يتساءل البعض (بحُسن أو سوء نيّة): هل التدخُّل الروسي سيُلغي الدور الإيراني في سورية والمنطقة، لوراثة الدور الإيراني، وتقاسم المنطقة مع أميركا، وإلغاء الأدوار السياسية لبعض دول المنطقة، مثل تركيا والسعودية، لاستعادة زمام الأمور الإقليمية بعد انفلاتها بعدما أشعلتها أميركا باسم “الفوضى الخلاقة” التي زلزلت الكيانات وهجّرت الشعوب؟
القلق الذي ينتاب مؤيدي محور المقاومة نتيجة خيبات الأمل التي أصيبوا بها من الأقربين والأبعدين يضعهم في موقع الخوف والحذر الدائمَين، مما يعرّضهم لسهام الشك والريبة، ويجعلهم أهدافاً سهلة للإشاعة والبروباغندا الإعلامية المضادة، فلا يفرحون بالانتصار أو بمساعدة الآخرين لهم في حربهم ضد الإرهاب، خصوصاً أن هناك فريقاً ينفّذ المهام الموكولة إليه لتصديع وتهشيم محور المقاومة، فيعمل لإحداث الشرخ بين مؤيدي إيران وروسيا، لمحو الأمل المقبل بالقضاء على الإرهاب واستعادة الحياة الآمنة والكريمة في سورية والمنطقة، ويستكمل مراحل “الحرب الناعمة” التي تتلازم مع الحرب الساخنة والدموية القائمة، والتي مازالت منذ احتلال فلسطين والغزو المتعدد الجنسيات والدول.
وتوضيحاً للتساؤلات المطروحة حول التنافس الإيراني – الروسي، أو إمكانية الصراع على الساحة السورية، لما تشكله من حاجة استراتيجية لكلا البلدين، فالموقف الروسي يرغب في تحقيق الهدف التاريخي للقياصرة الروس، وبعدهم البلاشفة والاتحاد السوفياتي الذين كان حلمهم وجهدهم يتركز على البقاء في المياه الدافئة في المتوسط، وقد نجحوا عندما تأسّس اليمن الجنوبي وقاعدة طرطوس والوجود السوفياتي في ليبيا والجزائر، لكنهم وجدوا أنفسهم مطرودين من المنطقة، ولم يتبقَّ لهم سوى الساحل السوري المهدَّد من حلف “الناتو” باسم مستعار هو “التكفيريون” بمسمياتهم المتعددة؛ في تكرار لتجربة أفغانستان والاتحاد السوفياتي، وحاجتهم المُلحّة لتأمين نوافذ نحو العالم الخارجي، بعد تعرّضهم للحصار والعزل على أثر مشكلة أوكرانيا وجزيرة القرم، بالإضافة إلى أن سورية تشكّل جسر العبور لروسيا لاستعادة الدور الدولي، وحاجة استراتيجية للقضاء على التكفيريين في بلاد الاتحاد الروسي، الذين سيعودون لتفكيك الاتحاد في حال نجاحهم في إسقاط سورية، ولذا فإن معركة الروس في سورية هي من أجل حماية أمنهم القومي والاستراتيجي، وإن كانت سورية ومحور المقاومة يستفيدون بلا شك من هذا التدخل الذي يحقق توازن القوى عالمياً، ويوازن بين الدعم العالمي بقيادة أميركا للمسلحين التكفيريين، ودعم روسيا للدولة السورية، وأهمية هذا التدخل تكمن أيضاً في أنه حاجة ومصلحة روسية لن تتحقق أو تتوفر في وقت قصير، فهو بحاجة إلى مدى زمني لا يقل عن عشرين عاماً لتثبيت المعادلات العالمية وانتهاء الهزات الارتدادية لما سمي “الربيع العربي” الدامي، وهذا ما قاله لي أحد المسؤولين الروس في صيف عام 2014: “روسيا ستخوض حرب المضائق الأربعة ومنابع النفط والغاز بالتحالف مع المحور المقاوم بمواجهة التحالف الأميركي مع تركيا ودول الخليج، وسيبقى هذا التحالف عشرين عاماً مقبلة على الأقل، ويمكن أن يتجدد لفترة أخرى”!
روسيا لا تستطيع منفردة تحقيق هذه الأهداف، وهي التي لا تكاد تخرج من قمقمها بعد سبات تجاوز العقدين، ولابد لها من تحالفات مع الدول والقوى المقاومة للمشروع الأميركي، لأن أميركا والاتحاد الاوروبي، وبعد التجربة، لا يريدون إعطاء روسيا الدور أو حقوقها المكتسَبة، بل يتعاملون معها على أنها دولة نامية من دول العالم الثالث، وبسبب الموقع الجيو-سياسي لإيران وحلفائها، والإمكانات الاقتصادية على مستوى مصادر الطاقة والقوى العسكرية (غير المنظَّمة) القادرة على مقاومة عصابات أميركا التكفيرية وإثبات جدارتها في سورية، فإن تقاطع المصالح من جهة، وحاجة كل طرف إلى الآخر لحماية مصالحه وحقوقه من التمساح الأميركي، ولعدم قدرة الطرفين (روسيا ومحور المقاومة) على الصمود بشكل منفرد، مما يفرض عليهما التحالف، سواء كانا مُكرهَين أو بقناعتهما، فهو حلف الضرورة والحاجة، بالإضافة إلى عدم وجود تضارب في المصالح، وعدم وجود حرب عقائدية بين الطرفين كما كان زمن الاتحاد السوفياتي، خصوصاً أن النظام الروسي أعاد إلى الكنيسة الشرقية بعض حضورها ودورها، ونتيجة احتضان محور المقاومة للوجود المسيحي في الشرق، وعدم انتهاجه المنهج التكفيري ضد الآخرين.
ليطمئن الذين ينتابهم القلق والريبة، فإن التحالف الروسي مع محور المقاومة قائم وغير مهتزّ، ولن يحدث صراع أو تنافس، بل تكامل وتعاون، حتى لو انقلبت روسيا على محور المقاومة فإن من صمد في وجه الحرب الأميركية العالمية خمس سنوات يستطيع الصمود لعقود {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، {ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.