هل ستكون أزمة أمريكا القادمة هي فعلياً في لبنان وليس في أوكرانيا أو تايوان كما طرحها اريك آر مانديل في مقاله* في “التل” “the Hill”؟ اذ يفتتح ماندل المقال الذي كتبه في 12/26/ 2021 ونحن نودع العام الماضي بالتبشير بحرب ثالثة في لبنان في العام 2023 بالحديث عن حرب ستجتذب الولايات المتحدة من جديد إلى الشرق الأوسط. ويستشهد ماندل بمقال كتبه هال براندز في معهد هوفر في العام 2019، بأن الحاجة الأميركية للبقاء في الشرق الأوسط تتعلق بمصالح واهتمامات لها في المنطقة، ولذلك “لا يمكنها مغادرة المنطقة خاصة وأن المصالح الأمريكية في المنطقة لم تختف. واحتمال تأثير مشاكل الشرق الأوسط كبير على أمريكا إذا تركت دون معالجة. وإذا ما سارعت الولايات المتحدة إلى الخروج، فقد تجد أنها سوف تجر إلى المنطقة في المستقبل، ولكن في ظل ظروف أسوأ وبتكاليف أعلى”.
الكاتب “إريك ماندل” هو مدير شبكة المعلومات السياسية في الشرق الأوسط (MEPIN). يقوم ماندل بتزويد أعضاء الكونغرس ومساعديهم في السياسة الخارجية بالمعلومات والتحليلات حول المنطقة بانتظام. إضافة إلى أنه كبير المحررين الأمنيين في جيروساليم ريبورت/ جيروزاليم بوست.
وإليكم بقية نص المقال، الذي يختصر أزمة أمريكا في المنطقة، ويمكن منه التأكد بوضوح من أسباب تعطيل الاتفاق النووي مع إيران، وأسباب الوجود الأميركي في سوريا:
“لدى “إسرائيل” على الأقل “خطان أحمران” حين التعامل مع إيران و”وكيلها” حزب الله في لبنان، وهما القوة النووية الإيرانية وخطر صواريخ حزب الله الدقيقة. ولذا فإن أسوأ الروايات الافتراضية، التي تم الإبلاغ عنها حول بدء الحرب القادمة، ستكون بقيام “إسرائيل” بقصف استباقي للمنشآت النووية الإيرانية، وإذا ما حدث ذلك فـ”ستطلق إيران يد حزب الله!”، وسيقوم حزب الله بالرد وإطلاق 150 ألف صاروخ. ويمكن لذلك أن يربك عمل القبة الحديدية الإسرائيلية وكل من أنظمة ديفيدز سلينج وأرو المضادة للصواريخ. سيناريو خانق، ويربك جميع التوقعات التي يمكن أن تطرح حول السيناريوهات الأخرى الأكثر غموضاً حول ما سيلي ذلك من مواجهات قد تحدث مع إيران على الحدود الشمالية “لإسرائيل” – أو ما يسميه البعض الآن حدود “إسرائيل” ولبنان وسوريا” على حد تعبير الكاتب.
“وما سيدفع “إسرائيل” للتحرك قد لا يكون ذا علاقة بتطور البرنامج النووي الإيراني ووصوله الى مرتبة العتبة النووية. لأنه في تلك اللحظة قد يتجاوز حزب الله العتبة “الإسرائيلية” نحو إنتاج صواريخ دقيقة التوجيه يمكن أن تدمر “إسرائيل” من الشمال إلى الجنوب، وهذا ما سيجبر “إسرائيل” على توجيه ضربات استباقية إلى جميع أنحاء لبنان، مما سيؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية. ولهذا السبب، لا يسمح لأمريكا أن تغفل عينها عن لبنان. أضف إلى ذلك، احتمال أن تقوم “إسرائيل” بغزو بري واسع النطاق، في حال كانت تقديراتها أنها لا تستطيع تحديد مواقع مخازن حزب الله للصواريخ الإيرانية الدقيقة أو مواقع معامل تصنيعها من خلال حملة جوية واحدة” وفق مزاعم الكاتب.
ويتابع: لقد تعلمت “اسرائيل” محدودية نتائج الطلعات الجوية على نتائج المعركة بعد حرب لبنان الثانية. ولكنها بلا شك قد حسنت أداء هذه الطلعات خلال الحروب الخمسة التي شنتها على غزة. لقد دمرت حرب “حارس الأسوار” في أيار / مايو 2021، شبكة أنفاق حماس المتواجدة تحت الأرض. وسيتم تطبيق هذه المعرفة على شبكة أنفاق حزب الله السرية، التي تمثل تحدياً أكبر خاصة مع توافر العتاد العسكري المتطور للحرس الثوري الإسلامي الإيراني هناك.
تعلم “اسرائيل” أن عامل الوقت لا يعمل لصالحها، وأنه إذا ما حدثت الحرب، فإن المجتمع الدولي سيجبرها على وقف إطلاق النار بشكل مبكر بسبب حجم الضحايا المدنيين التي ستتسبب بها الحرب. ولذلك فسيكون لزاماً عليها أن تحقق أهدافها خلال فسحة صغيرة من الزمن مما سيستلزم اجتياحاً برياً محددوداً للبنان.
يبدو أن هذا السيناريو سيحدث آجلاً، وليس عاجلاً. وبحسب ما قاله آموس هارئيل، المراسل الحربي، والمحلل العسكري المخضرم: “يبدو أن حزب الله على وشك إنتاج عدد كبير من الأدوات الدقيقة اللازمة لاستخدام صواريخه في لبنان. ويعتبر هذا التطور “خطاً أحمر” … فهل يجب مهاجمة خط التصنيع، مع خطر نشوب حرب؟ ومن ناحية أخرى، ألا تفرض الأزمة السياسية والاقتصادية الواسعة النطاق في لبنان، قيوداً خطيرةً على مجال مناورة حزب الله؟”.
“من الممكن القول أن “اسرائيل” تفعل ذلك بشكل متكرر، من خلال ضرباتها المتكررة على كامل الأراضي السورية على أهداف لحزب الله وإيران. ولكن هذا يحدث في سوريا، وحتى اليوم، فإن ضربات “اسرائيل” في لبنان بالمقارنة مع تلك في سوريا تعد ضعيفة. إن حرب “اسرئيل” ما بين الحروب تعد لعبة جيوسياسية معقدة، والتي تستهدف فيها “إسرائيل” أسلحة دقيقة الصنع والتوجيه، والتي تنقل عبر سوريا إلى لبنان. إنها لعبة مخادعة، تقوم فيها “إسرائيل” بالتنسيق مع روسيا بهدف السماح لها بالوصول لشن ضربات دون إثارة رد مضاد بوساطة الصواريخ الروسية. في الوقت الحالي، يبدو أن روسيا تتعامل على ما يرام مع عملية تحجيم الحرس الثوري الإيراني ووكيله حزب الله في سوريا، لأن وجود إيران في سوريا يقوض المصالح الروسية الكبرى ومكاسبها فيها وبخاصة “قواعدها الجوية والبحرية المحدّثة مؤخراً في اللاذقية وطرطوس على البحر الأبيض المتوسط” حسب قول الكاتب.
ويضيف: “وقد لا يكون حزب الله متحمساً لتعريض بنيته التحتية للدمار، إذا ما طلبت منه إيران الرد على ضربة استباقية على منشآتها النووية. ولكن، إن أي حملة جوية إسرائيلية فعالة في جميع أنحاء لبنان من أجل تدمير ترسانته الصاروخية ستجبره على الرد. ويمكن أن يشمل ذلك هجومًا بالصواريخ عبر الحدود وعبر أنفاق لم تتمكن “إسرائيل” من تحديدها على حدودها الشمالية.
لا يستطيع حزب الله أن يظهر بمظهر الضعيف في حال عدم الرد. كما يمكن استخدام الهجوم الإسرائيلي للادعاء بأن الحزب هم “المدافعون الحقيقيون” عن السيادة اللبنانية، مع وجود جيش لبناني عاجز عن فعل ذلك. وقد أرسلت أمريكا مؤخرًا 67 مليون دولار إضافية للجيش اللبناني على أمل كاذب بأن يتمكن من موازاة تسليح حزب الله؛ إنها موازاة تعادل استخدام مسدس في مواجهة مدفع رشاش. ما سيزيد الأمر سوءاً هو الدمار الذي سيحدث للبنان والمزيد من الانهيار لاقتصاده. وما يجعل الحرب المحتملة القادمة أكثر خطورة هو أنها ستكون على الأرجح حرباً شمالية، وليست حرباً إسرائيلية – لبنانية فقط، ستكون فيها سوريا جزءاً من الجبهة الشمالية الإيرانية، والتي ستتضمن الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الثورة الإسلامية التي تسيطر عليها إيران وحزب الله. جميع هذه القوى سيتم تفعيلها فيما إذا ضربت “اسرائيل” لبنان، بما في ذلك الميليشيات التي تسيطر عليها إيران في غرب العراق. والأسوأ، الذي يمكن أن يحدث، إذا مكنت التداعيات تركيا من الاستفادة من تركيز العالم على القتال في الجنوب، بهدف التحرك ضد الأكراد المتحالفين مع أمريكا في شمال سوريا حسب قول الكاتب.
ويواصل في مقاله: “خلال حديث مع محلل عسكري وسياسي “اسرائيلي”، فإن أي حرب في الشمال يمكن أن يتراوح عدد “الضحايا الإسرائيليين” فيها ما بين 600- 10000 شخص، هذا ما عدا الأضرار في الممتلكات والأضرار النفسية التي سيصاب بها آخرون. إن “الإسرائيليين” على طول البلاد، وليس فقط “الإسرائيليون” في الشمال، سيتحملون عبء المذبحة التي ستحدث، فيما إذا كان لدى حزب الله ما يكفي من الصواريخ طويلة المدى والدقيقة، والتي ستطلق بعد الضربة الإسرائيلية. وإذا لم تكف الصواريخ، فإنه من الممكن أن تتحول المعركة إلى مواجهة بحرية مع إيران، اذ يمكنها حينئذ مهاجمة منشآت الغاز الطبيعي “الإسرائيلية” في البحر المتوسط، ومن شأن ذلك أن يؤثر على مصالح كل من مصر وقبرص واليونان والأردن، وجميع هؤلاء يستفيدون من إنتاج “إسرائيل” من الطاقة.
هذا السيناريو، هو آخر ما تتمنى أمريكا أن يحدث، خاصة وأنها تتحضر للمواجهة في الشرق الأقصى مع الصين، وتأمل قبل ذلك أن توافق إيران على الانضمام مرة أخرى إلى شكل من أشكال الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
فقد يكون العام المقبل هو العام الذي سيعيد تشكيل شرق البحر الأبيض المتوسط، وقد يجبر عام 2023 الولايات المتحدة على العودة إلى الشرق الأوسط. في الوقت الحالي، فإن القوات الأمريكية على الحدود السورية – العراقية، والتي تلعب دوراً مهماً في إعاقة إعادة إمداد إيران بأنظمة الأسلحة في سوريا ولبنان وتنسق مع الحلفاء الأكراد من أجل ذلك، ستوضع في موقف أكثر صعوبة” وفق تعبير الكاتب.
من المفيد أن نقرأ جيداً طرق الكتابة الاستفزازية التي يحاول كتاب مثل ماندل التعاطي من خلالها، وخاصة عندما تنقل كتاباتهم التعابير المنسوخة بشكل منتظم عبر الصحف الأميركية والأجنبية الكبرى، والتي تغدو تعابير لا يناقش أحد في مصداقيتها. وتتكرر التعابير حتى تصبح تعابير متداولة بشكل ببغائي دون التفكير بها، ما بين العامة والاختصاصيين على حد سواء. تعابير مثل: المصالح الروسية وتضاربها مع المصالح الإيرانية في سوريا، أو تعبير: حزب الله وكيل إيران في المنطقة، أو ذراعها الضاربة، أو تعبير التنسيق مع روسيا في الضربات الجوية “الإسرائيلية” في سوريا. وهذا التعبير الأخير يمكنه أن يحدث شرخاً قوياً ما بين روسيا وسوريا على المستوى الشعبي، خاصة مع ازدياد عدد الشهداء في الجيش العربي السوري مع كل قصف “اسرائيلي”.
يعيد المقال توضيح مآلات السياسة الأميركية في لبنان، والتي بنيت منذ العام 2019، على محاصرة البلد من أجل تقويض شعبية حزب الله ما بين جمهوره، عبر الحصار والتضييق الاقتصادي وتدمير البنى التحتية، وبخاصة الكهرباء، وانهيار الليرة اللبنانية من أجل وضع معظم الشعب اللبناني تحت خط الفقر، حتى لا تضطر “اسرائيل”، ككيان، لشن حرب على لبنان والتعرض لخطر مصيري ووجودي.
إن أشخاصاً مثل ماندل، والذين يقومون بتزويد الكونغرس الأميركي بالمعلومات يمكنهم لعب دور هام في توجيه السياسة الأميركية في منطقتنا. بالطبع يقرأ من المقال الحاجة الشعبية الإسرائيلية للشعور بالأمان بأن أي حرب قادمة في شمال فلسطين لن تتسبب بفناء الكيان، وبأن الولايات المتحدة ستقوم بدورها على أكمل وجه في تفهم حاجاته ودعمه والوقوف إلى جانبه. ومن الهام ملاحظة أن خبراء الكيان يعولون كثيراً على بقاء قوات الاحتلال الأميركي في سوريا ولزمن غير محدد كحاجة مصيرية من أجل حماية أمنهم وضمان بقائهم.