ترجمة غير رسمية لمقال شديد الأهمية لمواكبة التغيرات الجوهرية في الساحة الامريكية التي تسارعت وتائرها منذ هبة القدس في شهر أيار/ مايو/ الماضي.
المقال الراهن لمارك تريسي المعنون “تفكك الصهيونية الأمريكية من الداخل” نشر في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 2/11/2021، ويسلط الضوء على أسباب تراجع دعم الجيل الجديد من يهود الولايات المتحدة الامريكية للصهيونية وإسرائيل.
فهل تصحو الطبقة السياسية الفلسطينية المهيمنة التي اختطفت القضية واستنفذت قدرات الشعب الفلسطيني بصراعاتها البينية، فباتت عبئا ثقيلا عليه، وأبعدته عن بلوغ حلمه في الحرية والعودة وتقرير المصير؟
وهل ينجح الجيل الفلسطيني الفتي في انتزاع زمام المبادرة، فيتجاوز النظام السياسي الفصائلي العاجز الذي يعاني التكلس والانقسام، ويفرض حضوره الفاعل في ميادين الفعل والقرار؟ ويسرع في بلورة مشروع نهضوي تحرري إنساني نقيض للمشروع الاستعماري الصهيوني العنصري مؤهل، وقادر على حشد كافة القوى التحررية على اختلاف انتماءاتها العرقية والاثنية والدينية والطائفية لتسريع هزيمته؟
عنوان المقال “تفكك الصهيونية الأمريكية من الداخل “
كيف بدأ جيل جديد من القادة اليهود بإعادة التفكير في دعمهم لإسرائيل؟
نيويورك تايمز /2 نوفمبر 2021
بقلم: مارك تريسي*
غانية ملحيس
كما هو الحال هذه الأيام، بدأ الأمر بمحادثة جماعية في وقت مبكر هذا العام. أرسل حوالي 20 طالبا من الحاخام اتوالكانتوريين سلسلة رسائل على WhatsApp،أطلقوا عليها في النهاية اسم “Rad Future Clergy”. / رجال الكهنوت المستقبليين / بعضهم كان يدرس بمدارس حاخامية في خمس مدن أمريكية مختلفة ، والعديد منهم أصبحوا أصدقاء أثناء الدراسة والعمل في مدينة سادسة -القدس- عاصمة الأرض التي يعتبرها كل من التوراة وإعلان استقلال إسرائيل مكانا “لتجمع المنفيين”.
اشتدت حدة الرسائل النصية في شهر نيسان / أبريل/ الماضي، بعد أن بلغت المحاولات المتواصلة التي تبذلها مجموعة يهودية يمينية ذروتها للحصول على ملكية منازل فلسطينية في حي الشيخ جراح – أحد أحياء القدس الشرقية -.
وصفت الحكومة الإسرائيلية القضية بأنها مجرد “نزاع عقاري”، وهو ما كان صحيح بالمعنى الضيق، لكنه استبعد التاريخ المتعرج لملكية المنازل- التي تم تغييرها كما فعلت الأرض التي تحتها على مدار حربين -. إضافة إلى الهدف الصريح للمجموعة اليهودية في تغيير التركيبة السكانية للقدس الشرقية، لتأمينها بشكل دائم لإسرائيل.
امتدت الاحتجاجات في الحي إلى الحرم القدسي القريب، وهو مكان مقدس لليهود والمسلمين على حد سواء، حيث أطلقت شرطة مكافحة الشغب الرصاص المطاطي، ورشق المتظاهرون العرب الحجارة بعد صلاة الجمعة. كانت هناك احتجاجات أسبوعية ضد عمليات إخلاء حي الشيخ جراح على مدى سنوات، والصراع الأوسع بالطبع أقدم من ذلك بكثير. غير أنه في الآونة الأخيرة، بدى واضحا تضاؤل الفرص أمام إمكانية توصل الاسرائيليين والفلسطينيين إلى اتفاق سلام قد ينشئ دولةفلسطينية على أراضي تحتلها إسرائيل، أو قد جرى ضمها.
تتسم السياسة الإسرائيلية بالتصلب لدرجة أنها تطلبت أربع انتخابات خلال عامين لإزاحة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الذي لا يحظى بشعبية، والذي يواجه تهما بالفساد. ومن غير المرجح حدوث تغيير كبير مع الائتلاف الحكومي الحالي- بالرغم من الحضور التاريخي لحزب عربي – في نهج الدولة تجاه قضايا الفلسطينيين. فصداقة إسرائيل الجديدة مع جيران أقوياء كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتكلس وانقسام النظام السياسي الفلسطيني قد قلل في الواقع من ممارسة الضغط الدولي لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
في الأسبوع الثاني من شهر أيار /مايو / الماضي، اجتمع عدد قليل من أعضاء الدردشة الجماعية على Zoom، وصاغوا خطابا مفتوحا يدعو اليهود الأمريكيين إلى تعديل مواقفهم تجاه إسرائيل. ففي هذا الوقت، كان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد بدأ في الاتساع. أطلقت حماس – الجماعة الإسلامية المسلحة التي تسيطر على قطاع غزة – مئات الصواريخ على البلدات الإسرائيلية رداً على الاشتباكات في الحرم القدسي. وردت إسرائيل بشن غارات جوية على حماس التي ردت بمزيد من الصواريخ. واندلع قتال في الشوارع بين مدنيين يهود وعرب في عدة مدن إسرائيلية. في نهاية المطاف، قُتل أكثر من250 شخصاً، من بينهم 12 مدنياً في إسرائيل وأكثر من 100 في غزة.
بدأت الرسالة بعبارة “الدم يسيل في شوارع الأرض المقدسة”. “بالنسبة لأولئك منا الذين مثلت لهم إسرائيل الأمل والعدالة، نحتاج إلى منح أنفسنا الإذن بالمراقبة والاعتراف بما نراه، والحزن والبكاء. وبعد ذلك، تغيير سلوكنا وطلب الأفضل “.
حث موقعو الرسالة اليهود الأمريكيين على إعادة التفكير في دعمهم للمساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل والتي تبلغ حوالي 3.8 مليار دولار سنويا. وأكدوا على أن المعلمين اليهود قد عقدوا الأمور بشأن نقل الحقيقة المعقدة حول تأسيس إسرائيل، وكأنه إنقاذ لشعب مضطهد يبحث عن الأمان، بالذهاب إلى أرض خالية تعني الكثير للشعب اليهودي. رغم أنها تعني الكثير، أيضا، للعديد من الشعوب الأخرى، ومليئة ببشر لم يطلبوا جيرانا جدد “.
تضمنت الرسالة استفزازات عديدة، فقارنت محنة الفلسطينيين بمحنة الأمريكيين السود – وهي مجموعة تناضل من أجل الحقوق المدنية منذ فترة طويلة، طالما تبنتها نفس المؤسسة التي كانت الرسالة تدعو لها. وقال الموقعون: “كان اليهود الأمريكيون جزءا من الحساب العرقي في مجتمعنا”. وأضافوا: “ومع ذلك، فإن العديد من المؤسسات نفسها تبقى صامتة عندما يتعلق سوء استخدام السلطة والعنف العنصري بإسرائيل وفلسطين”. ووصفوا الوضع القائم في إسرائيل بالازدواجية، ووجود “نظامين قانونيين منفصلين لنفس المنطقة”، وأطلقوا على هذا النظام اسم “الفصل العنصري”.
وصلت الرسالة وسط الحرب، منتهكة الالتزام الذي شعر به العديد من اليهود بالوقوف إلى جانب إسرائيل بينما تتطاير الصواريخ. ولم تتضمن إلى جانب إدانتها لأعمال إسرائيل، إدانة صريحة لاستهداف حماس للمدنيين الإسرائيليين.
وذيلت الرسالة التي تم نشرها وما يزال بالإمكان رؤيتها على Google بتواقيع لأسماء متميزة ل 93 حاخاما، من ثماني مؤسسات جميعها تقريبا في الولايات المتحدة، تقوم بتدريب الحاخامات والكانتوريين – المرتلين الذين يقودون التجمعات في الصلاة – خارج اليهودية الأرثوذكسية (المحافظون سياسيا والمؤيدون بشدة لإسرائيل، ويمثلون حوالي 10٪ من اليهود الأمريكيين. ما يعني معه عمليا استبعاد أن يكون هناك موقعون من المعاهد الدينية الأرثوذكسية).
غير أن 17% من الذين وقعوا الرسالة – وفقا للبيانات التي قدمتها المعاهد – كانوا من طلبة هذه المعاهد، رغم قصر المهلة الزمنية التي أتيحت لجمع التواقيع.
وعلى الرغم من أن جميع الطلاب الذين تحدثت إليهم تقريبا، سواء كانوا موقعين على الرسالة أم لا، يعتقدون أن إرفاق أسمائهم بالرسالة يعني المخاطرة بمستقبلهم المهني. تم تسليط الضوء على اتساع عدد الموقعين عندما تم نشر الرسالة في13 أيار /مايو/ الماضي تحت ستة خطوط فرعية في The Forward، الصحيفة اليهودية الأبرز في أمريكا، وقد تم اختيارها عمدا لتمثيل مجموعة متنوعة من المعاهد. قال ليكس روفبيرج، وهو حاخام ومضيف مشارك لبرنامج بودكاست “Judaism Unbound”، “من الواضح بالنسبة لي أن هذه القائمة تشمل قادة المستقبل من اليهود الأمريكيين “.
“كُتبت جميع نصوصنا عبر التاريخ عندما كنا ضحايا. ماذا نفعل الآن بعد أن امتلكنا القوة؟
انطلق الجدل في مجتمعات المعاهد الدينية. اعترض الحاخام برادلي شافيت آرتسون – عميد معهد زيجلر للدراسات الحاخامية، وهو معهد ديني في لوس أنجلوس – على الرسالة. وعبر بعد ستة أيام عن قلقه في عمود رأي في The Forward أخبرني أنه رد علنا لتوضيح موقف المؤسسة في ضوء توقيع اثنين من طلاب المعهد على الرسالة. وللرد، أيضا، في نفس المنتدى الذي قام بنشر الرسالة الأصلية.
أرسل مدرس في كلية القدس للاتحاد العبري / المعهد اليهودي للدين، وهو أكبر معهد ديني أمريكي ورائد حركة الإصلاح، وهي نفسها أكبر طائفة في الولايات المتحدة / رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموقعين قائلا: إنه “مضطرب ومتألم”. حتى أن أحد الموقعين قام بإلغاء تدريبه الحاخامي.
وانتقد العديد من الحاخامات الرسالة في خطب أعياد اليوم المقدس ومقالات الرأي ومنشورات على فيسبوك. وقال أحد الحاخامات من ولاية ماساتشوستس، إنه يأمل إذا مات فجأة، ألا يتم تعيين أي شخص ممن وقعوا الرسالة لتجديد كادر كنيسه.
ربما صممت الرسالة، أيضا، لإثارة المخاوف طويلة الأمد، أحد أوجه الهوس اليهودي الأمريكي، وهو شيء يسمى ملطفا “الاستمرارية”، وقد يطلق عليه بشكل أكثر بروزا “الأطفال اليهود في المستقبل الذين سيكبرون لينجبوا المزيد من الأطفال اليهود”. هل سيتزوج اليهود من محيطهم؟ هل سيتوقفون عن الذهاب إلى الكنس حتى في أعظم الأيام قداسة؟ هل أصبح اليهودي الأمريكي الوسطي – الأشكناز ي الأصل قليل التدين – شخصًا أبيض يعرف أن فطيرة البطاطس تسمى لاتكي؟
بالنسبة لمؤسسة قلقة، كانت إسرائيل إلى جانب ذكرى الهولوكوست -التي يتضاءل عدد شهودها المباشرين كل عام – هي الحل. مثل الدعامة الطائرة. حملت إسرائيل الجالية اليهودية الأمريكية في الخارج وشكلت تجسيدا حيا لشعب يهودي مزدهر يمكن استخدامه لتقوية أكبر جالية شتات في العالم، والتي تعلق في معابدها أحيانا العلم الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع العلم الأمريكي، والعديد من المعاهد الدينية التي تطلب من طلابها قضاء بعض الوقت بالدراسة في إسرائيل.
أخبرني شاؤول كيلنر، عالم الاجتماع في جامعة فاندربيلت، أن “اليهود الأمريكيين ليسوا قلقين بشأن شعور اليهود الأمريكيين تجاه الله، لأن الله ليس رمزا دينيا مهما في الحياة اليهودية الأمريكية”. لكن إسرائيل والمحرقة هما مصدر القلق “.
لم تشر الرسالة فقط إلى أن الإجماع المؤيد لإسرائيل في حالة تآكل، وهو ما كان واضحا لفترة من الوقت، ولكن لشيء آخر أيضا: أن السبب الرئيسي لهذا التناقض قد لا يكون شيئًا مباشرا مثل تصرفات الحكومات الإسرائيلية أو استيعاب اليهود الأمريكيين لها. وإنما بدلا من ذلك، يصطدم جيل من اليهود وجها لوجه بالتناقض بين المبادئ اليهودية العالمية، وبين فكرة الخصوصية اليهودية، أن اليهود لديهم التزامات خاصة تجاه بعضهم البعض.
لسنوات عديدة، كان بإمكان اليهود الأمريكيين أن ينظروا إلى إسرائيل كدولة صغيرة مليئة بالأشخاص المضطهدين منذ فترة طويلة، محاطين بجيرانهم المعادين. بل ويرون أنفسهم على أنهم مستضعفون في بلدهم، لذلك قد يظل هذا التناقض /بين المبادئ اليهودية والتزاماتهم تجاه بعضهم البعض/ بعيدا عن الأنظار إلى حد كبير.
اقتحمت الرسالة هذه المنطقة المحفوفة بالمخاطر عندما طلبت من اليهود الأمريكيين النظر بنيويا إلى الصراع في الشرق الأوسط. كمثال آخر على قيام مجموعة قوية بقمع المجموعة الأقل قوة.
كانت هذه حجتها الأكثر عمقا مزعزعة للاستقرار: أن اليهود، بعد عشرين قرن من السلب والاضطهاد والنفي لهم باتت لديهم اليد العليا، ويتحملون مسؤولية التصرف على هذا النحو.
حنة بندر، طالبة في السنة الثالثة في كلية الاتحاد العبري قالت لي: “كتبت جميع نصوصنا عبر التاريخ عندما كنا الضحايا. ماذا نفعل الآن بعد أن امتلكنا القوة؟ “
نشأ معظم اليهود الأمريكيين الأحياء في عصر كان فيه الدعم القوي لإسرائيل حجر الزاوية في مجتمعهم. سواء في المرحلة التمهيدية / ما قبل المدرسة /، أو المدرسة النظامية، أو المدرسة العبرية، قام كل طفل يهودي بإلقاء عملات معدنية في علب زرقاء وبيضاء لصالح الصندوق القومي اليهودي / المنظمة الصهيونية المبكرة التي تأسست لدعم مجتمع ما قبل الدولة/. وفي كل عام كان الطالب اليهودي يحضر معسكرا صيفيا حيث يتعلم غناء الأناشيد الشعبية الصهيونية. في عيد ميلاده وعند بلوغه سن الرشد، يحصل على سندات إسرائيلية وأشجار مزروعة في إسرائيل باسمه، وإذا زار إسرائيل، فقد زرع الشجرة بنفسه. إذا كان شابا فتيا في العشرينيات، فربما يكون قد زار إسرائيل لمدة 10 أيام في رحلة تعليمية توثق روابطه بإسرائيل/ 10days on Birthright Israel’s dime / حيث ركب جملا، وقاربا في نهر الأردن، وزار حائط المبكى ليلة الجمعة، وتعرف على جنود إسرائيليين يقفزون في الحافلة لبضعة أيام. وعندما يعود للوطن، يتابع الأخبار ويترصد وسائل الإعلام الأمريكية بحثا عن مظاهر التحيز. يحضر مؤتمر إيباك، ربما من خلال رابطة الأخوة اليهودية / Hillel or AEPI/ ، ربما يكون قد ذهب في رحلة لإحياء ذكرى الضحايا /March of the Living /، حيث يسافر الطلاب اليهود إلى بولندا لزيارة معسكر أوشفيتز، ثم إلى إسرائيل للاحتفال بيوم الذكرى، وعيد الاستقلال.
يتجاوز الإجماع المؤيد لإسرائيل السياسات الحزبية. تعتبر استطلاعات مركز بيو للأبحاث/ Pew Research Center/ المعيار الذهبي لاستطلاع الرأي اليهودي الأمريكي، وقد توقعت المؤسسة اليهودية هذا العام، مع خوف سكان فلوريدا الذين يتوقعون المنخفض الاستوائي في الخليج. وجد الاستطلاع، الذي صدر في أيار / مايو / الماضي، أن 82 في المئة من اليهود الأمريكيين قالوا إن دعم إسرائيل ضروري أو مهم “لما يعنيه أن تكون يهوديا بالنسبة لهم”. نفس العدد أيضا عرفوا أنفسهم على أنهم ليبراليون أو معتدلون. وقالت غالبية كبيرة منهم أنهم يميلون إلى الديمقراطية.
ومع ذلك، وجد المركز أن بين اليهود الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، ارتباطا عاطفيا أقل بإسرائيل، وتأييدا أقل لنتنياهو، ودعما أكبر لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات / BDS/. كما بينت ذلك دراسات حديثة أخرى. (يجادل البعض بأن مثل هذه النتائج تحجب ميل مشاعر اليهود الأمريكيين المتقدمين في السن لتأييد إسرائيل).
لكن الإجماع المؤيد لإسرائيل حديث نسبيا. كانت السياسة الرسمية لليهودية الإصلاحية في بداية الصهيونية، كما حددتاهما يسمى بمنصة بيتسبرغ عام 1885، كراهية لفكرة الدولة القومية اليهودية في الأرض المقدسة. في عام 1898، بعد عام من المؤتمر الصهيوني الأول لثيودور هيرتزل في سويسرا، أعلنت جمعية تجمعات الإصلاح في أمريكا أنها “تعارض الصهيونية السياسية بشكل ثابت”. لماذا؟ لأن “أمريكا هي صهيوننا “. انقلب الوضع في العقود التالية. وفقا لـ “اليهودية الأمريكية” للمؤرخ جوناثان د. سارنا، عندما أعلن يهود بارزون مثل المحامي التقدمي لويس دي برانديز دعمه لدولة يهودية.
اكتسبت الأيديولوجية الصهيونية قبولا في المجتمع اليهودي خلال فترة ما بعد الهولوكوست وتأسيس دولة إسرائيل نفسها في العام 1948. ثم جاءت حرب الأيام الستة لتحدث تغييرا جذريا كما كتب توماس فريدمان – الرئيس السابق لمكتب التايمز في القدس – في كتابه “من بيروت إلى القدس”. واصفا مشاهدة الأخبار في 6 يونيو 1967 “مثل العديد من اليهود الأمريكيين من أبناء جيلي، اجتاحتني هذه الإسرائيل البطولية، التي أسرت مخيلتي وجعلتني أشعر بالاختلاف تجاه نفسي كيهودي”. الانتصار الإسرائيلي السريع على العديد من الجيوش العربية التي خططت للهجوم، وأسفر عن احتلال كامل شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية، مع صورة لجنود يهود يقفون عند الحائط الغربي، وهو موقع مقدس لم يسمح لليهود بزيارته لنحو ما يقرب من عقدين من الزمن – مثل تغيرا جذريا، فتحول الفخر الصهيوني إلى مادة إيمانية لمعظم اليهود الأمريكيين.
“الافتراضات التي نشأ عليها اليهود حول إسرائيل تحطمت في نفس الوقت الذي تحطمت فيه الافتراضات حول معاداة السامية في الماضي ، وأن اليهود أصبحوا من البيض”.
في السنوات التي أعقبت عام 1967، اكتسبت القضية الفلسطينية حضورا واسعا على المسرح العالمي. مع ذلك، نشأ شباب الطفرة -جيل منتصف الستينيات – وحتى أولئك الذين ولدوا منا في الثمانينيات، والذين وصفوا بشكل أخاذ ب “جيل الألفية”، برؤية متفائلة لعملية السلام، خاصة منذ أن نظرنا إليها كيهود عادة من خلال عدسة إسرائيلية. كان هناك سلام مع مصر، ثم مع الأردن، وصافح رئيس الوزراء الاسرائيلي يتسحاق رابين قبل اغتياله الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض عام 1993. (اغتيل رابين على يد يهودي إسرائيلي يميني بعد ذلك بعامين (.
عندما فشلت الاتفاقية الاسرائيلية – الفلسطينية /اتفاقية أوسلو / في تحقيق السلام، وقتل انتحاريون فلسطينيون مئات المدنيين الإسرائيليين في الحافلات والمقاهي خلال الانتفاضة الثانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. هيمن شبح الإرهاب لأول مرة، وفاقمت خطورته أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر /2002، ولم تكن القصة مكتملة بالطبع، لكنها وفرت تماسكا سرديا للعقول الشابة المتحمسة لها.
على النقيض من ذلك، إذا كنت اليوم تبلغ من العمر 26 عاما، فأنت لم تكن قد ولدت بعد عند توقيع اتفاق أوسلو، وبالكاد تتذكر ذروة الانتفاضة الثانية. يمكن أن يكون انطباعك عن إسرائيل بأنها قوة محتلة وقلعة محمية بحواجز عسكرية ونظام للدفاع الصاروخي/ القبة الحديدية/ الممول من الولايات المتحدة الامريكية – وهي دولة قوية، ردت خلال حرب 2014 على قتل حماس لثلاثة مراهقين إسرائيليين وإطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، بغارات جوية على قطاع غزة، وتوغلات برية أسفرت عن مقتل أكثر من 2000 فلسطيني، من بينهم العديد من المدنيين العزل.
لا يتم تجسيد إسرائيل بالنسبة لك من قبل رابين، أو رجل الدولة الكبير شيمون بيريز، أو حتى الصقر أرييل شارون، ولكن من قبل نتنياهو، الذي لم يشرف فقط على بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، ولكنه انحاز، أيضا، إلى الحاخامية الأرثوذكسية المتطرفة في الأمور الدينية والمدنية، وحاول عرقلة المنظمات الليبرالية غير الحكومية، وتبنى العقيدة العنصرية ضد الفلسطينيين، واتخذ مواقف مشتركة مع الجمهوريين، وخصوصا مع دونالد ترامب.
هذا الشاب اليهودي البالغ من العمر 26 عام يرى الجمهوريين يستخدمون المواقف العقائدية كحجة سياسية لتأييد إسرائيل. في حين أن مركز الثقل الديمقراطي -الذي ما يزال مؤيدا لإسرائيل بشدة – قد تحرك نحو اليسار. شهد الشاب البالغ من العمر 26 عاما أيضا أن الحكومة الإسرائيلية تحتضن صراحة الإنجيليين الأمريكيين اليمينيين، الذين هم صهاينة مخلصين بينما تزدري اليهود الأمريكيين. في شهر أيار/مايو / الماضي، انتقد رون ديرمر، مستشار نتنياهو لفترة طويلة والسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، اليهود الأمريكيين ووصفهم بأنهم “بين منتقدينا بشكل غير متناسب “.
دأب العديد من الدراسات الأكاديمية على مدى العقد الماضي بالبحث في تراجع ارتباط الشباب اليهودي بإسرائيل. في حين وجد البعض ارتباطهم عاطفيا، لكن بشروط مختلفة سياسيا عما قد تفضله المؤسسة. اعتمد دوف واكسمان، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا، في ورقة بحثية عام 2017، على بيانات مركز بيو للأبحاث، ووجد أن اليهود من جيل الألفية يرتبطون مع إسرائيل، حتى عندما كانوا صغارا كما فعلت الأجيال السابقة – وأنهم كانوا فقط أكثر عرضة للتساؤل حول سياساتها وسلوكياتها.
قال لي واكسمان: “في الماضي، كان الدعم حقا غير مشروط ولا لبس فيه”. وأضاف: “يعتقد معظم اليهود الأمريكيين اليوم أنه من الممكن تماما أن يكونوا مؤيدين لإسرائيل، وفي نفس الوقت ينتقدون العديد من سياسات الحكومة الإسرائيلية، وخاصة السياسات تجاه الفلسطينيين”.
بعد ظهر أحد أيام شهر آب /أغسطس / الماضي في مركز إيزابيلا فريدمان اليهودي للخلوات – وهو مزيج من الكيبوتس والمخيم الصيفي يقع على تلال شمال غرب ولاية كونيتيكت في بلدة تحمل تسمية مناسبة، كنعان -، قامت ليا نوسباوم – التي وقعت الرسالة في الربيع وهي الآن في عامها الخامس والأخير بجامعة كاليفورنيا في نيويورك – بأخذ استراحة من الزراعة، وقابلتني على طريق ترابي. كانت نوسباوم، البالغة من العمر 28 عامًا، واحدة من 10 زملاء في مزرعة المركز الصيف الماضي.
يستيقظ الزملاء باكراً كل صباح في الساعة السادسة للصلاة والتأمل، ويقومون بالأعمال المنزلية، ويأخذون دروساً في الزراعة وفي اليهودية، ويعتنون بالأرض طوال اليوم. ويقومون بزراعة الكراث، والتوت الأزرق الحلو، وطماطم الكرزSungold، التي يتم تلقيحها جميعا بواسطة النحل الذي يحتفظون به. في أيام السبت يرتاحون، على الرغم من أنهم ما يزالون يحلبون الماعز. ثم يعطون الحليب للجيران الذين لا يحتفلون يوم السبت. كانت نوسباوم النباتية في العادة، قد أكلت دجاجة تربت في المزرعة في الليلة التي سبقت لقائي بها، بعد أن شاهدت الطائر يقتل طقوسيا بطريقة كوشيرمن قبل شوشيه. قالت نوسباوم: “هناك الكثير من التعمد، وهذا شعور يهودي – التفكير عمداً فيما تفعله “.
بعد أن قمنا بتعشيب نباتات البطاطس وتجولنا في المركز الذي يستضيف فعاليات الأعياد والخلوات للعالم المؤسسي اليهودي، جلست أنا ونسباوم على كراسي خشبية تحت خيمة وتحدثنا لبعض الوقت. نشأت نوسباوم في مجتمع يهودي مرحب به، وهي جماعة إصلاحية في منطقة بوسطن كانت ملاذًا من رهاب المثلية التي عانوا منها في المدارس العامة، ودعمت اهتمامهم بالعمل بين الأديان. كما ان جامعة كاليفورنيا مقبولة على وجه الخصوص إذ أشادت نوسباوم ببرنامجها العام في إسرائيل لتعريفهم بجميع أنواع الإسرائيليين والفلسطينيين.
قالت نوسباوم: “دولة إسرائيل الحديثة هي دولة مثل أية دولة أخرى”. “لديها مشاكل مع التمييز والعنصرية. هذا لا يعكس ما أعتقد أنها قيم يهودية على الرغم من أنها دولة يهودية. وأعتقد أنه يمكن أن تكون هناك دولة تعكس القيم والأخلاق اليهودية. يمكن لإسرائيل أن تفعل ما هو أفضل بكثير “. تابعت نوسباوم: “لقد وقعت على هذه الرسالة لأنني أشعر أنه يتفق مع اليهودية أيضا دعم الفلسطينيين”.
الزمالة هي جزء من اتجاه أوسع في المساحات التقدمية بين اليهود الذين سعوا إلى مواءمة جوانب من هويتهم – مثل اليسار السياسي والاغتراب – مع يهوديتهم. عندما التقيت بمديرة المزرعة، كانت ترتدي قميصًا لـ Linke Fligl – اليديشية تعني “الجناح اليساري” – وهي منظمة تطلق على نفسها اسم “مزرعة دجاج يهودية كويرية ومشروع تنظيم ثقافي”.
بعد ظهر يوم آخر من هذا الصيف، تحدثت إلى امرأتين تعملان في ميام حاييم مكفيه، أو حمام طقسي في نيوتن ماس. يُعرف الغطس في مكفيه بأنه آخر شيء يفعله المرء في التحول إلى اليهودية. وعند بعض الجماعات الأرثوذكسية تقوم به النساء مرة واحدة كل شهر، وبعد الولادة – عندما يعتبر جسد الأنثى “نجسا ” بموجب القانون اليهودي. لكن ميان حاييم يسعى إلى “استعادة” المكفيه من ممارساتها الأبوية، وطورت طقوسا لجميع أنواع الأحداث الحياتية.
بنهاية مكالمتنا، كانوا يحاولون إقناعي بالغطس لكوني أصبحت أبا مؤخرا. سمعت أيضًا عن SVARA، وهي مدرسة دينية تركز على تجربة الكوير. بطريقة ما لم يصدمني في كل مرة علمت فيها ببرنامج جديد به عناصر مشوقة، ولاحظت مشاركة طالبة كان اسمها مألوفا لي من موقعي الرسالة.
قالت أماليا مارك، التي وقعت على الرسالة الربيع الماضي، قبل أسابيع من انتسابها في الكلية العبرية – مدرسة دينية متعددة الطوائف خارج بوسطن لا ينبغي الخلط بينها وبين كلية الاتحاد العبري – والتي تعمل الآن في ميام حاييم: “الناس عطشى”. “يريد الناس المعنى والاتصال بحياتهم الآن، ويريدون أيضا التقاليد الأصيلة”.
إن وجود اليسار اليهودي ليس بالأمر الجديد. من تروتسكي إلى تشومسكي، إنها كليشيهات عمليا. ومع ذلك، كان اليساريون اليهود عادة علمانيين: اشتراكيو الشرق الأدنى، الكيبوتسات، بيرني ساندرز.
يتميّز اليسار اليهودي الجديد باعتناقه للقانون والطقوس اليهوديين، واستناده إلى النصوص اليهودية للتعبير عن سياسته. يجادل التاريخ الشفوي الحديث في “التيارات اليهودية” – والمجلة هي نفسها جزء من هذه الحركة – بشكل مقنع بأن الموجة الحالية نشأت قبل 10 سنوات، ممن احتلوا وول ستريت.
على الجانب الآخر من حديقة زوكوتي، أقام النشطاء “كول نيدر” – قداس يوم كيبور السنوي حيث يعفى اليهود من الوعود التي قطعوها لله. كان الإجراء الأول الذي قامت به جماعة، إذا لم يكن الآن
/If Not Now / المناهضة للاحتلال في عام 2014 ، هو التلاوة علنا لذكرى عزاء كاديش للضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين خلال نزاع ذلك العام في غزة. يسعى بودكاست “Judaism Unbound” إلى إعادة تفسير النصوص اليهودية من منظور يساري. وأعيد إطلاق “التيارات اليهودية” -التي تأسست عام 1946 كمنشور ستاليني – قبل ثلاث سنوات من قبل أبناء جيل الألفية اليساري، الذين استخدموها لتوثيق هذه الحركة.
المجلة، التي تصدر كل ثلاثة أشهر، هي الآن ربما موطن المرتد الرئيسي، بيتر بينارت، الذي كان في يوم من الأيام محررا متشددا في نيو ريبابليك، ويفضل الآن دولة واحدة ثنائية القومية – بدلاً من دولة قومية يهودية – يهودي ملتزم قدم أثناء الصراع في أيار/مايو/ الماضي دعوته لإسرائيل للسماح بالعودة الكاملة للاجئين الفلسطينيين باسم teshuvah، التكفير المطلوب من جميع اليهود كل عام قبل يوم الغفران.
مثل موقعي الرسالة، لا تمثل هذه المجموعات غالبية أبناء جيلها، ناهيك عن جميع اليهود الأمريكيين، لكنها فعالة في تقديم نفسها على أنها مجموعة طليعية.
وكأي طليعة يسارية، فقد أيقظوا رد الفعل. في أيار / مايو/، بالكاد قبل أسبوع من نشر رسالة الطلاب، نشرت مجموعة تسمى المعهد اليهودي للقيم الليبرالية رسالة مفتوحة أطلق عليها The Forward اسم “خطاب هاربر اليهودي”، في إشارة إلى خطاب مفتوح آخر في مجلة هاربر شجب الفكر الجماعي غير الليبرالي، وضبط الخطاب بين التقدميين.
ألقى هذا الخطاب الجديد باللوم على الأيديولوجية المناهضة للعنصرية “التي تكون فيها الجماعات مجرد ظالمين أو مضطهدين” لتشجيعها “المفاهيم الخبيثة لـ “الامتياز اليهودي “، وحتى توريط اليهود في” التفوق الأبيض “. تابلت – مجلة يهودية على الإنترنت تساءلت في السنوات الأخيرة باستمرار عن تداعيات أيديولوجية العدالة الاجتماعية الجديدة لليهود – اتهمت السياسيين التقدميين الذين قارنوا معاملة الولايات المتحدة الامريكية للسود بمعاملة إسرائيل للفلسطينيين، “بتعميم دراما نفسية محلية على منطقة أجنبية – وتعريض اليهود الأمريكيين للخطر في هذه العملية “. (كنت كاتبا في فريق عمل تابلت من عام 2009 إلى عام 2012.)
لكن ليس من الصعب أن نرى لماذا سيجد الشباب الأميركي – الذي استيقظ مؤخرا على طريقة جديدة للتفكير بشأن العنصرية في بلادهم – أوجه تشابه مع إسرائيل. شعر إيفان تريلور، طالب في السنة الثانية في كلية نيويورك التابعة للاتحاد العبري، والذي وقع على الرسالة، بالارتباط الوثيق بين الأمرين، أثناء قيامه بجولة في مخيم للاجئين خارج بيت لحم. قامت مجموعته بتمرير ملصق يظهر فيه صبي مفترض أنه تم إطلاق النار عليه وقتله من قبل الجيش الإسرائيلي، ولاحظ أحدهم أنهم لم يصدقوا ذلك – يجب أن يكون هناك المزيد من القصة. “على الرغم من أن هذا يحدث طوال الوقت في الولايات المتحدة!” قال لي بشكل لا يصدق. “بصفتي يهوديا أسود، هناك علاقة قوية حقا. شعرت بذلك -ربما بشكل مختلف – عن الكثير من اليهود البيض “.
عندما شاهدت إيلانا رابيشاو، طالبة في السنة الخامسة في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، الرسالة الموقعة من قبل العديد من أقرانها على Facebook، عرفت أنها تريد الرد – ولكن ليس على الفور. قالت لي هذا الصيف: “كانت إسرائيل تتعرض للهجوم، وكان أصدقائي في إسرائيل يركضون إلى الملاجئ”. “لم أشعر أن الوقت قد حان للقتال مع زملائي في الفصل في أمريكا”.
بمجرد التوصل إلى وقف إطلاق النار، تجاذبت هي وعدد من الطلاب الحاخامين الآخرين الذين ذهبوا إلى إسرائيل في زمالة تابعة لـ AIPAC الحديث لفترة من الوقت حول ما يرغبون في قوله. كتبت ردا ووقعوا عليه ونُشر في The Forward قرب نهاية مايو. قالت رسالتها: “إن الحجم الكبير من الزملاء لموقعين على الرسالة جعلنا نتحفظ في التحدث بصراحة”، “لكننا نعلم أن الحديث حول إسرائيل يستحق التدقيق والحوار، وأن التزام الصمت يعني ترك انطباع للمجتمع اليهودي بأنك تتحدث نيابة عنا جميعا- وهو ما لا تفعله “.
عندما التقيت رابيشاو، البالغة من العمر 27 عامًا، في لوس أنجلوس في آب /أغسطس/ الماضي، كانت قادمة من الجامعة الأمريكية اليهودية في بيل إير، موطن معهد زيجلر- التي يديره الحاخام أرتسون، الخصم الصريح للرسالة – وميكفيه، كانت تساعد في التحويل. هي متدربة حاخامية في Congregation Kol Ami في غرب هوليوود، والتي كانت معقل اليهود L.G.B.T.Q. / المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا / منذ أكثر من 25 عامًا ، وقد أسسها الحاخام دينيس إل إيغر ، وهو أول رئيس مثلي الجنس علنا للجمعية الحاخامية الإصلاحية لليهودية. قال لي رابيشاو: “لقد تعلمت منها كيفية مشاركة وتعليم القيم التقدمية، وهذه لا تتعارض مع كونك صهيونيا
متعاطفا “. أشار ردها في The Forward إلى هذا: “بصفتنا طلابًا حاخاميين يدعمون قضايا ليبرالية أخرى، كنا قلقين بشكل خاص من معادلة إسرائيل وحماس”. أو كما قالت لي: “لم يذكروا حماس، المنظمة الإرهابية التي كانت تستلزم هجوم إسرائيل المضاد. لم تحدث الحرب لأنهم قرروا أنهم لا يحبون الشعب الفلسطيني “. بالنسبة للرسالة، أوضح رابيشو: “لم أشعر بالصدمة لأن هذا هو الاتجاه الذي سيتبعه الكثير من زملائي في الفصل. ومع ذلك، شعرت بخيبة أمل كبيرة لأنه كان هناك مثل هذا النقص في حب إسرائيل والتضامن معها في وقت كانت تتعرض فيه للهجوم “.
ظهرت عبارة “أهافة إسرائيل” مرارًا وتكرارًا في محادثاتي مع أولئك الذين اعترضوا على الرسالة. وهي تُترجم على أنها “حب إسرائيل”، والتي تشير في هذه الحالة إلى الشعب اليهودي، الذي كان يعرف لقرون قبل قيام الدولة باسم بني إسرائيل.
أخبرت الحاخام شارون كوهين أنيسفيلد، رئيسة الكلية العبرية، طلابها في رسالة بالبريد الإلكتروني أنها تتمنى أن يكون الخطاب قد اعتنق المبدأ، ووصفت كيف يمكن لنسخة منه أن تقرأ: “لقد كتبت كرامة وقدسية كل حياة بشرية، وفي نفس الوقت تحتل مكانة خاصة في قلبك للشعب اليهودي الذي كرست حياتك لخدمته – ليس لأن حياتنا تهم أكثر من أي حياة أخرى، معاذ الله، ولكن لأننا مسؤولون تجاه بعضنا البعض “.
حنة بندر الطالبة في جامعة كاليفورنيا التي ساعدت في كتابة الرسالة، جادلت بان جذورها متأصلة في “حب إسرائيل “. بعد كل شيء: “هذه الأشياء وصمة عار في الروح اليهودية. إنها تدمر تاريخنا. أنا أقدم هذه الانتقادات لأنني أحب بشدة الشعب اليهودي، ولا أريد أن نكون جزءا من هذا “.
كانت هناك مؤشرات أخرى على وجود أغلبية أكثر هدوءا بين الشباب اليهود الذين ما يزالون يدعمون إسرائيل.
في أيار / مايو /، بينما انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي بالتقولات، اتهم البعض إسرائيل بأنها ليست مخطئة في الوقت الحالي فحسب، بل إنها غير شرعية في الأساس – ليست دولة على الإطلاق، ولكنها “مستعمرة مستوطنين” – لاحظت أصدقاء يهودا لم أكن أعرف أنهم مهتمون بالسياسة بشكل خاص أو منشغلين في تأكيد دعمهم لإسرائيل. طلب أحده ممن متابعيه النظر في التاريخ اليهودي، ثم “تخيل أن يطلق عليهم بعد كل ذلك اسم” المستعمر”.
سارنا، مؤلف كتاب “اليهودية الأمريكية”، هو أيضًا أستاذ للتاريخ اليهودي الأمريكي في جامعة برانديز، وقد أخبرني حكاية بدت وكأنها تتناغم مع استطلاعات الرأي التي ما تزال تجد دعم الأغلبية بين اليهود الأمريكيين لإسرائيل. قام سارنابشكل دوري بتدريس فصل دراسي حول معاداة السامية الأمريكية، لكنه كانت يفكر في عدم القيام بذلك مرة أخرى لأن الالتحاق كان منخفضا في كثير من الأحيان. ومع ذلك، قرر أن يعرضه مرة أخرى في فصل ربيع 2019. في البداية، كان هناك القليل من الاهتمام. بعد ذلك، في أكتوبر 2018، وقعت أعنف عمليات القتل الجماعي في التاريخ الأمريكي التي استهدفت اليهود، عندما قتل مسلح 11 شخصًا في كنيس شجرة الحياة في بيتسبرغ. وانتهى الأمر بأن التسجيل في الفصل تضاعف ثلاث مرات مقارنة بآخر مرة قام فيها بتدريسها.
قال سارنا: “الافتراضات التي نشأ عليها اليهود حول إسرائيل تحطمت في نفس الوقت الذي تحطمت فيه الافتراضات حول معاداة السامية في الماضي وأن اليهود أصبحوا من البيض”. “أين يضعنا ذلك؟”
خلال فصل الصيف، انتقل ماكس بوشدال، وهو طالب في السنة الثانية يبلغ من العمر 25 عامًا في المدرسة اللاهوتية اليهودية، إلى شقة في مرتفعات واشنطن، على بعد شوارع من حيث كانت تعيش عائلة جده بعد مغادرتهم ألمانيا في العام1938. أصبح الجد حاخاما إصلاحيا في بالتيمور، حيث نشأ بوشدال. قال لي بوشدال: “كنت كثيرا حفيد الحاخام”. “كان الجميع جليسا لأبي.” عندما قرر بوشدال أن يصبح حاخامًا، اختار أكبر مدرسة دينية لليهودية المحافظة، والتي هي بشكل عام أكثر صرامة بشأن القانون اليهودي من الإصلاح. يرتدي ال kipa وtzitzit /الحواف التي تتدلى من الخصر/، مما يضعه في الطرف المتدين من الطيف المحافظ. وبعد طفولة من الدعم غير المحدود، ولكن الثابت لإسرائيل، وقع خطاب مايو، وكان أحد أقوى منتقدي الصهيونية بين الطلاب الذين تحدثت إليهم.
بدأ تحول بوشدال خلال سنوات دراسته الجامعية في جامعة تمبل. خلال حرب غزة عام 2014، قرأ المزيد عن تاريخ الصراع، ولا سيما عن قصة حرب الاستقلال الإسرائيلية في عام 1948 – المعروفة للفلسطينيين باسم النكبة – الكارثة -، حيث قامت القوات الصهيونية بترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيها. اللد، المدينة التي أصبحت الآن موقع المطار الرئيسي في إسرائيل. بعد التخرج من الجامعة، عمل بوشدال في اللجنة اليهودية الأمريكية التي أنشئت كمؤسسة، وقد تم ايقافها بسبب دعمها التفضيلي لإسرائيل.
إن الاعتبارات الرئيسية في تحول الطلاب الأمريكيين المتحمسين في صباهم بعيدا عن الصهيونية تعود للاصطدام المباشر بالواقع في الضفة الغربية. تنظم مجموعات مثل كسر جدار الصمت (التي يديرها قدامى المحاربين في جيش الدفاع الإسرائيلي) وتوراه (“الدعوة الحاخامية لحقوق الإنسان)”
وEncounter رحلات لمدة يوم وليلة إلى مدن الضفة الغربية، حيث يلتقي المشاركون بأعضاء المجتمع المدني الفلسطيني. (حضرت رحلة لقاء إلى بيت لحم قبل تسع سنوات). قالت الحاخام جيل جاكوبس، الرئيس التنفيذي لتوراه، إن برنامجها يشارك فيه ما يقرب من أربعة من خمسة من الأكاديميين خلال سنواتهم في إسرائيل، لدرجة أن توراه تنسق التقويمات مع المعاهد الدينية. غالبا ما تكون اللحظات التي يعيشها الطلاب في الطريق إلى دمشق، على بعد مائتي ميل جنوبا على الطريق السريع 60، عند زيارة الخليل – مدينة الضفة الغربية التي يقال إن إبراهيم وإسحاق ويعقوب مدفونون بها، صاعقة لروح الشتات. كما تضم المدينة الفلسطينية -أكبر مدن الضفة الغربية – في البلدة القديمة عدة مئات من المستوطنين اليهود الذين يحميهم جنود إسرائيليون مسلحون، ويسيرون في شوارع الحي الخالية.
سافر بوشدال إلى القدس قبل عامين للدراسة في مدرسة دينية هناك، معهد بارديس للدراسات اليهودية. على الفور تقريبا وجد نفسه يفعل أمرين لم يفعلهما من قبل:
الانخراط في نشاط التضامن الفلسطيني وإغلاق هاتفه يوم السبت. وبينما كان يقضي ليلة في أحد الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، شهد مداهمة لأجهزة الأمن الإسرائيلية. وفي حادثة أخرى، هاجمه مستوطنون أثناء قيامه بالمساعدة في قطف الزيتون في بلدة بورين شمال الضفة الغربية. وقال: “أعتقد أن هناك افتراضا بين اليهود الأمريكيين بأنه كلما زاد معرفة الناس بالصهيونية، كلما أصبحوا أكثر صهيونية”. “وأعتقد أن هذا خطأ. “
من الصعب جدًا تصور يهودية لا تمنح قيمة لأرض إسرائيل، على الأقل كفكرة. يتم ترتيب معظم الملاذات اليهودية في الولايات المتحدة بحيث يواجه الحاضرون الشرق. تتخلل القداس أسماء الأماكن: إسرائيل، تسيون، يروشالاييم. “العام المقبل في القدس!” كيف يتم الانتهاء من كل عيد الفصح. لكن إيلانا سومكا، طالبة في السنة الثانية في مدرسة ALEPH الإكليريكية / برنامج التحالف من أجل التجديد اليهودي / وقعت على الرسالة، قالت إن هناك فرقًا بين أرض إسرائيل في النصوص المقدسة، “والتي ستكون دائمًا جزء مهم من ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا”، والبلد الحديث، الذي، وفقا لسياساته، “قد يغير علاقتنا بالكيان السياسي “.
يعرف بوشدال ما تقوله النصوص المقدسة اليهودية. إنه يعرف أن هدف العبيد المحررين أثناء تجوالهم لمدة 40 عامًا في البرية كان أرض الميعاد. إنه يعلم أن أقدام الملك داود كانت تسير في العصور القديمة على سفوح تلال يهوذا، وأن ابنه، الملك سليمان، بنى في القدس الهيكل، مركز العبادة والتضحية الذي دمر مرتين، والذي يعتبر كل كنيس تقليدًا واعيًا له. لكن تقوى بوشدال هي بالضبط مصدر سياسته. قال: “لقد حدث تطرفي الديني والتطرف السياسي بشكل متزامن”.
قبل قرن من الزمان، ساعد الحاخام الإصلاحي ستيفن إس وايز في تقنين اليهودية الإصلاحية – وبالتالي اليهودية الأمريكية- كدين رفع الاهتمام بالعدالة الاجتماعية بالمعنى الدنيوي. (وايز، الذي توفي عام 1949، كان أيضًا صهيونيًا مبكرا ومؤثرا). تعرف هذه النظرة الدينية باسم اليهودية النبوية، النظير اليهودي للإنجيل الاجتماعي. أبرزت اليهودية النبوية أنبياء مثل عاموس وإشعياء وميخا، الذين بدت تعاليمهم وكأنها تتحدث عن قضايا معاصرة. ارتبطت الدعوة لتحقيق العدالة الاجتماعية لاحقا بالمفهوم الديني القديم المتمثل في “إصلاح العالم”، مما أدى إلى إدخال المصطلح العبري tikkun olam إلى اللغة اليهودية الأمريكية العامية.
تم وضع العديد من النصوص المفضلة في اليهودية النبوية أثناء منفى الإسرائيليين في بابل. هم عادة ما يتعلقون بخطايا الناس التي بررت طردهم. قال بوشدال: “أعتقد أن الأنبياء هم جزء من القانون أيضًا”. لقد طرح فقرة من الفصل 33 منحزقيال تحدثت عن المأزق الحالي. يتلقى الإسرائيليون، الذين يعيشون بالفعل في المنفى، الأخبار بأن القدس قد احتلت منقلب القوات البابلية. يتحدث من خلال حزقيال، الله يسرد العديد من الأعمال الشريرة لبني إسرائيل. صحيح أن الأرض وعدت لهم على أنهم من نسل إبراهيم. لكنهم انتهكوا شرائعه. لقد سفكوا الدماء. يسأل: “وأنت تتوقع أن ترث الأرض؟”
قال لي بوشدال: “لقد طردنا من الأرض من قبل”. “ارتباطنا بالأرض له شروط.”
* مارك تريسي مراسل إعلامي لصحيفة التايمز. في السابق، غطى الرياضة الجامعية لمدة خمس سنوات. كما كان كاتبًا في The New Republic and Tablet، وهي مجلة يهودية، حيث فاز في عام 2011 بجائزة National Magazine عن التدوين.
2021-11-09