واشنطن تحشد عربانها لمزيد من استنزاف سورية
أحمد زين الدين
-
ريتشارد هولبروك؛ الدبلوماسي الأميركي الذي توفي أواخر عام 2010، وهو عينه باراك أوباما في العام 2009، مبعوثاً خاصاً إلى أفغانستان وباكستان، وكان قبلها قد عُيِّن مندوباً خاصاً إلى يوغسلافيا السابقة، لإنهاء الصراع بين البوسنة والهرسك، وتوصّل إلى اتفاقية دايتون عام 1995، والتي أنهت هذا الصراع، هو من تحدّث عن دبلوماسية “الحقيبة والدبابة”.
ويبدو أن “العقول” الخليجية “النيّرة” قد استفادت من هذه “النظرية” الأميركية، لتقدم للسيد الأميركي خدماتها “الجليلة”، خصوصاً أن هناك كثيراً من العيون الأميركية الحمراء على تلك الدول الغازية في الصحراء العربية، التي لا تقبل لشعوبها أن يُدخلوا “الحداثة”، فريتشارد بيرل؛ الذي كان يطلق عليه “أمير الظلام”، وعمل مستشاراً في البنتاغون الأميركي أيام جورج بوش الابن، كان ينظّر ويأتي بالباحثين الأميركيين ليحاضروا أمام جنرالات الولايات المتحدة، وينظّروا “لضرورة التغيير في السعودية، وإلا سينفجر الوضع في وجهنا”.
وربما لهذا سارعت مملكة الرمال، والمشيخات الخليجية، لمبايعة كل المشاريع الأميركية للمحافظين الجدد في الهجوم على المنطقة وتفكيكها، وعليه قدّمت السعودية وقطر والبحرين كل شيء؛ القواعد العسكرية، والأموال، والأرض، للانطلاق لغزو العراق عام 2003.
قبلها كانت المملكة “الوهابية” قد قدّمت كل الإمكانيات لنشوء وتطور وارتقاء “القاعدة” التي عشعشت في أفغانستان، ونصّبت عليها قائداً وأميراً وزعيماً؛ نجل أحد أبرز وأكبر رجال الأعمال السعوديين، وشريك العديد من أمراء الأسرة الحاكمة، إضافة إلى كونه أصله من حضرموت اليمنية، التي يضع آل سعود عينهم عليها منذ عشر سنوات..
إلى أن كانت أحداث 11 أيلول 2001، التي تبيَّن أن من أصل 19 مهاجماً من “القاعدة”، بينهم 16 سعودياً، فكانت بداية هيَجان الثور الأميركي، الذي توسّع بقواعده في دول الخليج، وبدأت مرحلة جديدة تولاها كاتب سيناريو بارع، لا يقتل أبطاله، لكنه يوزّع عليهم الابتسامات، وهكذا أمكنه أن يجعل الدولة العبرية خارج أي خيال عربي.. لا بل إن هذا الخيال كان قد بدأ يموت منذ أن جرّ أنور السادات إلى اتفاقية كامب دايفيد، وحوّل مصر إلى دولة يعشعش فيها الفساد والقطط السمان، ولصوص المال الحرام، ليتبعها باتفاقيتي وادي عربة مع الأردن وأوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، بينما كانت معظم الدول باعة الكاز الصحراوية تطبّع سراً وعلناً مع العدو، وتدافع عنه، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، الموقف الرسمي السعودي في قمة العدوان “الإسرائيلي” في حرب تموز 2006، الذي صدر عن مجلس الوزراء الذي اجتمع برئاسة الملك ووصف المقاومين بـ”المغامرين”.
كان انتصار المقاومة العظيم كالماء الساخن الذي سقط على رؤوس باعة الكاز، لهذا فرض السيد الأميركي أن تتحول “إسرائيل” فعلاً خارج الخيال العربي الذي مات، ولا بد برأيهم أن يموت من هو قادر على إعادة شحنه في لحظة ما، فاندفع بائع الكاز بكل قوته من أجل هذه المهمة.
خرجت حاملة الغاز القطرية من اللباس الذي ارتدته، كدولة تسعى للحداثة والتوازن، وبدأت بتمويل أكذوبة “الربيع العربي”، واندفعت مملكة الرمال تهول وتهدد، وسخّروا له مئات المليارات من الدولارات..
ووفقاً للمعلومات، فإن قطر تدفع شهرياً لـ”جبهة النصرة” وحدها، التي تُعتبر ذراع “القاعدة” في بلاد الشام، عشرين مليون دولار شهرياً، والسعودية هي التي أسهمت في ولادة “داعش” لتسبق قطر في تطرفها ضد الدولة الوطنية السورية، من خلال ربط العراق بسورية في الفوضى العارمة، التي تنتهي بإعادة تشكيل المنطقة وفق رؤية صهيونية، إضافة إلى تمويلها الكبير للعديد من التنظيمات الإرهابية، كـ”جيش الإسلام” بقيادة زهران علوش، و”أحرار الشام”، ناهيك عن المشاركة الفاعلة في غرفة “موك” التي تعمل لخلق دويلة لحد جديدة على الحدود مع الجولان المحتل ومع الأردن، الذي يتميز بالتنسيق الأمني الشديد مع المخابرات الصهيونية والأميركية.
ثمة خلاصة واضحة لكل لهذا الواقع، عبّرت عنه دراسة صدرت عن “معهد ستراتفور” المميز بصلته الوثيقة بـ”CIA”، وهي أن الإنجاز الثمين المحقق بنتيجة الحرب على سورية هو شل القوة الإقليمية السورية التي كانت المنافس الرئيسي لـ”إسرائيل” قبل عام 2011، وإشغالها بأولويات التصدي للتهديد الداخلي الذي تمثله الجماعات المسلحة المتعددة، خصوصاً تنظيمي “داعش” و”النصرة”، ويقدم التقرير صورة لخلاصة المشهد الإقليمي الذي يجعل من “إسرائيل” القوة التقليدية الأكبر في المنطقة بفعل إشغال الجيشين السوري والمصري بتحدي مواجهة التهديد الإرهابي في الداخل.
بيد أن التقرير يسجل أيضاً، قدرة الدولة الوطنية السورية بقيادة الأسد على الصمود ومواجهة المجموعات الإرهابية من جهة، والحفاظ على قدرات الردع بوجه الكيان العبري من جهة ثانية، وتماسك الجيش السوري وظهور قيادات وأجيال جديدة شابة من القادة العسكريين الذين صاروا يملكون أعظم المهارات الحربية من جهة ثالثة..
هل سنكون أمام مرحلة جديدة من المواجهات الكبرى؟
لنتابع تطورات الميدان السوري بدقة، وإلى أين ستتجه اليمن في المواجهات التي تدخل شهرها السابع، وسط إجرام سعودي وخليجي قل نظيره، وصفه صحافي يمني أن هدفه التغطية على الإجرام الصهيوني، لإظهار العربي كمصاص دماء..؟
2015-09-10