمِ
حين تكون الحكاية نائمةً
ثم نعرف عند الصباح ،
بأن الذي كان ، طيفُ امرأة ْ.
فماذا سنفعل ُ ؟
لا أرضَ للحب غير النساءِ
ولا باب للحلم إلا ابتساماتهن َّ
على لعبة الذاكرة ْ.
يعلقن في صدر هذا الركام
تمائم اسرارهن ّ
ويعطيننا الشعر من نشوة الإنتصار
على نومهن الحريريّ في مخدع الحبّ ،
نعبر كالفاتحين من النوم بين الستائر
حتى عروش الكلامْ .
نغادر نحو غموض الركام
وننسى كثيرا بأنا رأينا ،
فماذا سنفعل بالإنتباه
سوى أن نحبّ ،
عبور الجنازاتِ
نحو دموع النساءْ ؟
وبعد ُ، أحبك
يا قرية النازحين
التي تشتهيها العواصم ُ !
تغزو البلادُ جداولها بالأساطيل ،
تقصف قن الدجاجات بالطائراتُ ،
وتأتي إليها الرسائل من مجْمع الآلهةْ.
أحبك يا وجنة الأمس في ّ
ويا شفة الشعر والأغنيةْ .
أرقّ من الماء همسُك هذا المساءُ
فهل زارك الشّعرُ
أم مرّ صوتك في حارةٍ للهديل ؟
أحبك أكثر مما أحبك ،
تتعب روحي ، فأهرب في عبث الأسئلة .
متى كان صوت الهديل كصوتك
أو فارق الشعر من عشقتها الأساطيرُ ؟
هذا الخريف الصباحي في وجنتيك ،
دخانُ المرافيء فى نظرتيك ،
وهذي السماء البعيدة فوق جبينك
تمطر روحي رذاذا ًمن الشعر والخمر ،
يُسكر ريش العصافير فوق الشجرْ .
(وإني لتعروني لذكراك هزةٌ
كما انتفض العصفور بللّه القطرُ )
فماذا سأكتبُ ؟
أسطورة للنجوم البعيدة أنت ،
وملحمة الناس والآلهة ْ.
فيا أمرأة الوهم والبحر والسنديان
متى تحمليني إلى مخدع العشب
إنّي تعبتُ من الشّعر
قربَ سرير احتضارك في مخدع الفاتحين َ
تعبتُ من الخبز والماءِ
والمشي في زحمة القادمينَ
من الوهم ِ
والراحلين إليهْ ؟
أحبك يا كرمليةُ !
سيدة الحلم أنت إلى أن يموتَ ،
فأين سأرحل إلا إليك ِ؟
سنبقى معاً أبد الناس والعشق ِ
في قبلةٍ واحدة ْ.
أعرف الأن سر الركام
وكيف يعودون نحوكِ
في اللون والعطر ِ والصوتِ ،
أعرف أن الزهور مناديلُ
من موسمٍ لا يعودُ
ولكنه يحفظ السّر ّ ،
تبقى الحكاية أرجوحةً للمواعيدِ
فوق جبينك حتى الأبدْ.
أحبك يا كرملية ُ !
بيني وبينك بُعد القريب ِ
وقُربُ البعيد ِ
غيومك تلمس عشبي الصغير َ
ويسقط منها وراء قميصي المطرْ .
وأحمل وجهك حولي مرايا
لدنيا العصافير ِ
بين السماء وبين الشجرْ
متى تستريح ُ
حمامات نهديك من سفر العشق ِ
بين الصباح وبين المساءْ ؟
وبين الذين يقيمون في الغيم ِ
وبين الذين يعدّون أيامهم بالنساء ْ ؟
أحبك يا كرملية ُ!
كم كان طيفك
في أول الحلم حلوا ً،
لذلك في آخر الحلم يحلو البكاء ْ.
2023-05-27