إيرلندا الشمالية تصفع بريطانيا وتنتخب “الشين فين”!
د. علي دربج *
ربما الأصح أن نطلق على عامنا الحالي، عام التحولات. فبعد الأزمة الأوكرانية، ها هي ايرلندا الشمالية تتصدر الأخبار العالمية، نظرًا للمتغيرات الانتخابية المفاجئة التي عصفت بها مؤخرًا، وخرقت الهدوء السائد فيها منذ عقود، وأعادت بالتالي الصخب إلى هذه المنطقة من العالم التي كانت شبه منسية تقريبًا.
فلم يكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يلملم آثار فضيحة “بارتي غيت” – على خلفية الحفلات التي نظمتها رئاسة الحكومة البريطانية خلال فترة الإغلاق للحد من انتشار كورونا – حتى تلقى ضربة أخرى على الرأس أكثر ايلامًا، تتمثل بالفوز الكبير الذي حققه الـ”شين فين” الجناح السياسي السابق “للجيش الجمهوري الإيرلندي” في الانتخابات المحلية، مما يجعله “الحزب” المهيمن في مجلس ايرلندا الشمالية.
فما الذي حصل في أيرلندا الشمالية؟
أسّس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لصعود حزب الـ”شين فين” (حزب قومي كاثوليكي أيرلندي شمالي عريق، رفع منذ تأسيسه شعار الانفصال عن بريطانيا) بشكل ملحوظ في الانتخابات التشريعية التي جرت الأسبوع الماضي، وتركت ندوبًا في جسم الحكومة البريطانية بسبب النتائج التي أسفرت عنها.
فبعد عملية فرز جميع الأصوات التي جرت في 8 نيسان الحالي، حقق الشين فين فوزا تاريخيًا، حيث حصل على 27 مقعدًا من 90 مقعدًا متاحًا في مجلس ايرلندا الشمالية، الأمر الذي سيتيح له ترؤس الحكومة المحلية للمرة الأولى منذ عشرات العقود. الأهم هو أن آثار هذا الفوز تتجاوز ايرلندا وايرلندا الشمالية، والمفارقة أنه يشكل انتكاسة لحكومة المحافظين في المملكة المتحدة، فضلًا عن أنه ينذر بعودة التوترات الطائفية (والقائمة أصلًا) في ايرلندا الشمالية.
بالمقابل، سجلت الأحزاب الوحدوية تلك التي تريد أن تبقى ايرلندا الشمالية جزءًا من المملكة المتحدة تراجعًا كبيرًا، خصوصًا “الحزب الوحدوي الديمقراطي” الذي مني بهزيمة كبيرة، حيث حلّ في المركز الثاني، بعد أن حصل على 25 مقعدًا، وبالتالي خسر الأغلبية البرلمانية التي احتفظ بها منذ حوالي 100 عام، إضافة الى خسارته حُكماً منصب الوزير الأول الذي كان حكراً عليه منذ عام 2008، والذي سينتقل تلقائيًا الى “شين فين”، للمرة الأولى كونه صاحب الأغلبية.
وتعليقًا على ذلك، قالت زعيمة “الشين فين” ميشيل أونيل التي يتوقع ان تصبح رئيسة لحكومة إيرلندا الشمالية: “اليوم يبشر بعصر جديد أعتقد أنه يوفر لنا جميعًا فرصة لإعادة تصور العلاقات في هذا المجتمع على أساس الإنصاف والمساواة والعدالة الاجتماعية”.
هل لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي علاقة بصعود “الشين فين”؟
مع أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يتصدر الحملات الانتخابية للمتنافسين، إلا أنه ألقى بظلاله عليها، لا سيما بالنسبة لـ “الحزب الوحدوي الديمقراطي” الذي كان ترأس حكومة تقاسم السلطة في ايرلندا الشمالية منذ إنشائها بموجب اتفاقية الجمعة العظيمة للسلام.
وانطلاقا من ذلك، بذل “الحزب الوحدوي” الموالي لبريطانيا جهودًا كبيرة من أجل توحيد الناخبين المنقسمين والغاضبين بشأن الوضع المتغير غير أنه لم ينجح في مسعاه.
من هنا، يرى المراقبون أن حلول الشين فين في المرتبة الأولى، لأول مرة في تاريخه في البرلمان المحلي، ليس اختراقا للقومية الايرلندية، بقدر ما هي علامة على إحباط الناخبين الوحدويين، وفوضى قادتهم، وكذلك خيبة الناخبين الاخرين الذين أعطوا أولوية للقضايا الاقتصادية، أكثر من الصراعات الطائفية.
هل غيرّ “الشين فين” نظرته الى الوحدة الايرلندية؟
أبقى “الشين فين” قضية التوحيد بعيدة عن دائرة الضوء خلال حملته الانتخابية التي سيطرت عليها الاوضاع المعيشية المرتفعة. لذلك من المرجح (وفقًا للخبراء الغربيين) أن يركز “الشين فين” عندما يتولى الحكم على الإدارة الكفوءة والسياسات السليمة بدلًا من تعبئة حملة عاجلة من أجل الوحدة الايرلندية والتي سيطرحها فيما بعد.
ومع أن زعيمة “الشين فين” في ايرلندا الشمالية، وصفت ما حصل بأنه “انتخاب جيل”،. لكنها قللت من حديثها عن قضية الوحدة الايرلندية. بدورها قالت ماري لو ماكدونالد الزعيمة العامة “للشين فين” إنها يمكن أن تتوقع إجراء استفتاء على توحيد ايرلندا في غضون عقد من الزمن، وربما في غضون فترة زمنية مدتها خمس سنوات.
بدورهم اشار قادة الأحزاب الاخرى، إلى أنه لن تكون هناك تحركات فورية لإجراء استفتاء على ايرلندا الموحدة، ولن يتم إجراء أي تغيير دستوري حتى يقرر الناخبون ذلك.
ما يجدر الالتفات اليه، أن الانتخابات أظهرت تشرذمًا داخل الأحزاب (الوحدوية) التي تحاول أن تظهر ايرلندا الشمالية الأكثر علمانية.
ماذا عن الشراكة بين “الحزب الديمقراطي الوحدوي” و”الشين فين” في الحكومة؟
عام 1988، وقعت اتفاقية سلام عرفت بالجمعة العظيمة أو اتفاق بلفاست، وأنهت الصراع المذهبي بين البروتستانت والكاثوليك والذي دام حوالي 30 عاما، وهي تنص على اختيار وزير أول ونائبه، أحدهما كاثوليكي والآخر بروتستانتي، على رأس حكومة محلية.
بموجب نظام إلزامي لتقاسم السلطة وضعه الاتفاق، يتم تقاسم وظائف الوزير الأول (اي رئاسة الحكومة المحلية)، ونائب الوزير الأول بين أكبر “حزب وحدوي” وأكبر حزب قومي بناء على نتائج الانتخابات. ويجب شغل المنصبين حتى تتمكن الحكومة من العمل.
وبصفته الوصيف كونه حلّ في المركز الثاني، فإنه من حق “الحزب الديمقراطي الوحدوي” أن يحصل على منصب نائب أول وزير، غير أن زعيم “الحزب” جيفري دونالدسون، شدد على أنه سيرفض الانضمام إلى حكومة جديدة ما لم تكن هناك تغييرات كبيرة في الترتيبات الحدودية لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمعروفة باسم بروتوكول أيرلندا الشمالية.
بالنسبة الى “الحزب الاتحادي الديمقراطي” فهو يواجه خيارًا صعبًا فيما يتعلق بالمشاركة في الحكومة المقبلة. ففي حال رفض، فسيكون ذلك انتهاكًا لروح اتفاقية الجمعة العظيمة، كما أنه سيخاطر بمزيد من نفور الناخبين. غير أنه إذا انضم إلى الحكومة المقبلة، فإن ذلك يجلب معه العديد من المخاطر له، خصوصًا وأن الحزب، كان قد تأرجح إلى اليمين خلال الحملة لصد تحدٍ من حزب الصوت الاتحادي التقليدي الأكثر تشددًا.
ما هو بروتوكول إيرلندا الشمالية؟