كيفية الردّ على الاحتلال
راسم عبيدات
في إطار الحرب الشاملة والمفتوحة التي يشنّها الاحتلال على شعبنا الفلسطيني عموماً وفي مدينة القدس خصوصاً، نرى أنّ المطبخ السياسي والأمني «الإسرائيلي» في اجتماع دائم ومتفرّغ تماماً لكيفية معاقبة المقدسيّين وإذلالهم وإخضاعهم بالقوة، فمع نهاية كلّ اجتماع لهذا «الكابينت» تتمخض عنه سلسلة من الإجراءات والعقوبات الجماعية بحق أبناء القدس، ولعلّ هذه الإجراءات والقوانين والتشريعات والقرارات العنصرية، تريد في النهاية أن تفرض على شعبنا عملية تهجير قسرية جماعية من القدس، وفرض راية الاستسلام على من يتبقى عليهم.
ففي ظلّ حالة من الهوس غير المسبوق التي أصبح يعيشها العدو، حالة هوس دعت بمستوطنيه وجنوده الى ارتكاب عمليات إعدام لشبان وأطفال مقدسيّين بدم بارد، ما يستوجب رفع قضايا الى المحاكم الدولية موثقة بالصور عن عمليات الإعدام تلك، ولعلّ التصريح بالقتل بحق المقدسيّين والتشريع له قد قادته هذه الحكومة المتطرفة ورئيس بلدية الاحتلال لمدينة القدس المتطرف نير بركات الذي حمل سلاحه وتجوّل به في القدس الشرقية كأزعر، فعندما تسلّح حكومة الاحتلال مستوطنيها وينفلتون من «زرائبهم» ولا توضع أية قيود عليهم بشأن إطلاق النار، والتي وصلت إلى حدّ مجرد رؤية عربي فلسطيني يسير مسرعاً أو منظره لا يعجب المستوطنين يستدعي القتل.
آخر ما تفتقت عنه الذهنية «الإسرائيلية» المشبعة بالعنصرية والتطرف، هو تعطيل كلّ مظاهر الحياة في معظم أحياء مدينة القدس، والعودة بها الى ما قبل القرون الوسطى، من أجل توفير الأمن والحماية لمستوطنيها في بؤرهم المزروعة في قلب القرى العربية المقدسية، والتي هي مصدر كلّ الشرور والآثام، ناهيك عن عدم الشرعية بإقامتها على أراضي شعبنا المحتلّة.
المهم جاءت الدفعة العلنية من العقوبات الجديدة بحق المقدسيين، لكي تزيل الغشاوة عن أعين من يقول بأنّ هناك قوى سلام في «إسرائيل»، حيث يثبت كلّ يوم بأنّ كلّ الأحزاب «الإسرائيلية» بمختلف مشاربها الفكرية وألوانها السياسية تتسابق في التطرف وعلى من يغول أكثر في الدم الفلسطيني.
نعم في قرى المكبر ورأس العمود والطور والعيساوية، حالة من الشلل الكامل لكلّ مظاهر الحياة لا مدارس ولا جامعات ولا مواصلات عامة ولا مستشفيات ولا خروج للعجزة والمرضى ولا حتى ممارسة للشعائر الدينية في الجوامع والكنائس، مكعّبات اسمنتية في الشوارع الرئيسية والفرعية، وما بقي من طرق فرعية، عدا حالة حالات الأزمة الشديدة للمواطنين، فهناك تجد كلّ أشكال الإذلال من تفتيشات ومسّ بالكرامة، بحيث أنّ كلّ فلسطيني يتولّد لديه شعور قويّ بأنه لم يعد لديه ما يخسره، فهذه الحياة لا تساوي شيئاً ولا قيمة لها في مثل هذا الذلّ. وليس هذا فحسب، بل هناك عقوبات سابقة ولاحقة اتخذت بحق المقدسيين، منها هدم بيوت أهالي الشهداء وسحب الهويات الزرقاء منهم وإبعادهم الى خارج حدود بلدية الاحتلال، والحرمان من الحقوق الاجتماعية والصحية للمعتقلين «المتهمين» بأعمال مقاومة ضدّ الاحتلال، واليوم يجري الحديث عن عمليات إبعاد بحق النشطاء السياسيين والمجتمعيّين والمرابطين والمرابطات…
منها عمليات إبعاد عن الأقصى والقدس، والاعتقالات الإدارية، وتركيب مئات بل آلاف الكاميرات في كلّ زقاق وشارع وحيّ في القدس والضواحي، عدا بوابات التفتيش الالكتروني على أبواب البلدة القديمة من القدس.
واضح بأنّ الاحتلال المصاب بحالة من الهوس والوسواس القسري من الإنسان الفلسطيني، والذي عبّرت عنه غولدا مائير بأنها تشعر بالكوابيس مع ولادة كلّ طفل فلسطيني، وهذه العقوبات التي وضع أسسها وقوانينها آفي ديختر مسؤول «الشاباك والأمن الداخلي السابق»، يجري العمل بها وتطبيقها الآن، ويجري استغلال الظروف والأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية لتنفيذها على أوسع نطاق، حيث الحالة الفلسطينية المنقسمة على ذاتها والضعيفة، شلال الدم الفلسطيني النازف لم يفلح في جعلها تتخلى عن أجنداتها ومصالحها الفئوية والصراع على السلطة والنفوذ لأجل المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وعلى الصعيد العربي حالة غير مسبوقة من الانهيار والهوان، حيث حروب «الأخوة» الأعداء، حروب التدمير الذاتي بفعل المال الخليجي المموّل لتلك الحروب.
في حين تعطل الإرادة الدولية وانشغالها في ساحات أخرى، سورية والعراق واليمن وأوكرانيا وغيرها، لا يمكن من فرض حلول سياسية على «إسرائيل».
رغم كلّ تلك القوانين والتشريعات والقرارات العنصرية التي في المآل النهائي يُراد منها طردنا وتهجيرنا قسرياً عن مدينتنا، والاستفراد بمن يتبقّى منا، فلا مناصّ لنا سوى الصمود والبقاء، من خلال إبداع وابتداع أشكال ووسائل نضالية شعبية وسلمية تحمي هذا الوجود، وتسهم في فضح وتعرية حكومة الاحتلال كدولة مغرقة في العنصرية والتطرف، جلّ هدفها دعم وحماية المستوطنين ومساندتهم في جرائمهم ضدّ شعبنا، ولعلّ من المفيد في مواجهة ذلك أن تتشكل هيئة شعبية مقدسية واسعة موقتة كمرجعية تقود العمل المقدسي الشعبي والجماهيري السلمي في مختلف جوانبه، بحيث تعمل على تشكيل لجان حراسة وأذرع وامتدادات لها في كلّ قرى وأحياء مدينة القدس للوقوف على احتياجات وهموم الناس، والعمل على تنظيم احتجاجات سلمية واسعة في المواقع والميادين المغلقة مثل القيام بمسيرات على الحمير أو الخيول تنطلق من القرى المغلقة والمعزولة متزامنة مثل المكبر وسلوان، وأخرى تنطلق من الطور لأهل الطور والعيساوية، وكذلك مسيرات على الدراجات الهوائية للأطفال باتجاه القدس وأخرى لأصحاب الاحتياجات الخاصة والعجزة تظهر مدى عنصرية وفاشية هذا الاحتلال، وكذلك تكون مسيرات ووقفات احتجاجية سلمية وفق برنامج محدّد للطلبة والهيئات التدريسية أمام مدارسهم وفي الميادين العامة مطالبة بفتح قراهم وإزالة كلّ الحواجز والمكعبات الإسمنتية التي تمنعهم من الوصول الى مدارسهم، وهذا ينطبق على الأطباء والتجار وغيرهم.
ولا ننسى هنا ليس فقط رفع المذكرات والمطالب الى الهيئات الدولية الموجودة في القدس، بل تنظيم اعتصامات ووقفات احتجاجية أمام مكاتبها ووضعها في صورة ما يتعرّض له شعبنا في مدينة القدس، والضغط عليها للقيام بخطوات عملية لوقف إجراءات وممارسات الاحتلال الإذلالية والعنصرية بحق شعبنا.
وكذلك دعوة قناصل الدول الأجنبية والعربية التي تقيم علاقات مع دولة الاحتلال الى زيارة القرى والمناطق المغلقة والمعزولة والمحاصرة للوقوف على حجم الظلم والأذى الذي يلحق بالناس جراء تلك الإجراءات والممارسات العنصرية.
العمل على تشكيل جسم تنسيقي ما بين تلك الهيئة وأهلنا وشعبنا في الداخل كمحطة إسناد رئيسية لنا في القدس، حيث الحركة والتواصل والتنسيق أسرع، وكذلك التقاطع الكبير في الهموم والمشاكل، دعوة الشعوب والجماهير العربية والإسلامية الى أوسع حملة تضامن ودعم لأبناء شعبنا في مدينة القدس وعلى كلّ الصعد.
المهمّ أنه بالمزيد من الصمود والثبات والتشبث بإرادة البقاء والوجود والدفاع عن قدسنا ومقدساتنا وبوحدتنا ولحمتنا لكلّ مكونات ومركبات مجتمعنا المقدسي، سنتمكن من إفشال كلّ مخططات العدوان علينا، فالعدو وصل إلى مرحلة الإفلاس القانوني والسياسي وساعات الفجر والانعتاق من المحتلّ تقترب.
Quds.45 gmail.com
18/10/2015