الأقصى ما بين مخاطر الهيكل المعنوي والجولات التعليمية الإلزامية!
راسم عبيدات
المشروع الإسرائيلي للسيطرة على المسجد الأقصى بفرض التقسيم المكاني بعد التقسيم الزماني وصولاً إلى ما يعرف بإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد القبلي، يتقدم خطوة خطوة، في ظل حالة ضعف داخلي فلسطيني وتشظي وانقسام، وحالة عربية مهرولة بشكل غير مسبوق نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، موفرة الغطاء الكامل للمحتل لتنفيذ مشاريعه ومخططاته التهويدية بحق القدس والأقصى… فعلى طريق التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، توسعت عمليات الاقتحام وزادت أعدادها بشكل كبير، ليس فقط في فترات الاقتحام الكبرى ما يعرف بذكرى “توحيد” القدس وخراب الهيكل وعيد الفصح والأعياد اليهودية الممتدة من رأس السنة إلى يوم “الغفران” فعيد “العرش” اليهودي، بل شهدت عمليات الاقتحام تطور غير مسبوق، في الاقتحامات الكبيرة والواسعة في تلك الأعياد، في التحضير لما يسمى بتأسيس “الهيكل المعنوي”، ومحاولة ادخال أدوات الطقوس الإحتفالية التلمودية والتوراتية النباتية من سعف النخيل وأغصان الريحان والصفصاف إلى ساحات المسجد الأقصى، ومن ثم القيام بعمليات “النفح في البوق” أكثر من مرة في ساحات الأقصى وأداء طقوس ما يسمى بالسجود الملحمي: انبطاح المستوطنين على وجوههم، وهذا يعتبر في الفكر التلمودي التوراتي، أعظم أشكال الطقوس التلمودية والتوراتية.. وترافق ذلك مع رفع علم دولة الاحتلال في ساحات الأقصى وترداد ما يسمى بالنشيد القومي اليهودي “هتكفاه”… وكذلك القيام باتمام مراسيم زواج في ساحات الأقصى وأفعال لا أخلاقية فاضحة.. كل هذا كان يجري تمهيداً لإجراء كل طقوس العبادات المتعلقة بالهيكل في ساحات الأقصى على شكل صلوات تلمودية وتوراتية صامتة تمهيداً لأدائها بشكل علني مع توفر الظرف المناسب.
العمل استمر على تغيير الوضع القانوني والديني والتاريخي للأقصى وتجويف الوصاية الأردنية وتفريغها من محتواها على المسجد الأقصى وتحويلها إلى وصاية شكلية، وكذلك تقليص صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية وسحب المسؤولية الإدارية منها بشكل تدريجي.. وأصحاب الوصاية والسلطة الفلسطينية والعرب والمسلمين، استمروا في نفس سياستهم العقيمة والبائسة، سياسة قائمة على الانهزام والانبطاح والتمسك بنفس اللغة “الخشبية” من شجب واستنكار وندب وبكاء وتشكي أمام المؤسسات الدولية، التي لا تقيم لها إسرائيل وزناً ولا تعترف بقراراتها… تطورت الأمور نحو سماح إحدى قضاة محكمة الصلح الإسرائيلية “بيهلا يهالوم” للحاخام الصهيوني المتطرف “أريه ليبو” وأتباعه بأداء طقوس الصلوات الصامتة في الأقصى، وهذا الحاخام العنصري هو أمين سر مجلس ”السنهدرين الجدد”، الذي شكلته مجموعة من الحاخامين من التيار القومي- الديني لإحياء ما يسمى بالهيكل المزعوم بدل المسجد الأقصى مع كامل طقوسه التلمودية والتوراتية.
الاستهداف للأقصى لم يتوقف، بل الجماعات التلمودية والتوراتية تعمل ليل نهار من أجل تحقيق مخططاتها ومشاريعها للوصول إلى هدفها في إقامة الهيكل المزعوم، ولذلك نجد بأن هناك مجموعة مشاريع تستهدف زيادة أعداد المقتحمين بأعداد كبيرة جداً للأقصى، عبر مشاريع القطار الطائر “التلفريك”، والذي سيمر فوق المسجد الأقصى، ومن خلال 73 عربه له، تقوم بجلب 3000 مصلي يهودي وزائر أجنبي كل ساعه إلى حائط البراق … وصولاً إلى اتخاذ لجنة التعليم في البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” يلزم المدارس الإسرائيلية بأن تشمل جولاتها التعليمية بشكل إلزامي المسجد الأقصى ” جبل الهيكل”، وهذا يعني بأننا سنكون أمام عشرات الآلاف من المقتحمين للمسجد الأقصى بشكل يومي، وهذا يعني محاولة جادة لتغيير الوضع القانوني والتاريخي والديني للأقصى، وبما يمكن الجماعات التلمودية والتوراتية، أن تجد لها موطئ قدم مكاني فيه، حيث مخططها يشمل السيطرة على كامل المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى والتي تعادل 1/3 مساحة المسجد الأقصى، حيث تسعى للسيطرة على مصلى باب الرحمة، وإقامة كنيس يهودي كبير فيه، وكذلك السيطرة على باب الرحمة وجزء من مقبرة باب الرحمة الذي جرى مصادرته ومنع الدفن فيه، من أجل إقامة حدائق تلمودية وتوراتية، ومن ثم السيطرة على كامل المنطقة الجنوبية الغربية، القصور الأموية وحائط البراق، على أن يتم ربط ذلك بالبؤر الاستيطانية والأنفاق الموجودة في بلدة سلوان 82 بؤرة استيطانية، وكذلك أنفاق ممتدة من وادي حلوة إلى الأنفاق الموجودة حول أسفل المسجد الأقصى.
نحن نرى بأن قرار لجنة التعليم في الكنيست جاء من أجل تعزيز وزيادة عدد المقتحمين اليهود للمسجد الأقصى المبارك ولترسيخ فكرة الهيكل المزعوم في العقول اليهودية الناشئة. وكذلك فإن ما تقوم به الجماعات اليهودية المتطرفة بدعم من الحكومة اليمينية المتطرفة بالمساس بأقدس مقدسات المسلمين المسجد الأقصى المبارك، بهدف إشعال المنطقة بحروب دينية لها أول وليست لها آخر وتتحمل حكومة “إسرائيل” كافة تبعاتها. ولعل الاجتماع الذي عقد بين وزير ما يسمى بالشؤون الدينية لدولة الاحتلال مع زعامات جماعات الهيكل ومطالبها لشرعنة تهويد الأقصى.. فتح المسجد الأقصى أمام الجماعات المتطرفة طيلة شهر رمضان لكي يتسنى لهم الاحتفال بما يسمى بعيد الفصح في الأقصى. إغلاق الأقصى أمام المصلين المسلمين في فترة الأعياد اليهودية وزيادة فترة الاقتحامات المسائية. تعديل تعريف ما يسمى بالأماكن المقدسة لكي تشمل المسجد الأقصى باعتباره معبد ومعلم توراتي يهودي. زيادة عدد الأبواب التي يجري من خلالها الاقتحامات اليومية للأقصى، هذا الاجتماع وتلك المطالب، تبين حجم الاستهداف للأقصى، من تلك الجماعات التلمودية والتوراتية.
إن الخطر الكبير والجدي المحدق بالمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، يتطلب أوسع التفاف شعبي وجماهيري حول المسجد الأقصى، وشد الرحال إليه من كافة المناطق التي يتمكن خلالها أبناء شعبنا من الوصول إليه. وكذلك ف الأردن صاحب الوصاية على الأقصى، مطالب باتخاذ مواقف عملية تغادر خانة بيانات الشجب والاستنكار والشكاوي الى المؤسسات الدولية، ولديه اوراق ضاغطة في هذا الجانب سياسية واقتصادية ودبلوماسية، ويستطيع ان يُفعل تلك الأوراق من خلال طرد سفير دولة الاحتلال من الأردن وسحب السفير الأردني من تل أبيب ومراجعة اتفاقية وادي عربه، وإلغاء اتفاقية الغاز وغيرها، وكذلك المؤسسات العربية والإسلامية من جامعة دول عربية ودول منظمة التعاون الإسلامي، يجب أن يكون لها دور في حماية الأقصى من خطر التهويد والتقسيم المكاني، ولم يعد مقبولاً الركون إلى القنوات الدبلوماسية واللقاءات الرسمية مع قادة دولة الاحتلال، فما أن يجف حبر تلك اللقاءات، حتي يبادر قادة دولة الاحتلال إلى خرق التزاماتهم وتعهداتهم للملك الأردني عبد الله الثاني وحكومته بعدم تغيير الأوضاع القانونية والدينية والتاريخية للمسجد الأقصى.
قرار لجنة التعليم في الكنيست الصهيوني على درجة عالية من الخطورة، وينذر بتطورات غير مسبوقة على صعيد تحويل وجر المنطقة إلى صراع ديني غير مسبوق.
2021-11-21