الانتخابات العراقية.. الديمقراطية المدججة بالسلاح!
البروفيسور كمال مجيد.
بمناسبة الانتخابات العراقية التي قد تجري في اكتوبر/ تشرين القادم علينا ان ندرك اولا ً بأن الديمقراطية الليبرالية التي تعتمد على الانتخابات الدورية حق خاص بالدول الغربية الغنية. ان هذه الدول الرأسمالية لا تسمح، بل تمنع تمتع الشعوب المقهورة بمثل هذه الديمقراطية خوفاً من انها قد تمنع الشركات الرأسمالية من استغلالها، بل قد يقرر شعب ما التحرر من المستعمرين.
لشرح هذه الحقيقة يؤكد الباحث كازانجيكيل على (( ان النظام الرأسمالي يمنع قيام المواطنين في العالم الثالث من خلق رأسماليتهم المحلية المستقلة. مما منعهم من مكافحة بيروقراطية دولتهم التابعة او سيطرتهم على الحكومة والدفاع عن مصالحهم الاقتصادية كأية دولة ذات سيادة … فالدولة المحلية تشكلت لحماية الانتاج الرأسمالي للشركات العابرة للاوطان التي تمول الدولة العميلة لهذا الغرض …)) راجع :-
Kazancigil, A, The State in Global Perspective, London, Gower UNESCO, 1986
يؤكد جاكسون وروزبيرغ على أن ” الدولة في العالم الثالث قد تكونت قانونياً كمخلوق استعماري قبل ان تتوفر الظروف الاجتماعية، المحلية، لها لكي تتثبت كحقيقة واقعية… فتظاهرت وكانها تمثل المصالح الاقتصادية والادارية والثقافية المحلية. “( راجع :Jackson, R.H. and Rosberg, C.G. Jutidcal Statehood in the Crisis of Tropical African States,
International Political Scince Asoc. 13th Congress, Paris, 1985
لقد قامت الجامعة المفتوحة البريطانية بدراسة العلاقة بين الرأسمالية والدولة في العالم الثالث وتوصلت الى النتائج التالية:-
1 – ان الدولة الحديثة تكونت من قبل الرأسمالية الاوروبية ثم انتشرت في العالم لتنفيذ متطلبات النظام العالمي الرأسمالي.
2 – تتدخل الدول الرأسمالية في تصرفات السوق العالمية بغية زيادة ارباح الشركات المسجلة عند كل واحدة منها.
3 – ان التقسيم السياسي للعالم الى دول منفصلة، يتم حكمها من قبل البلدان الرأسمالية، بصورة مباشرة اوعن طريق الحكومات المحلية، جاء تلبية لسلامة النظام الرأسمالي ولتخفيف التناقضات الموجودة بين الدول الرأسمالية المختلفة. راحع:-
(Mclennan, G., Held, D and Hall, S., The Idea of the Modern State, Open University Press, Milton Keynes,1984
تؤكد هذه البحوث وكثيرة اخرى ان الدولة في بلدان العالم الثالث تكونت لخدمة المستعمرين واتفاق سايكس بيكو لتقسيم الشرق الاوسط خير دليل على ذلك. وفي كل بلد نصب المستعمر، منذ البداية، رهط فاسد وامين من العملاء لتسهيل اعمال الشركات التي تدخل البلد مع جيوش الاحتلال. فتمني الشعوب المقهورة بالديمقراطية نمط من الخيال. فالشعوب الصغيرة او الضعيفة ليست حقاً مستقلة لأن الدول الاوروبية وامريكا لا تعترف بهذا الاستقلال. وغالباً يأخذ الاعضاء الدائميون في مجلس الامن قرارات مؤذية ضد الدول الضعيفة. فالحرب ضد العراق او افغانستان اوليبيا، بل حتى الحرب الاهلية في سوريا، حدثت بمبادرة والحاح الدول الغربية وامريكا بصورة خاصة.
علاوة على ماورد اعلاه من الحقائق هناك بحوث اكاديمية غربية مفصلة تثبت عدم امكانية تطبيق الديمقراطية في البلدان الفقيرة اوالمتأخرة ثقافياً او صحياً. ففي دراسته لمختلف البلدان اكتشف جون ستيفنز من جامعة كمبريج ببريطانيا “وجود علاقة متلازمة وجازمة بين التطور الاقتصادي والديمقراطية.” راجع:-
John D. Stephens, The Idea of Democracy, Cambridge University Press 1993
لقد قلم ليبست بدراسة احصائية مفصلة، مستخدماً ” نظرية الدالات الانشائية” واستنتج ان نجاح النظام الديمقراطي يتحقق فقط في البلدان المرفهة اقتصادياً وتتمتع شعوبها بالثقافة والصحة العاليتين راجع:-
S.M. Lepset , Political Man, Garden City, Doubleday 1960
والعراق، منذ الاحتلال والحروب العديدة ، تحول الى بلد مفلس باعتراف الكاظمي مما جعله ان يقبل بـ 150 مليون دولارمن الرئيس
بايدن لقاء استمرار الاحتلال بشكل جديد.
أن الحالة الاقتصادية في العراق مصابة بالفوضى فلا كهرباء او ماء او مجاري الصرف الصحي وانتشار البطالة والامية بل اصابة المستشفيات بالحريق وموت العشرات فيها كلها تمنع نشوء ونمو الديمقراطية فيه . ثم ان الديمقراطية ليست المشكلة الآنية او الرئيسية وان جاءت بقدرة قادر او بفضل من امريكا فانها لا تحل مشاكلنا ولا تجلب الخبز لمحتاجينا.
منذ سنة 1980 دخل العراق في الحرب مع ايران ثم حرب الكويت وحرب الاحتلال في 2003 ، علاوة على الحروب الاهلية بين العرب والاكراد وحرب داعش بعد احتلال ثلث العراق . هذه الحروب خربت معالم المدنية فيه وارجعته الى القرون الوسطى. ان الشعب المسكين أخذ يخاف من كلمة الديمقراطية، وخاصة الامريكية منها. ولهذا يرفض المشاركة في الانتخابات المزيفة.
ان اعادة الحالة الطبيعية الى البلاد تحتاج الى المليارات. فالاحسن، رجاء ً،عدم تهديدها بالديمقراطية المدججة بالسلاح.
2021-08-02