البدو والطائفية!
ابو زيزوم.
اذا رأيت بدوياً يلهج بالطائفية دون حماس فاعلم انه يجامل بعض الناس . اما اذا رأيته متحمساً لها ويتوقد غضباً فاعلم انه يعاني من ضعف في شخصيته ولديه شعور بالنقص يحاول إكماله بتقليد الآخرين . فالتقليد بطبيعته محاولة للارتقاء الى من يحس المرء انهم اعلى منه مرتبة . والطفل يكون في بدايته مقلداً في جميع تصرفاته لإحساسه بالعجز الكامل عن فعل شيء يفعله الكبار ، وكلما كبر واستطاع ان يفعل أشياء تتناقص في سلوكه نسبة التقليد الى ان تستقل شخصيته . لكن استقلال الشخصية لا يتحقق كلياً حتى في الكبر ، ودائماً هناك رجال يحتفظون بمقادير معينة من الضعف امام غيرهم .
اخص البدو بهذا الوصف ( تحديداً بدو الهلال الخصيب ) لأن الطائفية لا وجود لها في تراثهم الثقافي . فبسبب العزلة التي عاشوها منذ عصور سحيقة ، وبسبب قوة العصبية القبلية التي تستبد بأرواحهم ولا تسمح لعصبية ثانية ان تزاحمها ، انعدمت في وجدانهم العاطفة الطائفية ولم تنشأ أصلاً . كانوا يتواصلون مع المجتمعات الاخرى بحكم ضرورات الحياة الا ان تواصلهم يقتصر على معاملات محددة تخلو من اي احتكاك ثقافي ، خصوصاً وأن الدين عندهم يقتصر على إيمان فطري لا يتضمن الا الحد الأدنى من الممارسات .
فلما تغير نمط الحياة في العصر الحديث واختلطوا بمجتمعات سبقتهم في الاستيطان وتقدمت عليهم حضارياً تولد عند بعضهم شعور بالنقص لا يجد له تفسيراً ، وللتغلب عليه انغمس في تقليد الجيّد والرديء مما يراه عند المتقدمين عليه . وتلك مسألة طبيعية في التفاعل بين الشعوب فقد قلّد العرب الاتراك ثم قلدوا الأوربيين اثناء الخضوع لهم . وفي جميع تلك الحالات يأخذون الغث والسمين دون تمييز .
الطائفية لا علاقة لها بالدين الا شكلياً ، وهي في الحقيقة خروج صارخ على الدين . لكن أغلب الطائفيين يدخلون الى هذه العاهة من الباب الديني لإعتقادهم انها من الدين ، تماماً كما كانوا يعتقدون ان الضوء من القمر حتى جاء العلم الحديث ليثبت آية قرآنية تنفي العلاقة بين الظاهرتين . والدليل انك تجد هذا البدوي ( الطائفي ) لا يكف عن التغني بأمجاد اسلافه التي خلاصتها غزوات على مسلمين مثلهم لقتلهم والاستيلاء على اموالهم . هذا الشخص الحالي لم يقتل أحداً ولم يسلب شيئاً ولم يعش في ذلك الزمن ، وانما يسعى بلا ادراك للإنتساب الى جريمة لم يقترفها . بينما توجد في تاريخه حسنة كبرى يستطيع المفاخرة بها ولكنه يتحاشاها كأنها مثلبة ، تلك هي انعدام الطائفية في تاريخ اجداده . وكأني به ولفرط احساسه بالنقص يود لو يسبغ طائفيته المكتسبة على الراحلين من قومه ليقنع نفسه الضعيفة بأنه ليس أقل شأناً من سواه .
( ابو زيزوم _ 1012 )
2021-03-02